سميح عزت الهيو شــاعـر عمـاري
عدد الرسائل : 2323 العمر : 54 المكان : "عنوانى أرض الله .. فعلا ماليش عنوان " الحالة : "إسمى بنى آدم .. وقضيتى إنسان " الهواية : الشعر والأدب تاريخ التسجيل : 02/10/2008 التـقــييــم : 1
| موضوع: د . سعيد شوقى بين القص التقليدى والنصوص الحداثية الخميس 23 أكتوبر 2008, 12:13 pm | |
| بناء القصة القصيرة في البحيرة بين القص التقليدي والنصوص الحداثية : سعيد عبد الموجود محمود نموذجاد. سعيد شوقي ـــــــــــ بناء القصة القصيرة في البحيرة قصص سعيد عبد الموجود محمود نموذجا " [1] " ___________ قد يكون من الحصافة النقدية – بداية – قبل الولوج في متون عوالم القصة القصيرة في البحيرة "[2] " ، أن نتوقف - هنيهة – أمام المشهد النقدي القصصي المعاصر في مصر ، الذي اعترك – ومازال - بالمحاورة تارة ، وبالمجادلة تارة أخرى ، أمام الألسن المراوغة للقصة القصيرة ، إن تأريخا أو تصنيفا أو تحليلا أو تفكيكا . هذا المشهد ما انفك ينبئ - بعد مخرجات مضنية - عن اتجاهات عدة "[3]" ، انتظمت فيها القصة القصيرة المعاصرة انتظاما يكاد أن يكون بينا ، لا يخلو من وجاهة . هذه الاتجاهات هي : الاتجاه التقليدي - اتجاه تعدد الأصوات - اتجاه الرمز - اتجاه شعرية القص - اتجاه تيار الوعي – اتجاه توظـيف التراث . والملاحظ من جل تقسيمات الاتجاهات السابقة ، أن الاتجاه التقليدي يقف بمفرده - أقلية - في مواجهة بقية - أغلبية - الاتجاهات الأخرى ، التي تنعت أيضا بالحداثية ، ومن ثم ينبثق - بالنعت الجديد - الفارق بين رؤيتين مغايرتين تماما من رؤى القص : الرؤية التقليدية والرؤية الحداثية . وربما يكون في تفريق ( البيرس ) بين الرؤيتين مدخلا مختزلا جيدا لفهم طبيعة الفارق بينهما ، إذ يرى أن الرؤية الحداثية تقتضي تكنيكا قائما على البحث أكثر منه على التوكيد ، على الاستفهام أكثر منه على اليقين الوصفي "[4]"، ويعنى ذلك بلا ريب أن يقف : التوكيد / اليقين وجها لوجه ضد : البحث / الاستفهام ، وشتان بين رؤية تثبت المستقر القار من خلال ما عرف في ضمير النقد بمصطلح القص كنوع أدبي متعارف عليه ، ورؤية تفجر المتفجر ذاته بوصفه نصا لا ينتمي لأي نوع أدبي سابق " في صيغة جديدة تجاوز – على كل المستويات البنائية - الأشكال المستقرة ، أو التي فرضت نفسها على الواقع الأدبي ، ففي مثل هذه البنية بصفة عامة ، تذوب الحدود بين الأجناس الأدبية ، إذ يتدخل في النسيج القصصي ، الخبر ، والحكاية ، والخرافة ، والقصة ، والحكمة ، والمثل ، والأقصوصة ، والسيرة ، والمقال ، والشعر ، والحوار المسرحي "[5]" " . وتفصيلا تعبر الرؤية التقليدية في القص " عن عالم يتصف بالثبات والرسوخ والاستقرار ، ويتسم بالوضوح ، ولعل نمطية البناء وثباته كانت انعكاسا لهذا الثبات، والبناء اللغوي المنطقي تعبير عن أنه عالم مفهوم يحكمه المنطق ، ومجموعة من المبادئ القيمية المسبقة ، كما أنه قص يسعى إلى محاكاة الواقع ، ومن ثم رأينا حركة الزمن فيه منتقلة انتقالها الطبيعي الآلي من الماضي إلى الحاضر ، كذلك فإن الغرض التعليمي الذي يهدف إليه هذا القص قد أدى إلى أن يصبح الكاتب وسيطا بين القارئ والعالم الخارجي ، ينقل له خلاصة ما يقع فيه ، بعد أن يقع بتمامه في الماضي ، مما يمكن الراوي من أن يكون على بينة من الدروس المستفادة ، ومن أن ينطلق من يقين ثابت بمجموعة من المبادئ يسعى إلى توضيحها وإقناع القارئ بها ، مما أدى إلى أن تتحول الشخصية فيه إلى نموذج أو نمط ، وإلى أن تتسم اللغة بالتقريرية والمباشرة ، وأن تغدو أحادية الصوت تهيمن فيها الذات على الموضوع "[6]" " . " إن الشكل الروائي التقليدي - في العادة – يحكي قصة تتألف من أفعال وأحداث تحدث في الزمن القصصي ، شريطة أن يكون كل فعل أو حدث قادرا على أن يدخل في علاقات محددة مع غيره من الأفعال والأحداث ، وأن يكون مميزا في حد ذاته ، كأن يكون سببا لمسبب ، أو يكون بداية لظهور عقبة في طريق البطل ، أو أن يمثل نقطة تحول في الرواية ، وهذا ما درجنا على تسميته بحبكة القص ، وهذه الحبكة هي التي تشد القارئ لأن يتابع أحداث القصة ، وأن يتحرك مع حركة القص بدافع التحقق من حدوث ما توقع ، حتى ينتهي من المحتوى الكلي للرواية إلى تمثل المغزى ، وهذا الشكل يتحقق عندما يكون الكاتب قادرا على التغلغل في أحداث الحياة وتفاعلاتها ، وعلى محاكاة هذا الواقع أو تمثيله ، وعندئذ يقف القاص بقصته على مقربة من الواقع ، بحيث تتولد عند القارئ مباشرة عملية التبادل الإدراكي ، تارة من داخل النص إلى خارجه ، وتارة أخرى من خارج النص إلى داخله ، ومعنى هذا أن الشكل الروائي لم يكن يتولد إلا نتيجة الصراع داخل الذات بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون ، ومعنى هذا كذلك أنه يهدف إلى إعادة تشكيل الواقع وتنظيمه ، ومهما تكن درجة تكثيف الواقع في القص ، ومهما تكن طريقة توجيه العلاقات فيه بين الإنسان والأشياء ، وبينه وبين الآخر ، فإن الشخوص ترسم فيه على أنها ممثلة للواقع ، كما أن الأحداث والأفعال تختار وتنظم على أساس محاكاتها لما يحدث في الواقع ، وذلك بهدف نقد هذا الواقع ، وإبراز ما يختفي تحت السطح ، من عوامل خفية ، تعد المسئول الأول عما يظهر على السطح من صراعات ومتناقضات ، وإلى هذا الحد كان الكاتب يوجه النص وفق ، أيديولوجيته ، إذا اصطلحنا على أن نفهم الأيديولوجية في الإطار الأدبي على أنها علاقة بالحياة حقيقية ووهمية في الوقت نفسه ، ذلك أن العمل الأدبي وإن يكن مرتبطا كل الارتباط بالحياة ، لا يتكون إلا من خلال تشكيل متخيل وعلاقات متخيلة "[7] " " . وإذا كان القص التقليدي في مجمل ما سبق يرتكز أساسا على أحادية الصوت" فإن الركيزة الأولى التي ينهض عليها قص الحداثة هي نفي هذه الأحادية ، وتجاوزها إلى تعدد الأصوات ، ذلك أن الكاتب في القص التقليدي يسلم صوته للقارئ بطريقة مباشرة تقريرية ، على لسان بطل من أبطاله أو من خلال جمل تقريرية منثورة في البنية القصصية ، أما في القصة القصيرة متعددة الأصوات فلا تصلح كلمة إحدى الشخصيات أن تكون صوتا للكاتب ، مهما يكن موقعها داخل العمل القصصي "[8] " " . كذلك " فإن القص الحداثي ، " ينطلق من لا شيء بحيث ينتفي ما قبل النص ، لكنه بحث عن شيء لا يعرف كنهه ، وبتعبير آخر فلا يدعي الروائي تقديم دلالة جديدة سيكتشفها ، بل البحث عن دلالة هي بعد مجهولة لديه "[9]" " . أيضا مما يلفت النظر في بناء أحداث القص الحداثي ، أنه يفتقر " إلى الترتيب المنطقي ، ذلك أن الذي يحكم توالي الأحداث هو منطق آخر ، منطق الصدفة العمياء ، وتصبح المفاجأة من ثم هي القانون ولذا لا ينبغي طرح سؤال عن : لم وقعت الأحداث على هذا النحو أو كيف وقعت ، ذلك لأن الراوي ينطلق من مقولة أن الكون خلا من المنطق ، ومن ثم فقدت أحداث أقاصيصه في تواليها وترتيبها عنصر التبرير فالتتابع المنطقي للأحداث لا وجود له "[10]"". وقد ترتب على هذا ، أن نرى الأحداث لديه تنتقل انتقالا فجائيا من الواقعي المألوف إلى الفانتازي ، دون تمهيد ودون إشارة إلى اختلاف مستويات الحدث واقعية أو فانتازية "[11]" " . هذا بالإضافة إلى أن الشخصية في القص الحداثي ، " تتجاوز التاريخي المحدود إلى اللازمني المجرد ، فكل زمان يمكن أن يعد زمانا لها ، لقد تخلصت القصة القصيرة .. من تلك الأبعاد المحددة للشخصية كما نلمحها في القص التقليدي، تلك الأبعاد الجسدية والاجتماعية والنفسية ، وأصبحت معقدة التكوين بحيث يصعب إن لم يكن مستحيلا ، صبها في قالب "[12] " " . ولغة قص الحداثة هي الأخرى ذات ملمح خاص ، إذ هي " لغة إشارية في أعلى مستوياتها ، وهي لغة ممتلئة ، وتخرج عن المألوف في أساليب الربط ، وتكوين العلاقات ، وليس هناك كلمة في هذا القص – ونعني بطبيعة الحال القص الذي يتقن استخدام أدواته – تأتي اعتباطا لأن الكلام إنما يتعلق بمجال له خصوصيته العلامية " [13]" ". ومما ينبغي التنبيه إليه أيضا – بمناسبة هذا السياق - أن القارئ في قص الحداثة " لم يعد في موقف سلبي مستسلما للعالم الواضح المكتمل التكوين ، بل أصبح مشاركا في تكوينه ، ساعيا هو الآخر ، باعتباره صاحب وجهة نظر مضافة إلى البحث عن المعنى "[14]" " . ولعل السؤال الذي يطرح نفسه – هنا - بعد هذا العرض الموجز جدا لنوعي اتجاهات النقد القصصي الحديث ، هو : أين تدرج قصص ( تفاعل ) لسعيد عبد الموجود محمود ؟ هل تنتسب إلى النوع الأول التقليدي أم الثاني الحداثي بكل تفريعاته ؟ ذلك لأننا نؤمن بقراءة النصوص الأدبية من خلال الأنواع الأدبية التي استقر عليها النقد المحايث لها أو السالف عليها ؛ رغبة في استكناه كنه تقنيات النوع بطريقة ماهوية ، أو استكناه ما هو منذور لأن ينحرف عن ذلك ويدخل بنا في - ربما - نوع جديد ، وهذه عقيدة نقدية لنا ، لأن ما يسبب اللبس في قراءة بعض النصوص ، هو عدم فهم طبيعة النوع المكتوبة به وفيه ، وكذلك النقد الفاهم المتفهم لآليات النوع ، لذا يصعب على قارئ تراثي أن يتفهم الحداثة جيدا ، وهكذا في كل النوعيات الأدبية عموما . وبداية قبل مبدأ التصنيف هذا ، الذي ارتضيته ، أحب أن أؤكد أن سماء الأدب تسمح بكل الطيور أن تحلق فيها ، وأن التفاضل بين جمال الورد لا يعطي لإحداها قيمة على حساب الأخرى ، من هنا فإن تصنيف كاتب ما بأنه حداثي لا يعنى هذا انتقاصا من قيمة التقليدي ، والأدب العظيم الذي ينتسب إلى التقليدية لا حصر له . وقد لا يخالفنا الصواب أن نصرح إجمالا - ومبكرا - أن قصص سعيد عبد الموجود محمود القصيرة في مجموعته القصصية " تفاعل " لا تخرج في مجملها – برغم وجود بعض التمفصلات الشكلية مع الاتجاهات الحداثية – عن اتجاه الرؤية التقليدية في القص . ذلك أن سعيد عبد الموجود محمود وإن حاول بجد ودأب أن يتطور بلغته القصصية من السرد التقليدي الساكن إلى اللغة الشعرية الدالة ، التي هي سمة القص الحداثي "[15]" ، وإن اجتهد كثيرا في التقاط الهامشي ودفعه صوب المتن ، وإن سعى حثيثا إلى استخدام تقنيات حداثية تجريبة ، وإن شيد بعمق علاقات ناتئة صراحة في عين الواقع ومختفية عنها في الوقت ذاته ؛ فهو يمتاح من معين تقليدي لأعلام عظام كيحيى حقي وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ، .. إلخ ، رادوا هذا الطريق كثيرا قبله وحددوا معالم الكتابة به . والأمر الذي يسجل لسعيد عبد الموجود محمود أنه دفع واندفع بالاتجاه التقليدى الأصيل كثيرا حتى عتبات الحداثة ، بل إن الكتابة التقليدية عنده وبه تصل إلى ذروة ما كان لها أن تصلها مع كاتب معاصر آخر ، فليست الكتابة التقليدية عنده نقلا استاتيكيا Static من الواقع ، ينقل به النماذج التي تمثل النوع كالسيد أحمد عبد الجواد وآمنة في الثلاثية مثلا ، ولكنه يحاول أن يدفع في النموذج - وإن حاول به أن يمثل النوع - روحا خاصة جدا به ، تميزه - رغم العموم - عن النوع ، فالإنسان المتفاني في سبيل أسرته نموذج يتكرر في كل القصص ، بل إنه تكرر مع سعيد عبد الموجود نفسه ، لكن ثمة خصوصية في أعماله ، فالأب في قصة ( بورتيريه بقلم فحم ) ليس هو النموذج نفسه ، الذي يتكرر مع الأم في قصة ( انتظار ) وهكذا . أيضا مما يحسب له أنه تطور بلغة القص التقليدى ووصل بها حتى عتبات الشعر ، الأمر الذي قد يلبس كثيرا في قراءة سعيد عبد الموجود محمود ، إذ ربما يظن ظان أن قصصه تندرج تحت ما يسمى في القص الحداثي : اتجاه شعرية القص ، والحق أن الكاتب يكاد يتماس كثيرا في قصص بعينها مثل : ( بورتيريه بقلم فحم - انتظار - في اتجاه الشمس ) مع هذا الاتجاه ، ولكن البناء الكلي الذي يشكل مجمل مجموعته بناء لا يبتعد بحال عن الاتجاه التقليدي . وربما أكون محقا عندما أشك في أن الكاتب مارس كتابة الشعر في يوم من الأيام . والأمر الذي أؤكده هنا أن اللغة الشعرية انتثرت في أعماله كبقية ما انتثر من تقنيات حداثية ، لكن انتثارها ربما يطرح سؤالا عن دور اللغة الشعرية في القص عموما ، وإذا كانت الإجابة معروفة في القص الحداثي كما روجت له ناتالي ساروت في أول مجموعة قصصية لها بعنوان ( انفعالات ) التي صدرت عام 1938م ، من أنه تخلص من المباشرة والتقريرية وأحادية الدلالة "[16]" ، فإنها ربما تحتاج إلى تفسير في القص التقليدي الذي ينهض أصلا على التقريرية وأحادية الدلالة . والحق أن ثمة مناطق في قصص سعيد عبد الموجود محمود تفر فيها اللغة من أحادية الدلالة ، كالقصص التي حددنا فيها – سابقا - وجود الشعر بنسبة لافتة ، بالإضافة إلى قصة ( الغائبة ) لكن ثمة مناطق أخرى ينبغي عقد مساءلة عن معنى وجود الشعر بها مثل قصة ( تفاعل ) . | |
|
سميح عزت الهيو شــاعـر عمـاري
عدد الرسائل : 2323 العمر : 54 المكان : "عنوانى أرض الله .. فعلا ماليش عنوان " الحالة : "إسمى بنى آدم .. وقضيتى إنسان " الهواية : الشعر والأدب تاريخ التسجيل : 02/10/2008 التـقــييــم : 1
| موضوع: رد: د . سعيد شوقى بين القص التقليدى والنصوص الحداثية الخميس 23 أكتوبر 2008, 12:15 pm | |
| تابع د. سعيد شوقى بين القص التقليدى والنصوص الحداثية وأغلب الظن أن سعيد عبد الموجود محمود يعلم جيدا طبيعة اتجاهات النقد الحديث وتشعباتها ، لكنه آثر – فيما رأى - هذا الاتجاه ، الذي ربما ظن - كما ظن نجيب محفوظ في بداية حياته القصصية "[17]" – أنه هذا الاتجاه دون غيره هو الذي يصلح ، في مجتمع لا يقرأ فيه أحد إلا طبقة قليلة جدا ، فكيف له أن يختار شكلا حداثيا يسهم في توسيع هذه الهوة من سوء فهم القراءة ، ذلك لأن القص الحداثي " يتعمد إرخاء العلاقة التقليدية الوثيقة بين الشكل والواقع ، وعندئذ تبدو الهوة – لأول وهلة – عميقة بين النص الروائي والحياة ، بل إن المسافة قد تكون في بعض الأحيان من الاتساع ، بحيث يصعب على القارئ العادي اجتيازها "[18]" " ، لذلك فإن الكاتب يقترب من الاتجاهات الحداثية رويدا رويدا ، وكأنه يختبر ما يصلح منها لنا أو ما لا يصلح ، يقدم رجلا ويؤخر الأخرى ، بل إن ما قد يأخذه من الحداثة يعاد بثه تقليديا ، كما فعل في استخدامه لتقنية تيار الوعي ، الذي ينبغي أن تتحدث به شخوصه القصصية دون غيرها ، كعادة استخدامات تيار الوعي في القص الحداثي ، إلا أن الكاتب بوصفه راويا ، تحدث هو بالنيابة عن شخوصه ، كما يفعل الاتجاه التقليدي ، ويتضح هذا ، في قصة ( في اتجاه الشمس). وحتى لا أقوم بسرد التقليدي وبعض الحداثي في قصصه إجمالا ، أود فيما يلي من سطور أن أفرد كلا منهما على حدة ، مع توضيح بعض سمات قصصه في الوقت ذاته ، من خلال عناصر بناء الفن القصص : الأشخاص ، الأحداث ، الزمان، المكان ، اللغة ، الشكل ، حتى يصير كلامنا ، أكثر تحديدا وفائدة ، كما يلي : *****1- الشخصيات : إن شخصيات القصة القصيرة عند الكاتب - كما في القص التقليدي - وسيلة يعرض الكاتب عن طريقها لأفكاره ورؤاه ، وأصبحت أقاصيصه بشكل عام تمارين لإثبات مطلوب "[19]" . ولقد تبدى المطلوب الأول الذي هو إثبات : أن التفاني في سبيل الآخرين = إنكار الذات ، في قصتي ( بورتريه بقلم فحم - انتظار ) فهاهو الأب الذي تفانى في سبيل أسرته في قصة ( بورتيريه بقلم فحم ) يعرف أخيرا أن الزمن قد أكل على وجهه وشرب ( لم يله الولد أو يشطح ! انفتح في داخله صنبور إحباط ، ترك الصورة مكانها ، وبخطوات مرتجفة اتجه إلى السرير ، جلس عليه محيطا ركبتيه بعضديه بجوار زوجته النائمة ، سكن طويلا جامدا كرخام يحدق بذهول في الصورة ، أخيرا أطفأ النور واستلقى محاولا النوم ولكنه لم يستطع ، عندما قام في الصباح كان انقباض مؤرق يملؤه وحزن كبير يحز فيه ونظرة منطفئة تطل من عينيه "[20]" ) وهاهي الأم في قصة ( انتظار ) لا تقدر أن تذهب إلى الطبيب لإجراء عملية جراحية لها لأنها هي الأخرى متفانية في سبيل أسرتها ( في انحنائي واجهتني ، الخطوط الأربع التي حفرت جبينها ، أعرف تلك الخطوط جيدا ، منذ زمن اكتشفتهم ، كانوا مازالوا خيوطا متناهية تأخذ في الارتسام على استحياء ، ومنذ ذلك الزمن أتطلع إلى وجهها وأراقب نموها ، لا أعرف لماذا أربطهم بنا ؟ تملؤني فكرة أن هذه الخطوط الأربع هي نحن الأربعة ! سنون أعمارنا ، هذا الغائر الذي يمتد بطول الجبهة أعلى حاجبيها هو عمري أنا ، وهذا الذي فوقه يكاد يوازيه هو عمر فؤاد ، وذلك الغير ( هكذا ) عميق "[21] " هو عمر فاطمة وهذا الأخير القصير الذي مازال لم يكتمل فيتوقف عند طول الجبهة قبل منبت الشعر هو عمر فريد أصغرنا آخر العنقود كما تسميه وتدلله "[22] " ) . وثمة ملحوظة هنا يجب تأكيدها هو حرص الكاتب على تتبع وقع الزمن على تقاطيع الوجه ، الوجه بالذات دون غيره ، فالوجه هو المحس ، المرئي ، والمحس المرئي هو ما يتوقف أمامه القص التقليدي ، سمة فزيائية ، ربما عبرت عن ملمح داخلي ، لكنه في النهاية يظل سمة فزيائية . ولقد تبدى المطلوب الثاني الذي هو إثبات : أن دلالة الهامش قد تكون أعظم من دلالة المتن ، في قصتي ( الفيل - أنا والعجوز والقطار ) فهاهو عبد العزيز السواح ، رجل الغموض ودلالة المطلق ، التي تقترب من الرمز في قصة ( الفيل ) يتماس مع ماسح الأحذية في قصة ( أنا والعجوز والقطار ) في الدلالة نفسها . أيضا يتبدى المطلوب الثالث الذي هو إثبات : أن أي ضيق لابد له من فرج ، وأن أي عسر لابد له من يسر ، وأن أي حصار لابد له من زوال ، في قصــص ( الغائبة - اتجاه الشمس - تماس - الحصار ) فهاهو الشاعر في قصة( الغائبة ) يفر من تقوقعه في اتجاه الحب ، وهاهو ( العجوز ) في ( في اتجاه الشمس ) يفر من أزمته ، وهاهي البنت في قصة ( تماس ) تفر من حيائها ، وهاهو المريض في قصة ( الحصار ) يفر من أزمته . وربما يتبدى المطلوب الرابع والأخير الذي هو إثبات : أن الحركة في اتجاه الأمل تنبئ بموات السكون ، في قصص ( تفاعل - فارس - كنت أصنع لك الطائرات - شطط البراءة ) فهاهو يحيى في قصة ( تفاعل ) يخرج من عاهته ويتفاعل مع الناس ، وهاهو الطفل في قصة ( فارس ) يدفع فرسه في البراح ، وهاهو الطفل في ( كنت أصنع لك الطائرات ) يطير في الفضاء ، وهاهي الطفلة في ( شطط البراءة ) تعبث بالتراث بحرية مطلقة . أيضا مما يتفق مع آليات الشكل التقليدى أن معظم وصف الكاتب لشخوصه وصف خارجي ، لا يسيح طويلا في مناطق اللاوعي . ولعل ما يميز قصص سعيد عبد الموجود محمود داخل إطار الشكل التقليدي أن شخوصه لا تبتعد كثيرا عن شخوص الواقع المعيش الذي نحياه ، فلا وجود لشخصيات أسطورية أو شعبية أو خرافية .. إلخ ، تخرج عن محيط الشارع والحارة ، إذ إن جميع شخوصه تكاد تكون واقعية فهي : الطفلة والطفل والأب والأم والشيخ ( الذي هو بمرتبة الجد ) وبعض المرضى والموظفين والمبدعين ، بل إن ما تقمصه القاص من شخصيات بوصفه راويا لا يخرج عن هذا الإطار . ولعل الكاتب بهذا يقترب من طبيعة ملتزمة ، ليس كما يدعو إليه دعاة الالتزام الآلي ، ولكن عن طريق الفن الحي الذي يستقى مادته من الواقع المعيش ، " الفن الذي يغترف مادته الفنية من المنهل العام للمجتمع ، غامسا قلمه في مشكلاته عن طريق المشاركة الفنية في قضايا عصره وقومه "[23]" " ، ومن ثم يرتفع ثمنه غاليا دون الذهاب إلى عوالم تتحدث عن النورس والليلك . أيضا ثمة اهتمام خاص بالطفل في قصص الكاتب يتعمق بتجربة الكاتب ويغرزها في قلب الأسرة ، ولا يغفل الكاتب أن يجعل الأنثى بطلا في إحدى قصصه مما يسائل بجد دعاة الأدب النسوي من غير الرجال . أيضا ثمة ملمح آخر يتميز به الكاتب ، وهو أن معظم شخوصه ثانوية ، والشخصيات الرئيسية في جل القصص لا تخرج عن اثنين يتحاوران ، ويدار بينهما المعمار القصصي ، في الوقت الذي يتم فيه تهميش الباقي ، وكأن قصصه حوارا Dialouge بين اثنين . ولعل الكاتب بهذا ، يقترب من طبيعة الصراع في المسرح ، وكأني به على عتبات المسرح ، ومن قبل تم ضبطه على عتبات الشعر ، فهل هي دعوة مني له لكتابة المسرحية الشعرية ؟! لا أدري ، ربما .. ولعل ما يميز سرده أيضا ، أن الكاتب يجنح جنوحا ظاهرا إلى تنكير شخوصه القصصية – فضلا عن تأكيد ثانويتها - في الأغلب الأعم ، إما على طول القص ، كما في قصة ( بورتريه بقلم فحم ) وإما قبل تقديمهم علانية في القص ، كما في قصة ( الفيل ) حتى وإن تم التعريف بهم ، فالتنكير هو السمة الغالبة في معظم قصصه ، وربما يقترب الكاتب بهذا كثيرا من القص الحداثي للتأكيد على الدلالة والمغزى بصرف النظر عن التعريف . أيضا ثمة ميزة أخرى وهي أن الكاتب ليس له منهج محدد في تسمية الشخوص القصصية ، فتارة يذكر أسماء بلا داع فني ، وتارة يهمل تسمية أسماء ، ربما يكون لها داع فني ، الأمر الذي يجعلنا نظن أن الكاتب ربما كان معنيا بالنظرة الكلية لدلالة القص ، فضلا عن التفصيلات الجزئية ، التي نظن أن لها الأهمية نفسها مع الدلالة الكلية . ***** 2- الأحداث : إن بناء الحدث في قصص الكاتب يتسم بما يتسم به بناء الحدث في القص التقليدي ، ففضلا عن أن الكاتب لم يستمد أحداثه إلا من الواقع المعيش ، إذ لا وجود للخيال الجامح في قصصه إلا فيما ندر ، فجميع أحداثه تقترب من العقل والمنطق والعلة والمعلول ، في مــثل ( بورتريه بقلم فحم – شطط البراءة – أنا والعجوز والقطار – انتظار – تفاعل – في اتجاه الشمس – الغائبة – كنت أصنع لك الطائرات ) على أن في هذا القصص ما يجنح بالخيال الواقعي ؛ ليدفع بها في اتجاه الفانتازيا مثل ( الفيل – فارس ) ، أيضا في بعض القصص اتجاه واضح نحو كسر التقليدية نحو الرمز مثل قصص ( أنا والعجوز والقطار – فارس – في اتجاه الشمس – كنت أصنع لك الطائرات ) لكن ثمة ملمحا في استخدام الرمز عند الكاتب وهو أنه يجعله تقليديا ، ولا يتوسع به ليذهب به إلى تخوم الحداثة " بوصفه كتابا من الرموز ، يستوعب العالم ، كما يقول جيمس جويس "[24]" " . والرمز التقليدي " واضح ، يلقي الحدث عليه ضوءا كاشفا ، مفسرا ، ويعمد الكاتب إلى توضيحه وتفسيره ، كما أنه رمز جزئي ، لا يندرج في منظومة رمزية تلقي ظلالها على مفردات الشكل الفني للأقصوصة بعامة "[25]"" كما في قصص ( في اتجاه الشمس - كنت أصنع لك الطائرات - أنا والعجوز والقطار - الفيل ) .******3- الزمن : إن بناء الزمن في قصص الكاتب يتطابق مع زمن القص التقليدي ، حيث ينتقل انتقاله الطبيعي الآلي من الماضي إلى الحاضر " | |
|