تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :منذ سنوات .. لملمنا أطرافنا ودخلنا المحارة .. وللحقيقة كان يعاودنا الحنين إلى الرجوع ، ومع كل إرصاد لطقس ديرتنا كنا نعود مستعذبين حالة البلادة والبيات .. ونغني أغنية (
أنا المستخبي جوايا ) .. وسمعت أن هناك من أضاء شمعة بدلا من صب اللعنات على الظلام .. وفي إطلالة على البدايات وجدت لغة لم آلفها فعدت مكتفيا بإجترار ذكريات أيام خلت .. إلى أن تلقيت دعوته الكريمة ومنحنى كلمة سر المغارة التي حصنت أسوارها ضد المتصفحين إلا بمسبق التسجيل .. وولجتها من باب المنتدى الأدبي وإذا بها لحظة كـ (
لحظة ما تجف الحنا على كفوف الأحلام ) وعذرا أن أسميها مغارة فقد وجدتها قد إختزنت ذهب العمار و ياقوتها ، و بلغة ساقية سلمان وجدت غيط مشمش هاجر من العمار إلى فضاء الشبكة العنكبوتية يتوسطه أحد المبدعين ( البز اللي ع العارضة ) صديقي الموهوب مختار عبد الوهاب ليعطيه قيمة ورقيا فيما يعرض أو يعارض فيما ينقد في ترفق أو في قسوة .. متبنيا فسائل النخيل حتى تبسق في حقل الإبداع .. وتابعت أطروحاته المبتكرة التي أدمنتها منذ البدايات ، ولا تصدقوا عنوانه (
كلام عيال ).. أديب حرمته الغربة من أن يأخذ مكانه بين صفوة أدباء مصر ولعل روايته ( آل عباطة ) تمنحه الفرصة ليتبوأ مكانة يستحقها.
لساعات ظللت اليوم أتصفح بشكل عشوائي لعناوين منتدى شباب العمار فعشت حالة عمارية فريدة بكل الصفحات .. العمار التي افتقدتها هناك إذ رجعت منذ أيام قلائل .. و كنت أمنى النفس عند عودتي إليها أن أغرق بأمواج رداء العرس الأبيض الموشى بنوار المشمش منتصف فبراير .. ولكن وجدت الرداء ممزقا .. ومن الثقوب الواسعة ترى نهاية الزمام من جسر الرياح تتخلله الأعمدة الخرسانية تبقر بطون الغيطان .. قلت لعلي أرى العمار في أبنائها أصدقائي و أحبائي فإذا كل الأحبة يرتحلون .. و كما قال الشاعر ( كل الأحبة يرتحلون وتضيع من العين شيئا فشيئا ألفة هذا الوطن ) .. إرتحل بعضهم مرغما سعيا وراء لقمة العيش .. و منهم إلى غربة بغير سفر .. وغيرهم إلى دهاليز السياسة .. و من ارتحل إلى الأبدية يرحمه الله .. وتركت الجميع هناك يتناحرون على قوائم اللجان القاعدية للحزب في تربيطات واستقطابات وقبلية مقيتة .. وأخرون غرقوا في البذخ والعنطزة والإستعراض في زمن (
صايص ) .. لم أعد بشيء سوى بسمعي صوت الشيخ مسعـــــــد يجلجل بالمآتم ( لمن الملك اليوم ) وإن شوش عليه الدي جي بالعرس المجاور ( العنب العنب ! ) ، وبعيني صورة إبني وأنا أخلعه من صدري بالمطار.
بمنتداكم لم تغب ذكرى عبدالجليل الشعراوي و يوسف زايد وغيرهما .. وتعرفت على مبدعين من سطورهم .. وأسماء لم أتشرف بها من قبل .. طالعت إبداعات عمارية من قصص وقصائد لقرائح ظننتها نضبت .. لن تمنعني دواعي الدبلوماسية أن أقول أن بعضها لا تعدو طور المحاولات المبشرة ، لكنني استمتعت وإندهشت بمعظمها .. والعشوائية بالتناول صادفتني مع أسماء رائعة مثل سميح الهيو وأحمد عبد العزيز والشربيني غير جمال أحمد الذي أتواصل مع ما يكتب غالبا وأسماء أخرى أتمنى أن أتصفح أعمالها لاحقا .. وقصيدة الشربيني الرائعة (
هم يا جمل ) أبكتني عندما أدهشني وفاجأني بصدق ودفء الصورة التي رسمها استجداءا لحضن أبيه في تكثيف عاطفي غامر (
مشتاق ودين النبي دقنك تشوكني .. وأرجع لحضنك صبي – وايديك بتفركني .. وبوشي أغطس في عبك - أهرب وتمسكني ) فماذا عن أولادنا الذين تركناهم وراءنا ؟.. تذكرت قصة يوسف إدريس اليد الكبيرة حين كان يستجدي يد والده أن تمتد من القبر ليمرغ وجهه براحتها الرحبة كما كان يفعل طفلا.. ليتني أقرأ له المزيد.
أما قصيدة الصديق العزيز جمال أحمد فقد شممت من أول مقطع رائحة ليال يوسف شتا وبنهاية كل مقطع يتردد بمسامعي جرس الكمنجات المعتاد للابسي الطرابيش خلفه .. نظرا لثقافتنا التي تستعذب هذا اللون الذي يحمل تقريعا متقن الحبك .. و قد أتفهم ضغوط ما تعرض لها كاتب القصيدة أو قسوة تجربة مر بها .. والقصيدة جيدة النظم لكن مازال لدي تحفظات حيث ركب الشاعر جموح غضبه فتجاوز به السقف ! .. فعندما إستعذبنا شرب المياه غير الصالحة للشرب ولم ندرك ضررها إلا بعد أن نهشت أكبادنا سقانا أبو أدهم ماءا مكررا .. أنتظر من ربيب الرهوان عملا كما تعودناه .. ريشة .. تصورالسنابل والسواقي .. وشدو .. يوشوش الزهر والنوار .
ومع مقترح قاموس (
إشلبدا ) وما حصرتموه من كلمات تكاد أن تندثر مثل إندثار لغتنا في زحمة قاموس الروشنة الطحن .. خاصة أنني أسمع أطفال الحضانة بالعمار يرددون ( أيه أبل تفاح – بي بنانا موز – سي كار عربية ) وضاعت أمل مع عمر وسعاد لم تعد تزرع الفول .. ذكرتموني بمفردات الزراعة والحصــاد حتى (
الماجور والشالية ) التي هجرنها نسوة العمار للإصطفاف في طوابير الأفران كإصطفاف الدول النامية أمام البنك الدولي .. ويهرولن لمتابعة المسلسل التركي .. ولعلكم تهتمون بهذا الإقتراح وتتوسعون به ليشمل تعبيرات شائعة تتميز بها العمار وما أكثرها عددا وتفردا.
ولايفوتني أن أثني على فكرة المسابقة الشعرية تكريما لذكرى صديقنا العماري الراحل الشاعر يوسف زايد يرحمه الله.
قلت مرة أن جواز سفري لا يأخذ ختم الوصول إلا عندما تتعفر قدماي بتراب جسر الترعة .. والآن خرجت من جسر منتداكم شباب العمار وقد تعفرت قدماي بتراب العمار مخلوطا بالحناء.
إمضوا على بركة الله ولا تعولوا علينا كثيرا .. فقد أتت ليلة السابع عشر من يونيو على جيلنا فأتت على الثمار والجذوع .. ولم يتمهل الحطاب !.
فتحية حب وتقدير لكل عماري بذل الجهد لرعاية ومتابعة منتداكم رائع التصميم والتصنيف ، المتألق صورة و إبداعا ..
ملحوظة : ( العبارات باللون الأحمر منقولة من إبداعات المنتدى )
الخميس 19 مارس 2009م .. تم تغيير العنوان بإقتراح الشاعر أحمد فتحي