شبـــاب العمـــــار
إضغط دخول وإدخل فورا
وإلا إعرف إن الفيسبوك هو اللي منعك
واحشتونا والله
شبـــاب العمـــــار
إضغط دخول وإدخل فورا
وإلا إعرف إن الفيسبوك هو اللي منعك
واحشتونا والله
شبـــاب العمـــــار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول


 

 أكــان لا بــد يا عبـد العال أن تبـص لي ؟

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
AhMeD
المدير العام
المدير العام
AhMeD


ذكر
عدد الرسائل : 2567
تاريخ التسجيل : 07/03/2007
التـقــييــم : 0

أكــان لا بــد يا عبـد العال أن تبـص لي ؟ Empty
مُساهمةموضوع: أكــان لا بــد يا عبـد العال أن تبـص لي ؟   أكــان لا بــد يا عبـد العال أن تبـص لي ؟ I_icon_minitimeالثلاثاء 29 يوليو 2008, 7:08 am

قصة ، من : محمد عبد الله الهادي



" في البدء كانت النكتة ، وفى النهاية ربما أيضاً تكون ، والنكتة أنها
ليست نكتة ، لكنها واقعة حدثت لأهل النكتة ، صنّاعها المهرة ورواتها
العتاة ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

" يوسف إدريس في قصة " أكان لا بد يا "لي لي" أن تضيئي النور ؟".

طبعاً نكتة يا شيخ "عبد العال" . نكتة جعلتْ حي "الباطنية " ، حي الكيف
والفرفشة والمرح ، يستحيل كلُّه من أدناه إلى أقصاه لفمٍ واحدٍ مفتوح على
اتساعه ، يقهقه بالضحك العالي مع تواتر دفقات صدره المنتفخ بهواء الكيف
وروائحه النفاذة . النكتة التي صنعتها وجنتْ عليكَ ، وأنت الجاني على نفسك
، كي يسجلها الحي العتيق في مآثره الخالدة التي لا تُنسى ، وتستعيدها ـ
بين الحين والآخر ـ مقاعد أهلة الملفوفة بضباب الدخَّان الأزرق . المقاعد
التي برعتْ عبر أجيال متتالية ، بذكاء التحشيش القراري ، في صنع تراث هائل
من النكت عن "الصعايدة " وأقل منة قليلاً عن "البحاوره " ، من معين لا
ينضب ولا يجف . وإن غاض ماؤه قليلاً ، فإنهم حتماً سيجدون في قاعه نكتاً
حتى على أنفسهم . وما إن يتذكرونك يا شيخ "عبد العال" ، مجرد تذكر ، حتى
تتفجر صدورهم بزلزال من الضحك لا يبقى ولا يذر واحداً منهم أينما يكون، بل
يجعلهم يترنحون ويتصادمون من فرط القهقهة والانبساط ، بينما تصفق أكفهم
بالفرقعة وهم يرددون:

ـ "الله يجازيك يا شيخ عبد العال " .

يبدو أنك حاولت التقرب منهم ، لكن ثمار مجهوداتك المأسوف عليها ذهبت سُدى
. أهل الباطنية الذين استأنسوا الشيطان منذ زمن بعـيد ، وجعلوه واحداً
منهم ، يستوي لديهم كل أمر . وأي أمر عندهم لا يمكن أن يخلو من شيء مضحك ،
حتى ولو كانوا يسيرون وراء جنازة ، فالجنازة حارَّة والميت ـ حتماً ـ لا
يخلو شريط حياته ، الذي وصل لنقطة النهاية الآن ، عن موقف مضحك : حادثٌ
ألـمَّ به ولو كان عادياً ، كلمة تفوَّه بها ولو كانت عابرة ، كل شئ من
أجل الضحك يمكن تطويعه وتحريفه وتزويقه وزغزغته كطفل حتى يكركر بالضحك .
ماذا تنتظر من أناس تجارتهم الكيوف : حشيش وأفيون وسيكونال وبلاء أزرق ،
وينتظرون الخطر في أية لحظة ؟ . يعيشون ما بين أوكارهم على حافة الخوف
والمغامرة والمكسب السهل والفراغ الهائل . وكأنهم كانوا ينتظرونك أنت ،
دون خلق الله جميعاً ، لتأتى لهم على غير توقع ، وتصنع لهم النكـتة
الكـبرى .

حتى ليلى . . أقصد " لي لي" ، التي فُوجئت بك في ذلك الصباح الغريب ، كانت
تنتظرك . فلقد كانت تعرف بداهةً وبحس أنثوي هجين ، مصري على ساكسوني ، أنك
في نهاية الأمر سوف تأتى إليها ، وتطرق بابها مستأذناً في الولوج . ولقد
كان الأمر محيراً لأنك لم تصمد طويلاً ، فلقـد جئت مسرعاً ، وبنفس السرعة
كنت تفك زرار الكاكولة الأعلى وأنت تحثّها :

ـ "جئت أعلمك الصلاة".*

انزلقتْ ملاءتُها عن جسدها العاري بشبهة تعمّد ماكر ، ألحقتها هي وضمّتها
بقوَّة بشبهة إغـواء لا يُشبع ، وقد سبرتْ غور اللحظة وقرأت كتابك
المفـتوح ، وهى تقول لك :

-ـ"أنا اشتريت الإسطوانة الإنجليزي اللِّي بتعلم الصلاة لقيتني أفهمها أكثر . . متأسفة " .*

وأطفأتْ النور . .

أطفأتْ النور ، وهى تعتقد أن حكايتك يا شيخ "عبد العال " قد انتهتْ عنـد
هذا الحـد ، وبدلاً من أن تعلّمها الصلاة ، علمتك هي الدرس ، وليس ثمّة
حاجة إلى مزيـد .

لكنها ، فيما بعد عرفتْ الحكاية ، ولملمتْ باقي الصورة ، وتملكتها الدهشة
، وعلاَ وجهها استغراب حقيقي للحظات . ثم فجأة ، تفجَّر صدرها بالضحك ،
ضحك لا ينقطع ، بل ظل متواصلا مع سيمفونية الضحك " الباطـنية " الكُبرى
المتدفقـة من أعماق الصـدور .

طبعاً نكتة يا شيخ عبد العال . . صح ؟ .

v

أكان لابد يا عبد العال أن تبص لي ؟ ! . .

سألت " لي لي " هذا السؤال وأردفـتْ :

" وتبص لمن ؟ ، ألم تسمع عن "لي لي" والأجر على الله يا رجل ؟ .

الحق أقول لك : إنني لم أكن أعرفك ، ربما شفتك من قبل مرَّة أو أكثر ، لا
أذكر ، لم تكن تلفت نظري بصحيح ، ما لي أنا وشيخ الجامع ؟ ، حتى ولو كان
شاباً يتمخطر في كأكولة ؟ ، أنت في حالك يا عم وأنا في حالي يا ابن الناس
. طريقك يمين وطريقي شمال ، طريقك بطئ يقول الآخرة ، وطريقي سريع يقول
الدنيا ، فكيف ومتى ولماذا نلتقي ؟ . أنت فقيه ومقرئ ومؤذن جامع "
الشوبكشي " ، تقرأ القرآن بصوت جميل ، وتعظ الناس يوم الجمعة : هذا حلال
يا ناس وهذا حرام يا ناس . لكنك لا تعرف أي ناس تخاطب يا سيدنا ؟ .

ناس " الباطنية " أهل الزمن الفائت الذين سمعنا عنهم في كتب التاريخ ليست
لهم أدنى صلة بـ " الباطنية " أهل اليوم ، أهل الوقت الخطأ ، والحي الخطأ
، الصلة بينهما منبتّة منذ زمن بعـيد . قلْ يا عم ما على كيفك وهواك ،
وانبح صوتك بالزجر والوعـيد ، أذِّنْ في " مالطة " على رأى المثل، وأهل "
مالطة " ، أقصـد أهل الباطنية : أُذن من حشيش والأخرى من أفـيون ، فبأي
أُذن بالله سوف يستمعون ؟؟ .

حتى أنا " لي لي " والأجر على الله منهم ولست منهم ، مثلهم ولست مثلهم ،
قل يا عم هذا حرام وهذا حلال . سوف أقول لك مثلما قالوا لك من قبل بالفـم
الملآن :

" خميرة عكننة مش عاو زين ، وحسابنا في الآخرة نحن عارفين ، والحساب يجمع ، بأدبك أهلاً وسهلاً ، تدو شنا تانى أنت واللّي يصـح

لك " .*

أكـان لا بد يا عبد العال أن تبص لي ؟ ! . .

عموماً لا تلومن إلاّ نفسك . لم يغصبك أحـد على المجيء ، أنت الذي جئت لحـد عـندنا برجليـك .

في مرَّة سمعت النسوان يتكلمن في سيرتك ، يتحدثن عن الشيخ الصغير الشاب
الذي صار واحداً من أهل الحي . الشيخ الذي يجلس مع الناس في المقاهي ،
ويزورهم في بيوتهم ، ويتبسط معهم ، ويكلمهم في الدين ويكلمونه في الدنيا ،
يسألونه ويجيب على أسئلتهم ، ولا يضيق صدره بهم أبداً . والأجمل أنهم
عندما يطالبون بسماع صوتك ، تقرأ لهم القرآن بصوت جميل ، هذا الصوت الذي
أحبُّوه واكتفـوا به منك .

بعد ذلك سمعت كلاماً كثيراً عنك ، رغم هذا بصراحة ، لم تثر فضولي .

مرَّة ثانية ، سمعت نسوان الحي يدبرن ويكدن لك ، ويغزلن خيوطهن للإيقاع بك
في شباكهن الخادعة والناعمة . يعـز عليهن أن تكون خارج القطيع ، حتى ولو
كنت رجل دين . لكنك مازلت شاباً أعزب ، لم تدخل الدنيا بعـد ولم تتذوق
حلاوتها بالحلال أو الحرام . كن يتجمعن خلف الرجال يستمعن لصوتك الحلو ،
ينتظرن منك التفاتة ، ترى فيها وجوههن المكشوفة والمصقولة بالحلاوة
الرخيصة ، وعيونهن المكحلة بالكحل البلدي ، وخصلات شعرهن الفاحمة
والمغسولة ، يتمطقن بالشفاه المصبوغة بالطلاء الأحمر ، ويغمزن بالعـين ،
ويلعبن الحاجب . . لكنك كما عرفت لم تفـعل . لم ييأسن ، ورحـن يقطعن
الطريق عليك في رواحك وغدوك من الجامع ، بحجة سؤالك عن حكم الدين في
أمورهن الخاصة ، وهن يضمرن لك شر الوقوع في لجّة أسرارهن العفنة . ينتظرن
ـ بصبر لا ينفـد ـ هذا الوقوع كيْ ينقضضن عليك ، ويعمدنك كواحد باطني أصيل
. الاختبار يطول ويطول وهن يجذبن يدك تارةً ، ويطلبن المشورة تارةً أخـرى :

سعديـة : فشل زوجها في معاشرتها بسبب الإدمان المزمن وتخشى الفتنة علي نفسها .

نونا الشعنونة : تخون زوجها المعلم عكاشة مع صبيه الذي يحضر لها الخضـار كل يوم.

سوسو المهروشة : تعاشر أخيها السكران كل ليلة برضاها وتدَّعى أنه يجبرها على الإذعان ولا تملك الرفض :

( هل تقبل منى توبة يا سيدنا ؟ ) .

نـادية : التي تحلُم بك كل ليلة ، تقول لك هذا وهى تسبل عينيها علامة الوقوع في هواك .

( ما رأيك يا سيدنا ؟ ) .

لكنهن ـ ربّك والحق ـ أجمعن على إنّك ، رغم عينك الزائغة التي لا تخفى
عليهن ، لم ترضخ أو تلن أو تتنازل أو تضعف . ظللت مغلقاً أمامهن ، صعب
المراس كحصان برّى حرُون على سائسه الأمريكي في أفلام الكاوبوي التي أعشق
مشاهدتها في سينما الحي . لا حيلة " سوسو " نافعة معك ولا حلم " نادية "
شافع لها . لقد كسرت َ القاعدة يا شيخـنا ، ويبدو أن كيد المشايخ غلب كيد
النسوان . الخائبات رفعن رايات التسليم البيضاء أمام متاريسك وحصونك
العصيّة .

بعد هذا ، وبصراحة ، لقيت نفسي أفكِّر فيك ، عـزَّ على أن أراك تهزم نساء
الباطنية اللائى لم يستعص عليهن رجل من قبل . من أنت بالضبط ؟ ، ألست بنى
آدم مثل باقي الخلق ؟ ، بنى آدم من لحم ودم وغريزة ورغبة ؟ ، بنى آدم يحب
ويكره ، ينجح ويفشل ويذوق طعم الخطيئة المُر كأي إنسان ؟ . . باختصار أثرت
فضولي في التعرف عليك ، لماذا لا اقترب منك ؟ ، أعرف ما عندك وآخذ بعضه
إذا كان ينفعـني . .

وأوقفـتك في عرض الشارع . .

أكان لا بد يا عبد العال أن تبص لي ؟ ! . .

عيني في عينك ، أول امتحـان لك ، قلْ لي من منا الأقـوى ؟ ، أنا أم أنـت ؟ . .

سرحتْ عيناك القويتان بعـيداً ، حلقتا في عالم مجهول ، لكنهما لم تصمدا
طويلاً ، انكسرتا بعـد لحظات صوب الأرض ، وسمعت صوتك يجاهد ألاّ يتلعـثم :
*

ـ " ربنا يفتح عليكي وينوَّر طريقك " .

ـ " طب ماتنورهولى أنت ، ينولك ثواب " .

ـ " النور لابد من الداخل ، من القلب ، نورك في إيـدك " .

صدقـني كنت صـادقة النـيَّة لما قلت لك :

ـ " عايزاك تعلمـني الصـلاة " .

ـ " عنـدي كتـاب خـديه " .

ـ " أنا عايـزه درس خصوصي " .

ـ " استغـفر الله العظـيم ، روحي الله يغـفر لك ويسهل لك " .

لحظتها فقـط حزنت بحق ، ونزلت يا " سبع البرمبة " من نظري . لم تعد سبعاً
ولا يحزنون ، صرت قطاً ماكراً وخائناً . ولحظتها فقط عرفت ، لماذا سرحت
بعقلك بعيدا لما وقفت قدامك وعيني في عينك . أدركت تماماً أن رأسك الملفوف
بالعمامة المقلوظة بعناية لابـد وأنه يموج بالسخافات والإشاعات والكلام
البطَّال عنِّى . أنت معـذور ولا تعرف أن أهل الباطنية هم نصفي المصري ،
ولهذا فأنا أعرفهم جيداً وهم يتلصصون على نصفي الإنجليزي ، النصف الذي
يقربهم ويبعـدهم عنىِّ ، النصف الذي يجعلهم يرونني كعروس المولد الحلاوة ،
العروس المزخرفة والمدندشة و الملوَّنة بالأحمر والأصفر والأزرق . العروس
التي يضعونها في فاترينة أعينهم كي تتاح لهم فرصة البص والتلصص عليها
مثلما فعـلت وأنت تبـص لي . .

أكان لابـد يا عبد العال أن تبص لي ؟! . .

لابد أنك عرفت منهم ، أنهم ، كلّهم ، يريدونني .

يريدون كسر رقبة عروس المولـد ـ رقبتي ـ واستحلاب حلاوتها مع سنّة أفيون ،
أو التهام جسدها السكري ـ جسدي ـ بعد نفسـين حشيش . حاولوا كسر كبريائي
وغروري وعنادي ، لكني وقـفت لهم ، قلت لهم : لا وألف لا . . " لي لي"
الملكة ستظل ملكة ولن تكون أبداً من الرعاع .

حاولوا مراراً وتكرراً ، لم تهمد لهم عزيمة ، حتى يئسوا أخيراً ، ثم قنعوا
بمجرد النظر للعروس الحلوة ، واكتفوا بالثرثرة والخوض في سيرتها بأي كلام
، الكلام الذي لـف حول عمِّتك المقلوظة ودخل رأسك وعشش فيها ، وأنت تبـص
لي من فوق المئذنة ، فقررت أن تحاول ، وأن يكون لك فخـر السبق .

الآن ، تلومني بالسـؤال :

" أكان لا بد يا " لي لي " أن تضـيئي النـور ؟! " .

وسؤالك اللـوّام له عندي سؤال استنكاري :

" أكان لابد يا عبد العـال أن تبـص لي ؟ ! ".

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://shabab-el3amar.net
AhMeD
المدير العام
المدير العام
AhMeD


ذكر
عدد الرسائل : 2567
تاريخ التسجيل : 07/03/2007
التـقــييــم : 0

أكــان لا بــد يا عبـد العال أن تبـص لي ؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: أكــان لا بــد يا عبـد العال أن تبـص لي ؟   أكــان لا بــد يا عبـد العال أن تبـص لي ؟ I_icon_minitimeالثلاثاء 29 يوليو 2008, 7:08 am

في تلك الليلة ، لم تكن أنت على البال أو الخاطر ، ليلة لم تكن ككل
الليالي بالنسبة لي ، ليلة قضيتها في الكباريه . رقصت وشربت وعـدلت "
الطاسة " على حساب رجل سمين له كرش بارز أمامه ، لكنه كرش ملئ بالنقود
والوعود والحياة الناعمة ، تاجر ومنتج سينمائي . أول الليل وضع كفَّه
الصغيرة البضّة على كتفي ، وأقسم بشرف أمّه التي لم أتشرف بمعرفتها ، بأنه
سيجعلني ألعـب أي دور في الفيلم الذي ينتجه الآن ، وأن المخرج الشهير"
صلاح أبو سيف " لا يرفض له طلباً أبداً . " أي دور " : قلت لنفـسي . المهم
أضع رجلي على عتبة باب الفن الذي أعشقه طوال عمري ، أظهر مواهبي المدفونة
، آخذ فرصتي ، الحظ لا يأتي إلاّ مرَّة واحـدة ، إذا طار منِّي فلن أطوله
أبداً ، من يعرف ؟ ، رما يكون هذا المنتج السمين " برهومه " ـ وهذا هو
اسمه ـ حظِّي وقدري المكتوب وباب السعـد في حياتي . رحتُ أضاحكه وأبسطه
على الآخـر ، حكيت له عن معلِّم في الحي اسمه أيضاً " برهومه " ، واسمه
بالكامل : " برهومه زعبولا " ، يشبهه تماماً ، الخالق الناطق . . اكتشـفت
أنه ابن نكـته مثلنا لما رد علىّ :

ـ " وماله ، يمكن أمي الله يرحمها كانت متجوزه عندكم وخلفت برهومه تانى " .

أضحكني ، وظللت أناديه طوال الليـل: " يا زعبولا " ، فيقهقه هو الآخـر بانبسـاط . .

المهم ، آخر الليل أوصلني بعربتـه حتى باب الحي ، وقبل أن يتركني داعبـني قائـلاً :

ـ " سلّمى لي علي برهومه زعبولا " .

طلعت السلم وأنا كالفرخة الدائخة ، دخلت حجرتي وخلعت هدومي ورميتها ، رميت
جسمي الهمدان بالقميص على السرير ، دخلت في النوم ، لم انتبه لنور أو غيره
، التعب أخذني لنوم مشبَّع بالأحلام والكوابيس المزعجة التي ظلَّت تناوشني
وتقلق منامي :

مرَّة أشوف أمي " بديعة " تتـأبط ذراع رجل أحمر الوجه ، يرتدي بدلة عسكرية
، وهى تناديني قائلة : " سلِّمى يا ليلى . . أبوكي جون ياحبيبتى رجع من
الحرب بالسلامة . "

ومرَّة أشوف نفسي بطلة فيلم كبير ، والبطـل الذي يقف أمامي هو " برهومه
زعبولا " ، أراه وهو يأخـذ رأسي بكفِّه لينام على كرشه الرجراج ، أحـط
رأسي وأنام وأشـخر . .

أتقلب في فراشي ، يهاجمني كابوس ، أفتح عيني ، أتفل في عبِّي وأنا أردد :

" ابعد يا شيطان . . حوش يا حوّاش . . "

أنام ، أتقلب على السرير، أشوف جدّي " موريس " وجدّتي " لويزا " ، مازلت
أتذكر اسميهما وطيف ملامحهما وهما يجذبان يدي : " تعـالي يا لي لي . .
تعالي يا حلوة " ، وأمّي تجذب يدي الأخرى وهى تصيح بتصميم لا يلـين : " لا
يمكن أبداً . . ليلى لا يمكن أسيـبها من حضني . " .

طبعاً أكـيد عرفت أصل هـذه الحكاية منهم ، وأن "جون " الذي أمضي ليلة في
أحضان أمي قبل رحيله للحرب ليلقي حتفه ، قرر في الصباح زواجها لأكـون ابنة
شرعية له . وأن أمّي ، رغم توسلات جدّي ، احتفـظت بي في النهاية . ومعاش
أبي الجندي "جون" ظل يصلها بانتظام لخمسة وعشرين عاماً ، فجعلنا نعيش في
بحبوحة ونغنغة وسلطان بين ناس الحي ، ولم تعد أمّي تعتـمد اعتماداً كلياً
على عملها الذي لا يخجلها ولا يخجلني، والذي يكون يوماً في الطالع وآخر في
النازل .

أحيانا أفكر ، ماذا لو عـاد الزمن بي للوراء ؟ وكان لي وحـدي حـق الاختيار والفـهم ؟

أفكر في هذا الآن وبعـد كل هذه السنين . أحس بالدم الخليط الذي يجرى في
عروقي ، يحمل أشياءاً كثيرة من هؤلاء الناس الذين لم أعايشهم وانتمي إليهم
: جون وموريس ولويزا ، نفس الأشياء التي تجعلني أكون أحياناً عنيدة بلا
عقـل ، أو باردة لحـد الجنون ، أو مغرورة للحـد الذي يجعلني أقول للدنيا
بأسرها بتحـد :

" يا أرض انهـدِّي ، ما عليكي قـدِّي " .

صدقني يا شيخ عبد العال أنا أحب هذا " الكوكتيل " في شخصيتي ، كانت أمّي
تضيق بي أحياناً ، تستنكر عليَّ هذا ، تقرعني بكـلام هو مزيج من اللـوم
والإعجـاب :

ـ " طالعه زي بقية أهلك الساكسون يا بنت جون " .

أكان لابـد يا عبد العال أن تبـص لي ؟! . .

نائمة أنا ، متعبة جداً ، مرهقة وكارهة لحر الصيف ، أود لو أخرج من قميص
نومي وأرمي نفسي في النـيل ، أتـبرد في مياهه الجارية ، تطوِّح برأسـي
الأحـلام والكوابيـس .

فجأة يجيئني الصوت متسـللاً ، مقتحـماً ، ممزوجاً بالحـلم :

" سبحان فالق الإصباح . . سبحان فاطـر السموات والأرض "

انقلب على جنبي ، بطني ، ظهري ، افتح عيني للنور يغشاني . .

" يا رب " : ترن في فضاء الكون ، استغاثة بصوت جميل ، تدخل من شباكي
المفتوح ، تطبطب على كتفي ، تمسح عرق جبهتي ، تهمس لي " اصحِي يا لي لي .
. قومي "

" يا رب " : عالية ، مناجية ، مقتحمة ، متسللة ، تتسرب كالعطر بين شقوق
دور الباطنـية المتهالكة ، ومن تحت أعقاب الأبواب الموصدة ، ومن خصاص ضلف
الشـبابيك . .

" يا رب " : منغمة ، مبحوحة من جوف الصدر ونياط القلب، تلف ، تدور ، تصعـد ، تعـود كبخـور المبـخرة . .

" يا رب " : جلسـتُ على السـرير . .

" يا رب " : لم أكن أحـلم إذاً ، أنا يقظانة الآن تحت النور الباهر للمبة
السقف المتدلية من سلكها فوق جسمي العاري ، النور يخرج من شباكي مع نظرة
عيني ، يعبر الشارع الضيق ويقف عند دائرة المئذنة المعتمة في الفـجر ،
النور يبين الرجل الذي يستغيث بالله . واقف هناك ، نصفه الظاهر من دائرة
المئذنة ثابت ، كفّاه على صدغيه ، ينادي من قلبه : " يا رب ". . تتآلف
عيناي مع الأشياء ، عيناه المفتوحتان على سعتهما تصوبان شعاعهما القوي
نحـوي . .

" يا رب " : تخترقني نظرته ، تنفذ في جسدي العاري ، تخيفني ، تهزّني من موضع ثبـاته الواقـف . .

اكتملت يقظتي . . الشيخ عبد العال ! ، الآن عرفتك ، من سيكون غيرك فوق المئذنة ؟ .

أسأل نفسي : منذ متي يا رب وهو يستغيث وينظر لي ؟ ، يدعو ربّه وينظر لي ؟ .

يقول " يا رب " ويشملني بعينيه الجائعة ؟ ، كيف يستقـيم هذا ؟ .

تناهي لسمعي صوت الشارع تحت الشباك ، الشارع يتنحنح ، الشارع يسعل سعالاً
قصيراً متقطعاً ، الشارع يتمضمض ، ، يستنشق ، يهمهم ، يتوضأ ، يبسمل ،
يحوقل ..

هل خرج أهل الحي كلهم لصلاة الفجر ؟ ، هذه الأصوات لا تجئ إلاّ ساعة صلاة
الجمعة ،مرَّة كل أسبـوع . " برافو " يا شيخ عبد العال ، والله " شــاطر "
.

" يا رب " : نهضت من رقـادي .

" يا رب " : جسمي يتلوَّى جذلاً مع نبرات صوتك الجميل ، جسمي يأخذني
للشباك ، عيني في عينك يا رجل ، لا يفصلنا سوى الشارع الضيق ، لكنك صمت
قليلاً ، وكالمرة السابقة رفعت بصرك للسماء ، ثم جريت مسرعاً تهبط مع سلم
المئذنة .

أكان لابد يا عبد العال أن تبص لي ؟! . .

v

أقفلت " لي لي" شباكها وعادت لسريرها ، النوم الذي طار من الشباك المفتوح
رفض العودة مرَّة أخرى ، والصوت الطالع لحد عندها من صحن جامع الشوبكشى
يجأر مؤمناً :

ـ" آميـــــن " .

صوت جماعي ممطوط لأقصي طول للنفـس .

" آمين " محمّلةً بقـدر هائل من الندم على ما فات ، محملةً بالرجاء والعفو والشجن والرغبة في التـوبة .

" آمين " لأناس طال ابتعادهم عن هذا المكان ، وفجأة ، وبدون نيّة مسبقة ،
وجدوا أنفسهم يهيمون وكأنهم في حلم ، يستيقظون في ذلك الوقت المستحيل الذي
يكونون فيه في سابع نومة ، يستجيبون للصوت المنادي من فوق المئذنة ،
يتلاقـون ، يتبادلون النظر ولا يتكلمون ، كأنهم ممسوسون بالسـحر المنطلق
من الصوت المستغيث ، المحمَّل بكل هذه القوى غير البشرية بالقطع . كانوا
سعـداء سعادةً حقيـقيةً لأول مرة بعـد ما صدّت نفوسهم من السعادات المزيفة
المصنوعة بضباب المخدِّر . السماء في فجر الباطنية الرمادي ، يرونها الآن
مفتوحة الأبواب ، في هذه اللحظات المسروقة من عمر الزمن .

"آمين " مازالت ممطوطة بهذا القدر الهائل من الخشوع والتذلل ، كأنما هي الفرصة الأخيرة نحو التسابق والوصول والعـودة . . لعل وعسي .

وأنت يا شيخ عبد العال تركع وتسجـد بهم إماماً . و" لي لي " التي أيقظتها
في حجرتها لن تتركك في حالك ، قفزتْ لك في منتصف القبلة : يا للهول ! ، يا
للشيطان الرجيم ! ، " لي لي " عارية تماماً كما ولدتها أمها ، شاهقة
البياض ، محلولة الشعر ، تستقبل سجودك ، شيطان " لي لي" الذي قفز من
شباكها وراءك اعتقل عقلك ، وتلبس جسدك ، ونزل معك لصحن الجامع :

الركعة الأولى . . الركعة الثانية . . السجدة الثانية والأخيرة . .

سجدت يا عبد العال فسجدوا خلفك : لم يلهج لسانك بالتسبيح :

" سبحان ربي الأعلى " .

لأن " لي لي " وضعت حداً للأمر وجعلتك تردد مهزوماً :

" عفوك يا إلهي . . الشيطان انتصر " . .

وقفتَ ، قفزتَ من الشباك المجاور للقبلة ، وفى لمح البصر كنت تخبط باب
حجرتها ، دُهشت " لي لي " ، منذ لحظات كنت هناك في الأعالي تقول يا رب ،
فتعلو بها حتى هلال العصر التركي للمئذنة ، وتصعد بها حتى السماوات العُلي
. الآن ، أنت واحـد من أحـاد ناس الباطنية الكثار ، ها أنت قد سقطت من
حالق لسابع أرض . ملأتْ صورتك المهلهلة عينيها ، كصورة أي مسطول زائغ
العينين وتسيل ريالته على صدره ، ويتلعثم لسـانك :

ـ" جئت أعلمك الصلاة "*

عندما أطفأتْ النور وتركتك ، نزلتَ كما طلعت وأنت تمضي في الشارع الضيق
المجاور للجامع لأخر مرَّة ، العرق البارد يسيل على جبهتك المحمومة ،
وقلبك المضطرب سقـط تحت قدميك المترنحتين . لم تحن منك حتى إلتفاتة لعشـرة
صفوف كاملة من المصلِّين الساجدين في تململ ، هؤلاء الذين ينتظرون منك
التكبيرة الأخيرة التي تنهي هذا السجود الذي طال أمـده . ولا ندري الآن ،
بعد أن اختفيت تماماً من الحي كله ، كم من الوقت مضي وهم على هذا السجود
المفعم بالسعال والشخير والتململ والتوجّس والنسيان والحلم والغـفوة . من
يدري ، ربما ظلوا ساجدين للأبـد لولا صوت الولـد " معزة الأفيونجي "
الزاعق يخـبط رؤوسهم المحنية الجباه على حصـير الجامع :

ـ " شوفوا الناس المساطيل اللِّي ساجدة وبتصلِّى من غير إمـام ".*

أفاقـوا ، نهضوا من سجودهم ، خرجوا ، طالعهم نور النهار البهي بالحقـيقة :

هم أنفسهم أهل الباطنية ، والدور المتهالكة المتساندة على بعضها هي بالقطع
دورهم ، الجامع الصغير الذي خرجوا منه الآن هو نفس الجامع الذي يسكن ضريحه
" الشوبكشى " : الرجل التركي الذي بناه في زمن غابر تقرباً وزلفى لله ،
بعد حياة حافلة بالسلب والنهب والضرب والظلم ، راجياً بعمله هذا أن يجني
ثمار دعوات أجيال من مصلِّين الحي ، تباعـده من النار وتقربه من الجنة .

ولأن الصباح الوليد كان مازال طازجاً ، فإن معين النكت لديهم زغزغ بطونهم
بنكتة طازجة أيضاً ،عن " الشوبكشى " الذي كان شاهـد عيان على ما حدث
بجامعه فجر اليوم ، فقـد خرج من ضريحه وهو يحتدم غضباً من هؤلاء الذين
انتظرهم طويلاً ، وعندما جاءوا لم يتمُّوا صلاتهم ، وبالتالي لم يمنحوه
دعواتهم الطيبة ـ طبعا إذا قبل الله منهم دعاءً ـ وهذا أمر مستبعـد الحدوث
، فظل يلاحقهم صارخاً فيهم :

ـ " انتظر ولـد أنت وهو . . خروج من جامع حظرتنا يوك . . كمّل صلاة الفجر ولـد خرسيس . . وادع لجنـاب حظـرتنا بالجنّة . . " .

وبطبيعة صدورهم العائمة ، ضحكوا من نكتة " الشوبكشى " ، وحينما نضجت نكـتة

" عبد العال " الكبرى ، تفـجَّر زلزال الضـحك .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://shabab-el3amar.net
مختار محمود
أديـب عمـاري
أديـب عمـاري
مختار محمود


ذكر
عدد الرسائل : 2683
العمر : 59
المكان : السعودية
الحالة : موكن يعني تمام
الهواية : قراءة
تاريخ التسجيل : 24/01/2008
التـقــييــم : 0

أكــان لا بــد يا عبـد العال أن تبـص لي ؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: أكــان لا بــد يا عبـد العال أن تبـص لي ؟   أكــان لا بــد يا عبـد العال أن تبـص لي ؟ I_icon_minitimeالثلاثاء 29 يوليو 2008, 11:23 am

محمد عبد الله الهادي

الصديق العزيز

هنا بقصته الرائعة

مرحبا بأهل الشرقية الكرام
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.arabicstory.net/index.php?p=author&aid=211
مختار محمود
أديـب عمـاري
أديـب عمـاري
مختار محمود


ذكر
عدد الرسائل : 2683
العمر : 59
المكان : السعودية
الحالة : موكن يعني تمام
الهواية : قراءة
تاريخ التسجيل : 24/01/2008
التـقــييــم : 0

أكــان لا بــد يا عبـد العال أن تبـص لي ؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: أكــان لا بــد يا عبـد العال أن تبـص لي ؟   أكــان لا بــد يا عبـد العال أن تبـص لي ؟ I_icon_minitimeالثلاثاء 03 مايو 2011, 7:31 am

قصة تدحرجت للنهاية ونأمل إعادة قراءتها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.arabicstory.net/index.php?p=author&aid=211
سميح عزت الهيو
شــاعـر عمـاري
شــاعـر عمـاري
سميح عزت الهيو


ذكر
عدد الرسائل : 2323
العمر : 54
المكان : "عنوانى أرض الله .. فعلا ماليش عنوان "
الحالة : "إسمى بنى آدم .. وقضيتى إنسان "
الهواية : الشعر والأدب
تاريخ التسجيل : 02/10/2008
التـقــييــم : 1

أكــان لا بــد يا عبـد العال أن تبـص لي ؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: أكــان لا بــد يا عبـد العال أن تبـص لي ؟   أكــان لا بــد يا عبـد العال أن تبـص لي ؟ I_icon_minitimeالأربعاء 04 مايو 2011, 10:22 pm


أعدت قراءتها
واستمتعت بها جداً يا أستاذنا
وشكراً للمؤلف
وللناقل
وجزيل الشكر لك لإعادتها لواجهة المنتدى
وبعدالوقت الذى استغرقته فى قراءتها
واستمتاعى بها
أعتقد أنه من الأفضل أن أغلق المنتدى دون تشويه ما وجدت من فن بشىء آخر
مودتى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://sameehezzat.maktoobblog.com/
 
أكــان لا بــد يا عبـد العال أن تبـص لي ؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» وغيض الماء قصيدة للأستاذ سامي عبد العال

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شبـــاب العمـــــار :: منتدي الأدب :: منتدى النقول :: القصص والروايات-
انتقل الى: