أحمد عبدالعزيز
شــاعـر عمـاري
عدد الرسائل : 3616
العمر : 42
المكان : أبوظبي
الحالة : متزوج
الهواية : الشعر والأدب
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
التـقــييــم : 16
 |  موضوع: إدريس نسيم  الإثنين 09 مايو 2011, 6:53 am | |
| السيد ( مالك ) صاحب ومدير أكبر الشركات , بل قل إن شئت أن كل ما دون إمارته وشركته جزء يتجزأ ويأتمر بأمره , وينتهج نهجه , وكل سلطة إنما اشتقت من سلطته , كبير فى شموليته , وامتلاكه لمفاتيح التجارة والعمل , لكنه بلا وريث , وبلا عائلة ينتمي إليها ,وربما هذا ما أحاله إلى هذا التفرد والتوحد فى النجاح , وهذا العالم الذي أسماه بأسمه , وأصبحت كل يد تعمل , يأتيه خيرها وحصادها , إنه المدير العام وصاحب العمل السيد / مالك , ولا يتبع ذلك ألقاب أو صفات أو مناصب , فكلها لا تشتمل عليه , وكلها تعجز فى أن تصف ما بين يديه , حالة من الإستقامه , وحالة من الصفات المتضاده تكمن فيه , غضب في حلم , حساب عسير يغيض فى سماحته ورحمته وقتما يشاء هو , ربما صفاته هذه جعلت كل أفراد شركته , يدينون له بالولاء , ولا يتخطون مشورته وأوامره , مطاع على امتداد الوقت , لا يجري عليه الزمن , ولا تنهكه الشدائد , كانت طاعة المديرين ومن هم أدنى منهم فى سلمهم الوظيفي , أمر مٌسلم به , أكسدته نِظامية مرتبة لا يشوبها التغيير أو الحداثة , ربما وقع ذلك فى قرارة نفس السيد مالك, فقد كان النظام الذي وضُع على مدار سنوات أدعي على إثارة الحفيظة , وهذا ما جعله يبحث عن ثَم تغيير , وقد كان الأستاذ / نديم عبد المالك , هو ذلك التغيير , وجهه المشوب بروح الحكمة , وطباعه الهادئة , وجذوره التي إرتاح لها صاحب الرأي والمشورة السيد / مالك ,حتى أنه تخيّره واصطفاه من خارج منظومة الشركة , وأحس حنيناً بينه وبينه , فقد تخيره هو , وبشكل مباشر دون وسيط ولم يُطلع الباقين على الكيفية , عانقه عناقاً شديداً إنتقل من خلاله بعض حكمة السيد مالك إلى الأستاذ / نديم عبد المالك , حتى أنه قرّبه إليه وجعله فى منزلة لم يرقي لها إسماعيل أفندي سكرتيره الخاص ومدير مكتبه ومَن يُوكل إليه تبليغ البيانات والمعلومات والأوامر ونشر المنشورات والتوجيهات لسائر وكافة جهات الشركة والعاملين بها , وكذلك لم ينالها ولو للحظات , القائد عزام قائد الحراسة والمنوط بالدفاع عن مصالح السيد / مالك وتذليل الصعاب ومواجهة العاملين المتقاعصين بأقسى العقاب , وهو النفي تماماً والإستبعاد النهائي , ولم ينالها من هم غيرهم من المديرين المتفردين بالصدارة الإدارية لهذة المنظومة المُحكمة أمثال شهاب الدين أفندي وسراج أفندي ,وبرغم القرب الذي تتطلبه هذة المكانه لم يبذل العضو الجديد مجهوداً كبيراً للسعي إليها, ولم يكن يملك هذا المجهود حتى يبذله , فهو أضعفهم وأقلهم قدرة على التحمل , لم تكن مكانة الأستاذ / نديم عبد المالك قاسية على أحد بقدر ما كانت على فتى الشركة المدلل , وصاحب المكانة الرفيعة , لإخلاصه وإتقانه الفريد لعمله وهو السيد / إدريس نسيم أفندي, الذي جاء من أصول بعيدة عن تلك التي انحدر منها باقي أفراد الشركة وكأن وجهه المتوقد حمرة يوحي بأنه من الأتراك , وتفانى فى عمله وتقربه إلى السيد / مالك , لكن منزلة الأستاذ / نديم عبد المالك , أثارته وأغضبته , فقد رقى إلى حد مجالسة السيد / مالك, بل اختار له السيد / مالك زوجه واهتم لأمره , وأسند اليه مهام عديده , ربما سلبها من فتاه المدلل / إدريس نسيم أفندي , بل نصّبه عليه مديراً للقسم الخاص الذي يرأسه السيد / مالك شخصياً , ويندرج فيه كل من اسماعيل أفندي ,وشهاب الدين أفندي , وسراج أفندي , وإدريس نسيم أفندي ,ولم يحيد فيهم أحداً يوماً , ولم يصدر عنهم أي تقصــير , لكن مكانة أ/ نديم عبد المالك , ترتقي يوماً بعد يوم , حتى أن السيد/ مالك دعاهم بعدما أطلعه على أمور عده من أمور شركتهم العظيمة ربما لم يحيطوا بها علماً برغم ما أفنوه من أعمارهم تفانياً وإخلاصاً , ولكن كل هذا ما كان إلا لمكانة يُعدها له السيد مالك , وأراد له التميز والتفوق على جمعهم , وأصدر لهم الأوامر بمبايعته قائداً لهم ومديراً عليهم , ولما كان للسيد مالك من نفوذ طائلة , فقد أطاعه الجميع عن طيب نفس , ربما لأن جمعهم هذا منذ عهد بعيد يستلذ بهذة السطوة من قبل السيد مالك ولا يرتجي من حياته سوى الثبات الإجتماعي , وتندثر أحلامهم وأمانيهم عند حد رضاء السيد مالك , فقد كان هذا هو الجزاء العظيم ,وبطبيعة الأمر فقد أطاع وبايع كل أفراد الشركة , إلا فتاها المدلل إدريس نسيم أفندي الذي يُعد أصغرهم سناً وأكثرهم جهداً وأقنعهم أسلوباً وأمكرهم فكراً , والذي بلغت به المراره وحرقة الصدر مبلغاً كبيراً على هذا التكريم وهذة المكانة التي هي من نصيبه واقتنصها منه الأستاذ/ نديم عبد المالك من غير وجه حق – على حد تقديره - , لكن المؤكد بينه وبين سريرته أن غروره وتكبره منعه من الإعتراف بمكانة الأستاذ / نديم , ومن وجهه نظر إدريس نديم أفندي الخاصة فقط , يرى أنه على صواب , ولم يُخفي ما بداخله ورفضه التام لهذه الخطوة التي لم تأتي على مشيئته , لكنه يخشى السيد مالك, فبقدر ما لديه من نعيم مُقيم قد غمره فى عهده الماضي ,إلا أنه يخشى عقابه الشديد وسخطه على من يخرج عن طاعته ويعصاه , ظل إدريس أفندي فى حيرة من أمره , يرفض الدنية فى أمره , ويستنكر مقام الأستاذ نديم , وبلا شك قد تسلل إلى السيد مالك ما يُكنه إدريس لنديم , وقدر الإختلاف الذي بينهم , لذلك فقد أكد على إظهار الولاء العلني , وحَلف اليمين على طاعة الأستاذ نديم , وبحضور الجميع , سراج أفندي وشهاب الدين أفندي واسماعيل أفندي وباقي أفراد الشركة والعاملين وعلى رأس الجميع إدريس نسيم , لكن الأخير قد حجبه كبريائه وغروره عن الطاعة , ورفض متعللاً بعليته وأصله , ولم يذكر إجتهاده وعمله , فهذا الأمر يقرره السيد مالك فحسب , وقد أعطاه جزاء ما فعل وما عمل , ولا سبيل لإدريس أن يمتن على السيد مالك بمثل هذة الأفعال ,غير أنه رفض المصافحة ورفض المبايعة , حتى سخطه السيد مالك , وكيف لا ؟ وهو من يرتب شئون شركته ويعلم أين يضع عماله , ويجعل نصرته , ويرفع منهم من يشاء على من يشاء , الأمر له , وبكل حياد هو لا شريك له في ماله ,وما جاء به إدريس إنما هو اقتباس لبعض من كبرياء السيد مالك, وتفاخر بأصل ونسب ينتمي إليه , ويري أن نديم عبد المالك , لم يبلغ ذلك النسب وتلك الجذور الأصيلة , وإنما هو محض اختيار ربما يفشل أو ينجح , فهو نوعية جديدة من الملتحقين بالشركة , ومن الصعب أن يصدر الحكم بالتميز المطلق من بادئ الأمر , ولكن كيف لحكمة السيد مالك أن تحيد , إنه الأمر الخاطئ الذي يقر به إدريس قبل الجميع , فهو سلفاً كان من المقربين , ويعلم قدر حكمة السيد مالك ورجاحة عقله , كل ذلك دار فى موقفه الرافض , وترجمته الكلمة الساخطة بالإمتناع معللاً السبب , غير أن مكانته السالفة جعلته يبقى لبعض الوقت فى موضعه الوظيفي , لكنه موقوف عن العمل , ومنبوذاً بين الجميع , يراقب عن تربص ما يفعله الأستاذ / نديم عبد المالك , ينتظر إخفاقه , ويكيد له المكائد , فى انتظار ومراقبة من السيد مالك الذي يريد أن يؤكد للجميع رجاحة اختياره , ويدعم براعة الأستاذ / نديم , فهو محل نظر المديرين والحرس القديم على سواء , ورغم أنهم قد ارتاحت ضمائرهم عندما دعاه السيد مالك وجعله يقص عليهم مالا يعلمون من أمور الشركة بعدما أطلعه مسبقاً وأعلمه , إلا أن تأكيد الأمر وتأكيد الريادة أمر هام وجميل حتى تستكين الأمور وتستوى لنديم عبد المالك ,ظل الأمر هكذا بين نعيم نديم المقيم , وهدف إدريس فى نصب المكيدة والهاوية , ومراقبة الجميع , ولما كان لإدريس من حيلة ودهاء , فقد انفرد يوماً بنديم , وأخبره أن مصيره يوماً ما سيصبح مثل مصيره هو , وأن ما هو فيه رائح إلى زوال , وان السيد مالك ما هو إلا مستخدم للجميع فى علو مكانته وأن أجساد الجميع ما هي إلا لبنات تبني له سور العظمة والرفعة , وليس لأحد مكانة دائمة ولا تفرد حقيقي بدون أن يتطلع إلى دفتر أحوال الشركة الذي يقرر من يمكث في وظيفته ومن يرحل عنها ومتى وكيف , ولا يعلم ما به وما يستجد عليه سوى السيد مالك , وهو الدفتر الوحيد الذي يحدد مدي بقائك فى مكانتك , وما بين عشية وضحاها , فقد استسلم نديم عبد المالك لهذا الهاتف وهذا النداء الذي يدعوه يوماً بعد يوم الى تصديق إدريس , في محاولة للبحث عن الدوام ومعرفة حظه الطالع , وقد تجاهل تحذير السيد مالك له , ولكن ما كانت عليه زوجة نديم من شغف للبقاء فى ظل هذة الوظيفة الممتعة التي ينعدم فيها الجهد والعرق الى حد الراحة والرخاء , في مقابل كبير من النعيم , حتى أن زلت قدم نديم , وامتدت يديه تصافح مستقبله فى رحاب السيد مالك , وانتصر إدريس فى الإيقاع به, وكأنه يبرهن للسيد مالك , أنه كان الأجدر بهذه الدرجة المُقربة , وأن ولاءه هو الولاء العظيم , ورغم ما فعله الأستاذ نديم وإدريس نسيم أفندي واختلاف نظرة السيد مالك لما فعلوه , فقد أحكم فى الأمر حكمته , وبينما توعد إدريس بالمعاقبة والطرد من الشركة ,فقد كان من العدل الذي يتمتع به أن يُعاقب نديم أيضاً على المخالفة التي إرتكبها, وعصيانه الضمني , فأخبر كل من باقي المديرين بأنه قادم على توسيع شركته , وجعلها تمتد إلى أماكن غير معهودة , واستقدام الكثير والكثير من العمال يساهمون – رغم غناه عن ذلك – في النهوض بهذا الكيان الذي يرأسه , وينفعون أنفسهم أولاً وآخراً , فمن يخلص فى أداء واجبه يستخلصه لنفسه , ويجعله بجواره في شركتهم الأصل التي اتخد له موقعاً مرتفعاً في منتصف المدينة , والعمل بهذا المقر الرئيسي يعني راحة وثواب كبير لمن عمل واجتهد , وأيضاً ربما هذة المكانة المُقربة فى المقر الرئيسي تُعد عقاباً لمن أهمل وتهاون فى ما كلف به من أعمال , وأن يكون تحت المراقبة المباشرة , ولكن كيف له أن يفرق بين عقابة المحبب اللين إلى حد المعاتبة لنديم عبد المالك , وعقابه المشدد لإدريس نسيم , إن الأمر يرجع له , ولابد من ديمقراطية فى الثواب والعقاب , ومن لهذة الديمقراطية والمساواة غيره !, فمن الصعب أن يتمتع أحد بما يتمتع به السيد مالك , ويكون محايداً أو محابياً او يخشي من أحد, لذلك قرر أن يولي إدارة شركته الفرعية إلى الأستاذ / نديم عبد المالك , ويبقى السيد مالك راعياً ومطلعاً لا يغفل عن إدارة الشئون , وتفقد العمال ومن يديرهم , وينصر ضعيفهم ويقتص من جبارهم كيفما أراد , فإما أعجل بالمكافآت والخصومات حال العمل وحال القيام بمهام الوظيفة لكل منهم , وإما أخر ذلك لما بعد الإحالة إلى سن التقاعد والمعاش الذي يقرره هو , ولا يطلع عليه أحداً خوفاً من التقاعص أو المنافقة , وفي كل الأحوال لا مساس بالراتب الأساسي الذي يتكفل به السيد مالك ولا يُمنع أو يتوقف على مدى عمل العمال واجتهاد المجتهدين أو مخالفة المخالفين , , آلت مقاليد الأمور في يد نديم عبد المالك , يتصرف في إدارة الشركة كيفما يشاء , واضعاً رقابة السيد مالك نصب عينيه من ناحية , ومتجنباً مكر إدريس نسيم من ناحية أخرى , فقد كان الأخير قد جُرد من منصبه الرفيع في مقر السيد مالك , كما أقعده السيد مالك في هذا الوقت عن العمل وعن مشاركة نديم , علماً منه بما يُكنه إدريس نسيم لنديم عبد المالك , فأصبح مصير إدريس مجهولاً معلوماً , يسعى فى أمله من إثبات عدم جدارة نديم عبد المالك ومن تبعه من أفراد وعمال وموظفون بما أُسند إليهم من تحمل لهذة الأمانة , ألا وهي النهوض بشركة السيد مالك , ويسعى أن يفسد على نديم رعيته وعماله , فيبرهن صواب تكهنه للسيد مالك , غير أنه لم يُخفى خوفه الشديد من الأخير ومن يده الطائلة , التي امتدت حتى أن إدريس نسيم بالفعل لم يرتقي لأي عمل سوى الإفساد في عين المتشددين فى حب نعيم نديم ومن ورائه نعيم مالك ومن يفخرون بإمتداد نسلهم وقرابتهم من نديم ويحملون العداوة لإدريس ويُعدون العُدة له ولمكره وبنوه الذين انتهجوا نهجه , ولم يتخطى عند المحدثين منهم وأصحاب الرأي والظنون سوى داعياً للتحرر والإستمتاع بمحظورات لائحة التعيين القاسية في شركة نديم عبد المالك , كانت ميول هؤلاء المتحريين تزداد يوماً فيوماً , ورقعتهم تزداد شيئاً فشيئاً , وتتناسب مع ذلك رغبة إدريس فى إتمام الأمر حتى يتمكن من إفساد الأمر على نديم ومن ورائه عماله , فربما ينعم بمكانته الأولى عند السيد ( مالك ) وتعود الأمور لما كانت عليه ,فأصبح يجتهد بقدر مضاعف عن ذلك الذي يبذله أتباع نديم الذي تملكه شعور كبير من الندم على أنه جلب على نفسه كل هذة المشاق بمحايدة تعليمات السيد مالك من البداية , واتباع إدريس فى أيامه الأوائل التي بدت بعيدة عنه , وأصبح نادماً على ما كان بعد أن كان نديم مالك فى سالف الأوان , وما أبكاه حزناً أن عمر تقاعده ربما يحين قبل أن يعلم مصيره عند السيد مالك ,وقبل موعد الإجتماع الكبير الذي ينتظر إنعقاده , وفي أي المنازل سوف يمكث , هل يعود لمكانته ومنصبه الأول !, أم أن رعيته من بعده وأبنائه الذين يخلفونه سوف يتسببون في إضاعة ما أنفقه من جهد وتفاني فى خدمة السيد مالك ,ويتسببون في إنهيار الشركة بسعيهم خلف إغراءات إدريس نسيم عدوه وعدوهم اللدود ! , وبذلك فقد تقدم العمر بنديم وإدريس على حد السواء وتقاعد نديم بعدما ظل يردد أمام عماله أنه نادم وليس نديم ويقول كنت نديماً واصبحت نادماً .... في عتاب مع نفسه لتحميل نفسه ومن يخلفه فى الشركة من جهد ومن عناء استبدله هو بمخالفته للسيد مالك حتى أنه التمس منه مراراً كلما قابله منفرداً وتحدث إليه فى أن يغفر له ما كان ويُرقّيه إلى مكانته الأولى بجوار المديرين المباشرين له فى المقر الرئيسي , حتى أن السيد مالك عفا وصفح عنه , وأقعده عن العمل واصطفى من خيره عُماله وبنوه أحدهم حتى يشغل مكانته فى الشركة , هنالك استحال هدوء إدريس ومكره إلى نار حارقة , فالأمر لم ينتهي بعد ولم ينقضي بتقاعد نديم عبد المالك , وإنما يوم الإجتماع يظل مجهولاً ولم يعلن عنه السيد مالك بعد , وهذا بدوره قد أشعل مجهود إدريس حتى يقتنص النصر لنفسه ويستغل امتداد الشركة يميناً ويساراً وشرقاً وغرباً وكثرة عمالها وبعدهم عن مقر المدير فيتقرب منهم ويشكك لهم في ما يسعون اليه, ويقلل من هممهم وما هم بصدده من إتقان وعمل وظل جهده الذي يصب في قلب العاملين على مديرهم والحياد عن قواعده ونصوصه هو الطريق الذي يسلكه لإرضاء السيد مالك , متعللاً بالراتب الذي يسوقه لهم السيد مالك بلا إنقطاع لمحسنهم ومسيئهم , ومشككاً فيما نصت عليه لوائح العمل من معاش ومقام دائم لمجتهدهم ,كانت سياسة السيد مالك بين الحين والحين أن يتفقد أحوال العمال , ويستمع لما يتحدثون , ويلبي متطلبات مخلصهم , ويبعث بالمنشورات والتعليمات الجديدة في انتظام مع مدير مكتبه اسماعيل أفندي الى من تخيره فيهم خلفاً لنديم عبد المالك الذي عرفه عامة الأفراد بنادم من كثرة ما لقب نفسه بذلك , ورغم أن سياسة الشركة واحدة ولا اختلاف عليها , فهي تقدمية وتوسعية فى مركز واحد يعود ويرجع إلى السيد مالك , إلا أن نهج كل خليفة جديد ربما يتمتع بالطباع المتباينة , وقد كان بالفعل لذلك الشاب الجديد الذي تمتع بهذه المكانة خلفاً لنادم عبد المالك , سياسة خاصة تهدف الى مركزية العمل والإجتهاد , وتختص أقاربه والمقربين له بالمناصب والتسهيلات , وتتاح له بين الحين والآخر مؤشرات لرضا السيد مالك عنه وعن أتباعه المقربين فى الشركة , يسوقها إليه اسماعيل أفندي , ويتصدى قائد الحرس عزام إلى المتقاعصين والمرتابين بالعزل والإستبعاد , وكذلك المجتهدين الذين نصت لهم اللائحة على المعاش لحين إنعقاد الإجتماع وتنصيبهم وظائف مرموقة في المقر الرئيسي , حتى أن هؤلاء الشيعة كانت تسمى بأسم ذلك الخليفة ومدير الشركة الحالي , وبعدما أحاله السيد مالك على المعاش بعد أن قضى دوره في إنماء الشركة , استخلف آخراً وآخر , كل منهم يسير على درب ربما ذات معالم مختلفة ولكنه بلا شك يخضع لسياسة الشركة التي يرأسها السيد مالك , ولكن عصبية الشيع وبقاء حرس قديم لكل مدير متقاعد تلتف حول بعضها البعض , وتؤثر المدير المباشر وسياسته الخاصة والنظرة القاصرة الضيقة على السياسة العامة للشركة والدرب الواحد الذي يجمع الشيع والأتباع ويهدف إلى الرقي وحصد الرضا والنهضة ,ظلت تشعب الطرق وتزايد العمال والتفاف كل جماعة منهم على خليفتهم ومدرائهم المتقاعدين الذين حدد لهم جميعاً السيد مالك مدة الخدمة وتوقيت التقاعد حسبما رأي فيهم من تحمل وقدرة على العطاء وقيادة عمال وموظفي الشركة التي ترامت أطرافها وفي تزايد مستمر , إلا أنه كان يضيق بعض الوقت بما هم عليه من تكاسل ومخالفة لمن تخير لهم من مدراء ورؤساء , وما كان عليه إلا أن يصطبر عليهم علهم يرجعون إلى العمل والعطاء ثم يعطي أوامره الى قائد الحرس عزام فيعزلهم عزلاً لا رحمة فيه إن لم يستجيبوا , ويستبدل غيرهم وينصب عليهم من يصطفيه منهم ..
الطرق تتشعب , ورقعه الشركة تزداد , وتخير السيد مالك آخر من تخير من المدراء , ونادي آخر المدراء في الشيع والجماعات التي التفت على مدرائها السابقون بإتباع طريق واحد وعدم ترك الفرصة لإدريس فى أن ينفرد بفرع منهم ويصيبه بذلك ما يصيبه من عقاب السيد مالك , إلا أن كل فرقة آثرت أن تصل لرضا السيد مالك بطريقتها الخاصة وعلى النهج الذي تشاء, مكتفية بسياسة الشركة إبان عهد مديرهم المتقاعد , ويعتقدون أنه هو أفضل من أدار الشركة في وقته , وأن سياسته هي الصواب بعينه ومن سواه مخالف لما أراده السيد مالك , كانت لإدريس نسيم سعادة تزداد يوماً فيوماً وهو يرى عمره ينقضي ويقترب من النهاية والإجتماع الكبير بينما يرى أحلامه تتحقق في تشتت أمر الشركة و تفرق الطرق في شركة السيد مالك , وتقاعص عمال وأفراد خلفاء الأستاذ / نديم عبد المالك غريمه المتقاعد عن الإتباع وعن العمل ,انتهى عمل آخر المدراء الذي أحبه السيد مالك واختصه بآخر التعليمات والإمتيازات وجعل بينه صلة ودعمها اسماعيل أفندي بما أورده إليه من نهج وبيان ثابت للعمال والموظفين والذي يُعد نهجاً ثابتاً للشركة وطريقها الواحد الذي يجب على الجميع أن يرتاده ,خطه وأقره السيد مالك بنفسه وألّف في هذا النهج بين السياسات المتشعبة وانقطع مراسلة المقر الرئيسي لفروع الشركة وأعلن اسماعيل أفندي عن اقتراب الإجتماع الكبير , وإدريس نسيم يتصدى هو وبنوه ومن هانت قواه وكف عن العمل فى شركة السيد مالك ., تقاعد آخر المدراء ,وانقطعت الحملات التي كانت تروح وتغدو بين المقر الرئيسي والفرعي , ومازالت العمالة والموظفون يحصلون على رواتبهم , ومجتدهم ينتظر الإجتماع الكبير ,والوظيفة الخالدة , ,ومتقاعصهم يخلد إلى التكاسل ويكتفى بالراتب الثابت الذي لا ينقطع برغم ما يفعل ومالا يفعل , إدريس نسيم يجد الأمر متاحاً لإكتساب الكثير والكثير من عمال الشركة , فلا مراسلات ولا مدير مباشر يمسك بزمام الأمور , بل أصبح الأمر امتحاناً قاسياً ,يتحدى فيه السيد مالك من أعمَلهم لديه وأسند إليهم أمر شركته , حتى أن بيديهم إعمارها وإنمائها وهو الغني عن ذلك ولا ينتظر منهم متاعاً أو أموالاً بل كل شي وكل فيء يعود عليهم ويغمرهم وحدهم حسبما يرى هو , لكن النفس التي دوماً ما تركن الى الراحة والإسترخاء وتؤثر النظرة القاصرة القريبة على المترامية البعيدة , أبت إلا أن تستمع لإدريس نسيم وتقبل دعوته على إقتناص الفرص ولم يجد مشقة في إقناعهم فطريقه الذي يسلكه إليهم هو المنطق الحاضر الملموس ,أما السيد مالك فهو المستقبل الذي يراه أكثرهم بعيداً , وما الحاجة إلى الإنتظار وإدريس يقدم بديلاً للمعاش منذ الآن فما هو إلا أن تمتد يديك لأموال الشركة مختلساً من مالك وليس من مال السيد مالك فهو لا يعنيه المال ولا يحتاج إليه وبيديك أن تأمن لذريتك مستقبلهم بمجهودك هنا فى الشركة الفرعية وليس هناك إذن حاجة للإنتظار لوظيفة المقر الرئيسي البعيدة المنال فى الوقت وفى المجهود , ومن العمال من اهتم بالأمرين على حد السواء فاجتهد فى الطريقين , يعمل فى الشركة وينتهج نهج إدريس نسيم ويأخذ بنصائحه بعد بلورتها ووضعها فى لائحة العمل وما أوردته تعليمات السيد مالك فيكون بذلك قد جمع على نفسه المستقبل وعمل ليومه وغده معاً ,وبينما كان إدريس نسيم كذلك يغزو ذلك التكوين الذي رغم تفحله وتفشيه إلا أنه يوهن وهناً شديداً فما بين قابع ومنتظر على خوف وأمل , ومابين ماسكاً للأمور كالعصا يخاف أن يميل يميناً أو يساراً , ومابين مستنكر لإبتعاد الإجتماع الكبير , ومابين منتظراً لإسماعيل أفندي من جديد يحمل بين يديه البشرى , كان اهتمام إدريس يزداد بالطبقة العاملة التي مازالت في إنتظار للإجتماع وتعمل له بكد وإخلاص , ولا يُلقي بالاً بمن أتى من الشركة بما يقر له عقله وترتضيه جوارحه , ورغم كل هذا فإنه فى قراره نفسه يعلم جرمه حق العلم , فقد أحال أكثر من نصف الشركة إلى رافضين ومنقسمين ونصف النصف الباقي إلى شيعاً مختلفين فى الوسيلة ومتفقين فى الغايه, والنصف الباقي إلى ظاّنين, وجلس إدريس ذات يوم ناظراً ما فعلت يداه , وكيف أحاله السيد مالك من مخلص له إلى مفسداً عليه عماله , ومابين بانياً مجتهداً فى شركته إلى هادماً ناقماً عليها , لكنه يخشى مكر السيد مالك أشد الخشيه, وكلما توقف عن إفساد عمال شركته ناهياً نفسه عن معاداة من لا طاقه له به ,ومحاربه من بيده أن يغلبه شر غلبه وقتما يريد ,تذكر أن الأمر مضى منه وما هو إلا ماضياً في طريق ليس منه رجعه , وما عليه إلا أن يستكمل الطريق الوعر الذي اختاره ,فإما أن يقضي على ما تبقى من العمال وينحيهم جانباً عن العمل وبذلك يعود فى الإجتماع الكبير الذي يعلم صدق إنعقاده وقد ساق الدلائل والبراهين على قدرته وعبقريته ومدى أحقيته هو وحده بأن يكون المخلص للسيد مالك ,ظافراً على نديم عبد المالك , ويموت أو يصلب موت الثوار وقد أصاب متعة نفسه فى تحدي محسوم الخواتيم , وما أقساه من تحدي أن تعلم أنك المغلوب فيه لكن لا تتخير لنفسك ذل التنحي والإنسحاب ,وإما أن يلقى شر هزيمة وهي التي يلقاها على يد أحفاد نديم عبد المالك منفردين, بدون أي مساعدة من السيد مالك , وذلك برفضهم ما يحمله لهم إدريس من عطايا حاضرة واقعة ملموسة , وانتظارهم مايجود به عليهم السيد مالك من متاع غير معلوم ووظيفة لا نصب فيها ولا تعب , حدثهم عنها من تقاعدوا في روايات ليست مروية ,وهذا ما كان يخشاه أشد الخشية ويجعله يخسر مرتين أو ثلاثة , فقد خسر وظيفته ومكانته كفتى مدلل في المقر الرئيسي , وخسر أمام السيد مالك , وخسر أمام أحفاد غريمه نديم عبد المالك , فهو خسران مبين له , ونهض بعدما اغرورقت عيناه فى الدموع خوفاً ,يسعى بين ما تبقى من عمال , يمرق بين أركان الشركة كالسهم النافذ , يأمل في أن يظفر بنصر لذاته وبعدها يُقتل أو يُلقي بنفسه بين يدي السيد مالك إما تائباً عما فعل , وإما مستكبراً ومتعالياً بما حصده من مخالفات أوقع بها بنو نديم عبد المالك ومن هم على شاكلته , لكن الأعوام تمر وليس في يد إدريس نسيم – مُجبراً– سوى الأماني القريبة الجميلة بلا وعيد , وحسب من تجنبه أن يبقى لائم لنفسه وليس سعيد , ولا يُعطي السيد مالك – مختاراً – سوى الأماني مع الوعيد ,والعمال بين هذا وذاك , ما بين راغباً فى الأماني وخائفاً من الوعيد ,يرقبون كل صباح فلا يجدون ما هو جديد , وينتظرون الإجتماع الذي لبعضهم ليس آتِ , ولبعضهم لم يعد بعيد .....
| |
|
