شبـــاب العمـــــار
إضغط دخول وإدخل فورا
وإلا إعرف إن الفيسبوك هو اللي منعك
واحشتونا والله
شبـــاب العمـــــار
إضغط دخول وإدخل فورا
وإلا إعرف إن الفيسبوك هو اللي منعك
واحشتونا والله
شبـــاب العمـــــار
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول


 

 الهدهد البليغ

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
أحمد عبدالعزيز
شــاعـر عمـاري
شــاعـر عمـاري
أحمد عبدالعزيز


ذكر
عدد الرسائل : 3616
العمر : 42
المكان : أبوظبي
الحالة : متزوج
الهواية : الشعر والأدب
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
التـقــييــم : 16

الهدهد البليغ  Empty
مُساهمةموضوع: الهدهد البليغ    الهدهد البليغ  I_icon_minitimeالإثنين 09 مايو 2011, 12:12 pm

طالما بحثت لما يجول برأسي هذا عن تفسير مكتوب او مسموع , او ربما معلومات تراكمت بالذاكرة ..ولكنني دوماً افشل ..
وأفشل ماذا أسميه ..هل هو خاطرة تفسير .. او رؤية شخصية لحوار بليغ لمست فيه جانباً آخراً من حلاوة البيان في كتاب الرحيم الرحمن

إنه حديث الهدهد لسليمان النبي عليه السلام ... ودى روعته وذكائه

وأعوذ بالله من أي خطأ ارتكبه فى تفسير ما يجول فى الآيه الكريمة من الناحية البيانية التي أبهرتني

فعندما قال الله تعالى في سورة النمل
بسم الله الرحمن الرحيم
( وتفقّد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطانِ مبين )

نجد هنا ان تدريج مراحل العقاب بها اختلاف بعض الشيء

فنحن نقول مثلاً لو لم تفعل كذا يا فلان فسوف اقتلك او أوسعك ضرباً
او فلان هذا إما أن يُعدم او يسجن مدى الحياة

أي جرت العادة على تقديم العقاب الأقسى
ويليه العقاب الذي يتبعه وهو اهون

فكان عذاب سليمان عليه السلام هو الأقسى على الهدهد ..لإن بموته وذبحه يكون قد أراحه ..

وقول الهدهد في اول حديثه فيه براعة استهلال لا مثيل لها

إنها يريد أن يأخذ الحل الثالث وهو السلطان المبين لسبب تغيبه

فقال جملة اعجب واعجب

(( قال أحطت بما لم تُحط به ))

وكيف لهدهد صغير ان يأتيه من العلم مالم يأتي سليمان عليه السلام .. وهو الذي وهبه الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده

فهذه الجملة كأنها لجذب الإنتباه وتأخير العقاب ..وأدعى للتشويق

ثم أخفى الهدهد الخبر وظل يستدرج الملأ في الإستماع إليه وهو يعطي أمور تجذب شغف نبي الله سليمان

وآخر الخبر الأساسي وهو وجود بعض الكافرين

فقال مؤكداً صدق ما سينطق به قبل أن ينطق به (( وجئتك من سبأ بنبأ يقين ))

ثم قال وكأنها علامة إستفهام

(( إني وجدت امرأة تملكهم ))

؟؟؟

وكيف لهذه الجملة من واقع على سليمان عليه السلام ..إمرأة ؟؟؟ وتملكهم ؟؟ وهو الملك سليمان .. والملك عادة الرجال ؟؟؟

ثم تبعها الهدهد (( وأوتيت من كل شئ )) ..وكأنه يريد ان يرفع قدر الإثارة من ذلك الخبر كيف لها ان تؤتى من كل شئولدى سليمان عليه السلام ..مالا ينبغي لغيره ؟؟؟

ثم ختمها بقوله (( ولها عرش عظيم )) ؟؟؟

وكأنه يقول لها عرش كعرشك ..وقد كان عرش سليمان من أعظم العروش
وكأنه يختتم استهلاله للخبر بأنه مهد سليمان عليه السلام واعلا قدر تطلعه للخبر

ثم قال الخبر مكتملاً كما جاء فى تفصيل الآيات

(( وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ))

فربما بدون الإستهلالية فى الحديث لكان الخبر عادياً أنهم قوم كافرين ..

ولكن أن يهتم الهدهد بنقل خبره بطريقة تقع عند سليمان عليه السلام موقعاً يجعله يستمع إليه ويصرف عنه العقاب وذلك بعد التأكد من الخبر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مختار محمود
أديـب عمـاري
أديـب عمـاري
مختار محمود


ذكر
عدد الرسائل : 2683
العمر : 59
المكان : السعودية
الحالة : موكن يعني تمام
الهواية : قراءة
تاريخ التسجيل : 24/01/2008
التـقــييــم : 0

الهدهد البليغ  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهدهد البليغ    الهدهد البليغ  I_icon_minitimeالثلاثاء 17 مايو 2011, 5:51 am

موضوع صفري لزمنا إعادته للواجهة

فين عمنا سميح للتواصل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.arabicstory.net/index.php?p=author&aid=211
أحمد عبدالعزيز
شــاعـر عمـاري
شــاعـر عمـاري
أحمد عبدالعزيز


ذكر
عدد الرسائل : 3616
العمر : 42
المكان : أبوظبي
الحالة : متزوج
الهواية : الشعر والأدب
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
التـقــييــم : 16

الهدهد البليغ  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهدهد البليغ    الهدهد البليغ  I_icon_minitimeالثلاثاء 17 مايو 2011, 8:35 am

الشكر لك أستاذنا الكريم / مختار محمود


لقد أرسلت موضوعي للنقاش ..فهو محض خاطرة للتفسير فحسب

وأخشى أن أضِلّ أو أُضلّ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مختار محمود
أديـب عمـاري
أديـب عمـاري
مختار محمود


ذكر
عدد الرسائل : 2683
العمر : 59
المكان : السعودية
الحالة : موكن يعني تمام
الهواية : قراءة
تاريخ التسجيل : 24/01/2008
التـقــييــم : 0

الهدهد البليغ  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهدهد البليغ    الهدهد البليغ  I_icon_minitimeالثلاثاء 17 مايو 2011, 9:14 am

الموضوع جيد

ويستحق المناقشة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.arabicstory.net/index.php?p=author&aid=211
Amr Emam
عماري أصيل
عماري أصيل
Amr Emam


ذكر
عدد الرسائل : 10742
العمر : 39
المكان : قلب مصر
الحالة : خاطب مستجد
الهواية : المعرفة والإبداع
تاريخ التسجيل : 12/04/2007
التـقــييــم : 0

الهدهد البليغ  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهدهد البليغ    الهدهد البليغ  I_icon_minitimeالثلاثاء 17 مايو 2011, 8:38 pm



قرأته فى أثناء عملى

ونويت الرد لكنى لم أستطيع

هل أن اناقشك فيه أخى الجميل م/ احمد ؟
؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مختار محمود
أديـب عمـاري
أديـب عمـاري
مختار محمود


ذكر
عدد الرسائل : 2683
العمر : 59
المكان : السعودية
الحالة : موكن يعني تمام
الهواية : قراءة
تاريخ التسجيل : 24/01/2008
التـقــييــم : 0

الهدهد البليغ  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهدهد البليغ    الهدهد البليغ  I_icon_minitimeالأربعاء 18 مايو 2011, 5:29 am

لماذا لا تكون المناقشة على العام لنستفيد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.arabicstory.net/index.php?p=author&aid=211
أحمد عبدالعزيز
شــاعـر عمـاري
شــاعـر عمـاري
أحمد عبدالعزيز


ذكر
عدد الرسائل : 3616
العمر : 42
المكان : أبوظبي
الحالة : متزوج
الهواية : الشعر والأدب
تاريخ التسجيل : 30/09/2008
التـقــييــم : 16

الهدهد البليغ  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهدهد البليغ    الهدهد البليغ  I_icon_minitimeالأربعاء 18 مايو 2011, 5:46 am

على الرحب والسعة ..فما هو إلا محض اجتهاد وتصور ...واتمنى ان نتجاذب الحديث ..ونتدارس فيما بيننا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سميح عزت الهيو
شــاعـر عمـاري
شــاعـر عمـاري
سميح عزت الهيو


ذكر
عدد الرسائل : 2323
العمر : 54
المكان : "عنوانى أرض الله .. فعلا ماليش عنوان "
الحالة : "إسمى بنى آدم .. وقضيتى إنسان "
الهواية : الشعر والأدب
تاريخ التسجيل : 02/10/2008
التـقــييــم : 1

الهدهد البليغ  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهدهد البليغ    الهدهد البليغ  I_icon_minitimeالأربعاء 18 مايو 2011, 7:08 am


قرأت الموضوع وتأخرت فى كتابة الرد
لأن الرد يستلزم هنا التأنى

وفى انتظار بدء المناقشة
من قبل أ / عمر إمام
و م / أحمد عبدالعزيز

دمتم بكل الخير وفيه .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://sameehezzat.maktoobblog.com/
سميح عزت الهيو
شــاعـر عمـاري
شــاعـر عمـاري
سميح عزت الهيو


ذكر
عدد الرسائل : 2323
العمر : 54
المكان : "عنوانى أرض الله .. فعلا ماليش عنوان "
الحالة : "إسمى بنى آدم .. وقضيتى إنسان "
الهواية : الشعر والأدب
تاريخ التسجيل : 02/10/2008
التـقــييــم : 1

الهدهد البليغ  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهدهد البليغ    الهدهد البليغ  I_icon_minitimeالسبت 21 مايو 2011, 8:42 am



تفسير بن كثير


« . »

وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ( 20 ) لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ( 21 ) .

قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وغيرهما، عن ابن عباس وغيره:كان الهدهد مهندسا، يدل سليمان، عليه السلام، على الماء، إذا كان بأرض فلاة طلبه فنظر له الماء في تخوم الأرض، كما يرى الإنسان الشيء الظاهر على وجه الأرض، ويعرف كم مساحة بعده من وجه الأرض، فإذا دلهم عليه أمر سليمان، عليه السلام، الجان فحفروا له ذلك المكان، حتى يستنبط الماء من قراره، فنـزل سليمان، عليه السلام [ يوما ] ، بفلاة من الأرض، فتفقد الطير ليرى الهدهد، فلم يره، ( فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ) .

حدَّث يوما عبد الله بن عباس بنحو هذا، وفي القوم رجل من الخوارج، يقال له: « نافع بن الأزرق » ، وكان كثير الاعتراض على ابن عباس، فقال له:قف يا بن عباس، غُلبت اليوم! قال:وَلِمَ؟ قال:إنك تخبر عن الهدهد أنه يرى الماء في تخوم الأرض، وإن الصبي ليضع له الحبة في الفخ، ويحثو على الفخ ترابًا، فيجيء الهدهد ليأخذها فيقع في الفخ، فيصيده الصبي. فقال ابن عباس:لولا أن يذهب هذا فيقول:رددت على ابن عباس، لما أجبته. فقال له:ويحك! إنه إذا نـزل القَدَر عَمي البصر، وذهب الحَذَر. فقال له نافع:والله لا أجادلك في شيء من القرآن أبدًا .

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبد الله البَرْزيّ - من أهل « بَرْزَةَ » من غوطة دمشق، وكان من الصالحين يصوم [ يوم ] الاثنين والخميس، وكان أعور قد بلغ الثمانين - فروى ابن عساكر بسنده إلى أبي سليمان بن زيد:أنه سأله عن سبب عَوَره، فامتنع عليه، فألح عليه شهورًا، فأخبره أن رجلين من أهل خراسان نـزلا عنده جمعة في قرية برزة، وسألاه عن وادٍ بها، فأريتهما إياه، فأخرجا مجامر وأوقدا فيها بخورًا كثيرًا، حتى عجعج الوادي بالدخان، فأخذا يَعْزمان والحيات تقبل من كل مكان إليهما، فلا يلتفتان إلى شيء منها، حتى أقبلت حية نحو الذراع، وعيناها توقدان مثل الدينار. فاستبشرا بها عظيما، وقالا الحمد لله الذي لم يُخَيب سفرنا من سنة، وكسرا المجامر، وأخذا الحية فأدخلا في عينها ميلا فاكتحلا به، فسألتهما أن يكحلاني، فأبيا، فألححت عليهما وقلت:لا بد من ذلك، وتوعدتهما بالدولة، فكحلا عيني الواحدة اليمنى، فحين وقع في عيني نظرت إلى الأرض تحتي مثل المرآة، أنظر ما تحتها كما تُري المرآة، ثم قالا لي:سر معنا قليلا فسرت معهما وهما يحدثان، حتى إذا بعدت عن القرية، أخذاني فكتفاني، وأدخل أحدهما يده في عيني ففقأها، ورمى بها ومضيا. فلم أزل كذلك ملقى مكتوفًا، حتى مر بي نفر ففَكَّ وَثَاقي. فهذا ما كان من خبر عيني .

وقال ابن أبي حاتم:حدثنا علي بن الحسين، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن عمرو الغساني، حدثنا عَبّاد بن مَيْسَرة المِنْقَرِيّ، عن الحسن قال:اسم هدهد سليمان عليه السلام:عنبر.

وقال محمد بن إسحاق:كان سليمان، عليه السلام، إذا غدا إلى مجلسه الذي كان يجلس فيه:تفقد الطير، وكان فيما يزعمون يأتيه نُوَبٌ من كل صنف من الطير، كل يوم طائر، فنظر فرأى من أصناف الطير كلّها من حَضَره إلا الهدهد، ( فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ) أخطأه بصري من الطير، أم غاب فلم يحضر؟.

وقوله: ( لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا ) :قال الأعمش، عن المِنْهَال بن عمرو، عن سعيد، عن ابن عباس:يعني نتف ريشه.

وقال عبد الله بن شداد:نتف ريشه وتشميسه. وكذا قال غير واحد من السلف:إنه نتف ريشه، وتركه مُلْقًى يأكله الذر والنمل.

وقوله: ( أَوْ لأذْبَحَنَّهُ ) يعني:قتله ، ( أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ) أي:بعذر واضح بين.

وقال سفيان بن عيينة، وعبد الله بن شداد:لما قدم الهدهد قال له الطير:ما خلفك، فقد نذر سليمان دمك! فقال:هل استثنى؟ فقالوا:نعم، قال: ( لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ) فقال:نجوت إذًا.

قال مجاهد:إنما دفع [ الله ] عنه ببره بأمه .

فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ( 22 )

يقول تعالى: ( فَمَكَثَ ) الهدهد ( غَيْرَ بَعِيدٍ ) أي:غاب زمانًا يسيرًا، ثم جاء فقال لسليمان: ( أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ) أي:اطلعت على ما لم تطلع عليه أنت ولا جنودك ، ( وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ) أي:بخبر صدق حق يقين.

وسبأ:هم:حِمْير، وهم ملوك اليمن.




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://sameehezzat.maktoobblog.com/
سميح عزت الهيو
شــاعـر عمـاري
شــاعـر عمـاري
سميح عزت الهيو


ذكر
عدد الرسائل : 2323
العمر : 54
المكان : "عنوانى أرض الله .. فعلا ماليش عنوان "
الحالة : "إسمى بنى آدم .. وقضيتى إنسان "
الهواية : الشعر والأدب
تاريخ التسجيل : 02/10/2008
التـقــييــم : 1

الهدهد البليغ  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهدهد البليغ    الهدهد البليغ  I_icon_minitimeالسبت 21 مايو 2011, 8:44 am

تفسير القرطبى



الآيات: 20 - 28 ( وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين، لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين، فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين، إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم، وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون، ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون، الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم، قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين، اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون )



قوله تعالى: « وتفقد الطير » ذكر شيئا آخر مما جرى له في مسيره الذي كان فيه من النمل ما تقدم. والتفقد تطلب ما غاب عنك من شيء. والطير اسم جامع والواحد طائر، والمراد بالطير هنا جنس الطير وجماعتها. وكانت تصحبه في سفره وتظله بأجنحتها. واختلف الناس في معنى تفقده للطير؛ فقالت فرقة: ذلك بحسب ما تقتضيه العناية بأمور الملك، والتهمم بكل جزء منها؛ وهذا ظاهر الآية. وقالت فرقة: بل تفقد الطير لأن الشمس دخلت من موضع الهدهد حين غاب؛ فكان ذلك سبب تفقد الطير؛ ليتبين من أين دخلت الشمس. وقال عبدالله بن سلام: إنما طلب الهدهد لأنه احتاج إلى معرفة الماء على كم هو من وجه الأرض؛ لأنه كان نزل في مفازة عدم فيها الماء، وأن الهدهد كان يرى باطن الأرض وظاهرها؛ فكان يخبر سليمان بموضع الماء، ثم كانت الجن تخرجه في ساعة يسيرة؛ تسلخ عنه وجه الأرض كما تسلخ الشاة؛ قاله ابن عباس فيما روي عن ابن سلام. قال أبو مجلز قال ابن عباس لعبدالله بن سلام: أريد أن أسألك عن ثلاث مسائل. قال: أتسألني وأنت تقرأ القرآن؟ قال: نعم ثلاث مرات. قال: لم تفقد سليمان الهدهد دون سائر الطير؟ قال: احتاج إلى الماء ولم يعرف عمقه - أو قال مسافته - وكان الهدهد يعرف ذلك دون سائر الطير فتفقده. وقال في كتاب النقاش: كان الهدهد مهندسا. وروي أن نافع بن الأزرق سمع ابن عباس يذكر شأن الهدهد فقال له: قف يا وقاف كيف يرى الهدهد باطن الأرض وهو لا يرى الفخ حين يقع فيه؟! فقال له ابن عباس: إذا جاء القدر عمي البصر. وقال مجاهد: قيل لابن عباس كيف تفقد الهدهد من الطير؟ فقال: نزل منزلا ولم يدر ما بعد الماء، وكان الهدهد مهتديا إليه، فأراد أن يسأله. قال مجاهد: فقلت كيف يهتدي والصبي يضع له الحبالة فيصيده؟ قال: إذا جاء القدر عمي البصر. قال ابن العربي: ولا يقدر على هذا الجواب إلا عالم القرآن.

قلت: هذا الجواب قد قاله الهدهد لسليمان كما تقدم. وأنشدوا:

إذا أراد الله أمرا بامرئ وكان ذا عقل ورأي ونظر

وحيلة يعملها في دفع ما يأتي به مكروه أسباب القدر

غطى عليه سمعه وعقله وسله من ذهنه سل الشعر

حتى إذا أنفذ فيه حكمه رد عليه عقله ليعتبر

قال الكلبي: لم يكن له في مسيره إلا هدهد واحد. والله أعلم.



في هذه الآية دليل على تفقد الإمام أحوال رعيته؛ والمحافظة عليهم. فانظر إلى الهدهد مع صغره كيف لم يخف على سليمان حاله، فكيف بعظام الملك. ويرحم الله عمر فإنه كان على سيرته؛ قال: لو أن سخلة على شاطئ الفرات أخذها الذئب ليسأل عنها عمر. فما ظنك بوال تذهب على يديه البلدان، وتضيع الرعية ويضيع الرعيان. وفي الصحيح عن عبدالله بن عباس أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام، حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد: أبو عبيدة وأصحابه فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام. الحديث؛ قال علماؤنا: كان هذا الخروج من عمر بعد ما فتح بيت المقدس سنة سبع عشرة على ما ذكره خليفة بن خياط. كان يتفقد أحوال رعيته وأحوال أمرائه بنفسه، فقد دل القرآن والسنة وبينا ما يجب على الإمام من تفقد أحوال رعيته، ومباشرة ذلك بنفسه، والسفر إلى ذلك وإن طال. ورحم الله ابن المبارك حيث يقول:

وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها



قوله تعالى: « ما لي لا أرى الهدهد » أي ما للهدهد لا أراه؛ فهو من القلب الذي لا يعرف معناه. وهو كقولك: ما لي أراك كئيبا. أي مالك. والهدهد طير معروف وهدهدته صوته. قال ابن عطية: إنما مقصد الكلام الهدهد غاب لكنه أخذ اللازم عن مغيبه وهو أن لا يراه، فاستفهم على جهة التوقف على اللازم وهذا ضرب من الإيجاز. والاستفهام الذي في قوله: « مالي » ناب مناب الألف التي تحتاجها أم. وقيل: إنما قال: « مالي لا أرى الهدهد » ؛ لأنه اعتبر حال نفسه، إذ علم أنه أوتي الملك العظيم، وسخر له الخلق، فقد لزمه حق الشكر بإقامة الطاعة وإدامة العدل، فلما فقد نعمة الهدهد توقع أن يكون قصر في حق الشكر، فلأجله سلبها فجعل يتفقد نفسه؛ فقال: « مالي » . قال ابن العربي: وهدا يفعله شيوخ الصوفية إذا فقدوا مالهم، تفقدوا أعمالهم؛ هذا في الآداب، فكيف بنا اليوم ونحن نقصر في الفرائض!. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وعاصم والكسائي وهشام وأيوب: « مالي » بفتح الياء وكذلك في « يس » « ومالي لا أعبد الذي فطرني » [ يس: 22 ] . وأسكنها حمزة ويعقوب. وقرأ الباقون المدنيون وأبو عمرو: بفتح التي في « يس » وإسكان هذه. قال أبو عمرو: لأن هذه التي في « النمل » استفهام، والأخرى انتفاء. واختار أبو حاتم وأبو عبيد الإسكان « فقال مالي » . وقال أبو جعفر النحاس: زعم قوم أنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما كان مبتدأ، وبين ما كان معطوفا على ما قبله، وهذا ليس بشيء؛ وإنما هي ياء النفس، من العرب من يفتحها ومنهم من يسكنها، فقرؤوا باللغتين؛ واللغة الفصيحة في ياء النفس أن تكون مفتوحة؛ لأنها اسم وهي على حرف واحد، وكان الاختيار ألا تسكن فيجحف الاسم. « أم كان من الغائبين » بمعنى بل.



قوله تعالى: « لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه » دليل على أن الحد على قدر الذنب لا على قدر الجسد، أما أنه يرفق بالمحدود في الزمان والصفة. روي عن ابن عباس ومجاهد وابن جريج أن تعذيبه للطير كان بأن ينتف ريشه. قال ابن جريج: ريشه أجمع. وقال يزيد بن رومان: جناحاه. فعل سليمان هذا بالهدهد إغلاظا على العاصين، وعقابا على إخلاله بنوبته ورتبته؛ وكأن الله أباح له ذلك، كما أباح ذبح البهائم والطير للأكل وغيره من المنافع. والله أعلم. وفي « نوادر الأصول » قال: حدثنا سليمان بن حميد أبو الربيع الإيادي، قال حدثنا عون بن عمارة، عن الحسين الجعفي، عن الزبير بن الخريت، عن عكرمة، قال: إنما صرف الله شر سليمان عن الهدهد لأنه كان بارا بوالديه. وسيأتي. وقيل: تعذيبه أن يجعل مع أضداده. وعن بعضهم: أضيق السجون معاشرة الأضداد وقيل: لألزمنه خدمة أقرانه. وقيل: إيداعه القفص. وقيل: بأن يجعله للشمس بعد نتفه. وقيل: بتبعيده عن خدمتي، والملوك يؤدبون بالهجران الجسد بتفريق إلفه. وهو مؤكد بالنون الثقيلة، وهي لازمة هي أو الخفيفة. قال أبو حاتم: ولو قرئت « لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه » جاز. « أو ليأتيني بسلطان مبين » أي بحجة بينة. وليست اللام في « ليأتيني » لام القسم لأنه لا يقسم سليمان على فعل الهدهد؛ ولكن لما جاء في أثر قوله: « لأعذبنه » وهو مما جاز به القسم أجراه مجراه. وقرأ ابن كثير وحده: « ليأتينني » بنونين.



قوله تعالى: « فمكث غير بعيد » أي الهدهد. والجمهور من القراء على ضم الكاف، وقرأ عاصم وحده بفتحها. ومعناه في القراءتين أقام. قال سيبويه: مكث يمكث مكوثا كما قالوا قعد يقعد قعودا. قال: ومكث مثل ظرف. قال غيره: والفتح أحسن لقوله تعالى: « ماكثين » [ الكهف: 3 ] إذ هو من مكث؛ يقال: مكث يمكث فهو ماكث؛ ومكث يمكث مثل عظم يعظم فهو مكيث؛ مثل عظيم. ومكث يمكث فهو ماكث؛ مثل حمض يحمض فهو حامض. والضمير في « مكث » يحتمل أن يكون لسليمان؛ والمعنى: بقي سليمان بعد التفقد والوعيد غير طويل أي غير وقت طويل. ومحتمل أن يكون للهدهد وهو الأكثر. فجاء: « فقال أحطت بما لم تحط به » « فقال أحطت بما لم تحط به » أي علمت ما لم تعلمه من الأمر فكان في هذا رد على من قال: إن الأنبياء تعلم الغيب. وحكى الفراء « أحط » يدغم التاء في الطاء. وحكى « أحت » بقلب الطاء تاء وتدغم.



قوله تعالى: « وجئتك من سبأ بنبأ يقين » أعلم سليمان ما لم يكن يعلمه، ودفع عن نفسه ما توعده من العذاب والذبح. وقرأ الجمهور: « سبأ » بالصرف. وابن كثير وأبو عمرو: « سبأ » بفتح الهمزة وترك الصرف؛ فالأول على أنه اسم رجل نسب إليه قوم، وعليه قول الشاعر:

الواردون وتيم في ذرى سبأ قد عض أعناقهم جلد الجواميس

وأنكر الزجاج أن يكون اسم رجل، وقال « سبأ » اسم مدينة تعرف بمأرب باليمن بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام.

قلت: وقع في عيون المعاني للغزنوي ثلاثة أميال. قتادة والسدي بعث إليه اثنا عشر نبيا. وأنشد للنابغة الجعدي:

من سبأ الحاضرين مأرب إذ يبنون من دون سيله العرما

قال: فمن لم يصرف قال إنه اسم مدينة، ومن صرف وهو الأكثر فلأنه اسم البلد فيكون مذكرا سمي به مذكر. وقيل: اسم امرأة سميت بها المدينة. والصحيح أنه اسم رجل، كذلك في كتاب الترمذي من حديث فروة بن مسيك المرادي عن النبي صلى الله عليه وسلم: وسيأتي إن شاء الله تعالى. قال ابن عطية: وخفي هذا الحديث على الزجاج فخبط عشواء. وزعم الفراء أن الرؤاسي سأل أبا عمرو بن العلاء عن سبأ فقال: ما أدري ما هو. قال النحاس: وتأول الفراء على أبي عمرو أنه منعه من الصرف لأنه مجهول، وأنه إذا لم يعرف الشيء لم ينصرف. وقال النحاس: وأبو عمر وأجل من أن يقول مثل هذا، وليس في حكاية الرؤاسي عنه دليل أنه إنما منعه من الصرف لأنه لم يعرفه، وإنما قال لا أعرفه، ولو سئل نحوي عن اسم فقال لا أعرفه لم يكن في هذا دليل على أنه يمنعه من الصرف، بل الحق على غير هذا؛ والواجب إذا لم يعرفه أن يصرفه؛ لأن أصل الأسماء الصرف؛ وإنما يمنع الشيء من الصرف لعلة داخلة عليه؛ فالأصل ثابت بيقين فلا يزول بما لا يعرف. وذكر كلاما كثيرا عن النحاة وقال في آخره: والقول في « سبأ » ما جاء التوقيف فيه أنه في الأصل اسم رجل، فإن صرفته فلأنه قد صار اسما للحي، وإن لم تصرفه جعلته اسما للقبيلة مثل ثمود إلا أن الاختيار عند سيبويه الصرف وحجته في ذلك قاطعة؛ لأن هذا الاسم لما كان يقع له التذكير والتأنيث كان التذكير أولى؛ لأنه الأصل والأخف.



وفي الآية دليل على أن الصغير يقول للكبير والمتعلم للعالم عندي ما ليس عندك إذا تحقق ذلك وتيقنه. هذا عمر بن الخطاب مع جلالته رضي الله عنه وعلمه لم يكن عنده علم بالاستئذان. وكان علم التيمم عند عمار وغيره، وغاب عن عمر وابن مسعود حتى قالا: لا يتيمم الجنب. وكان حكم الإذن في أن تنفر الحائض عند ابن عباس ولم يعلمه عمر ولا زيد بن ثابت. وكان غسل رأس المحرم معلوما عند ابن عباس وخفي عن المسور بن مخرمة. ومثله كثير فلا يطول به.



قوله تعالى: « إني وجدت امرأة تملكهم » لما قال الهدهد: « جئتك من سبأ بنبأ يقين » قال سليمان: وما ذلك الخبر؟ قال: « إني وجدت امرأة تملكهم » يعني بلقيس بنت شراحيل تملك أهل سبأ. ويقال: كيف وخفي على سليمان مكانها وكانت المسافة بين محطه وبين بلدها قريبة، وهي من مسيرة ثلاث بين صنعاء ومأرب ؟ والجواب أن الله تعالى أخفى ذلك عنه لمصلحة، كما أخفى على يعقوب مكان يوسف. ويروى أن أحد أبويها كان من الجن. قال ابن العربي: وهذا أمر تنكره الملحدة، ويقولون: الجن لا يأكلون ولا يلدون؛ كذبوا لعنهم الله أجمعين؛ ذلك صحيح ونكاحهم جائز عقلا فإن صح نقلا فبها ونعمت.

قلت: خرج أبو داود من حديث عبدالله بن مسعود أنه قال: قدم وفد من الجن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد انه أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو جمجمة فإن الله جاعل لنا فيها رزقا. وفي صحيح مسلم: فقال: ( لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم الجن ) وفي البخاري من حديث أبي هريرة قال فقلت: ما بال العظم والروثة؟ فقال: « هما من طعام الجن وإنه أتاني وفد جن نصيبين ونعم الجن فسألوني الزاد فدعوت الله تعالى ألا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعاما ) وهذا كله نص في أنهم يطعمون. وأما نكاحهم فقد تقدمت الإشارة إليه في » الإسراء « عند قوله: » وشاركهم في الأموال والأولاد « [ الإسراء: 64 ] . وروى وهيب بن جرير بن حازم عن الخليل بن أحمد عن عثمان بن حاضر قال: كانت أم بلقيس من الجن يقال لها بلعمة بنت شيصان. وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى.»



روى البخاري من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أهل فارس قد ملكوا بنت كسرى قال: ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) قال القاضي أبو بكر بن العربي: هذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة ولا خلاف فيه؛ ونقل عن محمد بن جرير الطبري أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية، ولم يصح ذلك عنه، ولعله نقل عنه كما نقل عن أبي حنيفة أنها إنما تقضي فيما تشهد فيه وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق؛ ولا بأن يكتب لها مسطور بأن فلانة مقدمة على الحكم، وإنما سبيل ذلك التحكيم والاستنابة في القضية الواحدة، وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير. وقد روي عن عمر أنه قدم امرأة على حسبة السوق. ولم يصح فلا تلتفتوا إليه، فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث. وقد تناظر في هذه المسألة القاضي أبو بكر بن الطيب المالكي الأشعري مع أبي الفرج بن طرار شيخ الشافعية، فقال أبو الفرج: الدليل على أن المرأة يجوز أن تحكم أن الغرض من الأحكام تنفيذ القاضي لها، وسماع البينة عليها، والفصل بين الخصوم فيها، وذلك ممكن من المرأة كإمكانه من الرجل. فاعترض عليه القاضي أبو بكر ونقض كلامه بالإمامة الكبرى؛ فإن الغرض منه حفظ الثغور، وتدبير الأمور وحماية البيضة، وقبض الخراج ورده على مستحقه، وذلك لا يتأتى من المرأة كتأتيه من الرجل. قال ابن العربي: وليس كلام الشيخين في هذه المسألة بشيء؛ فإن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجلس، ولا تخالط الرجال، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير؛ لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها، لأن كانت بَرْزَة لم يجمعها والرجال مجلس واحد تزدحم فيه معهم، وتكون مناظرة لهم؛ ولن يفلح قط من تصور هذا ولا من اعتقده.



قوله تعالى: « وأوتيت من كل شيء » مبالغة؛ أي مما تحتاجه المملكة. وقيل: المعنى أوتيت من كل شيء في زمانها شيئا فحذف المفعول؛ لأن الكلام دل عليه. « ولها عرش عظيم » أي سرير؛ ووصفه بالعظم في الهيئة ورتبة السلطان. قيل: كان من ذهب تجلس عليه. وقيل: العرش هنا الملك؛ والأول أصح؛ لقوله تعالى: « أيكم يأتيني بعرشها » [ النمل: 38 ] . الزمخشري: فإن قلت كيف سوى الهدهد بين عرش بلقيس وعرش الله في الوصف بالعظيم؟

قلت: بين الوصفين بون عظيم؛ لأن وصف عرشها بالعظيم تعظيم له بالإضافة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك، ووصف عرش الله بالعظيم تعظيم له بالنسبة إلى ما خلق من السماوات والأرض. قال ابن عباس: كان طول عرشها ثمانين ذراعا، وعرضه أربعين ذراعا، وارتفاعه في السماء ثلاثين ذراعا، مكلل بالدر والياقوت الأحمر، والزبرجد الأخضر. قتادة: وقوائمه لؤلؤ وجوهر، وكان مسترا بالديباج والحرير، عليه سبعة مغاليق. مقاتل: كان ثمانين ذراعا ?

قوله تعالى: « وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله » قيل: كانت هذه الأمة ممن يعبد الشمس؛ لأنهم كانوا زنادقة فيما يروى. وقيل: كانوا مجوسا يعبدون الأنوار. وروي عن نافع أن الوقف على « عرش » . قال الهدوي: فعظيم على هذا متعلق بما بعده، وكان ينبغي على هذا أن يكون عظيم أن وجدتها؛ أي وجودي إياها كافرة. وقال ابن الأنباري: « ولها عرش عظيم » وقف حسن، ولا يجوز أن يقف على « عرش » ويبتدئ « عظيم وجدتها » إلا على من فتح؛ لأن عظيما نعت لعرش فلو كان متعلقا بـ « وجدتها » لقلت عظيمة وجدتها؛ وهذا محال من كل وجه. وقد حدثني أبو بكر محمد بن الحسين بن شهريار، قال: حدثنا أبو عبدالله الحسين بن الأسود العجلي، عن بعض أهل العلم أنه قال: الوقف على « عرش » والابتداء « عظيم » على معنى عظيم عبادتهم الشمس والقمر. قال: وقد سمعت من يؤيد هذا المذهب، ويحتج بأن عرشها أحقر وأدق شأنا من أن يصفه الله بالعظيم. قال ابن الأنباري: والاختيار عندي ما ذكرته أولا؛ لأنه ليس على إضمار عبادة الشمس والقمر دليل. وغير منكر أن يصف الهدهد عرشها بالعظيم إذا رآه متناهي الطول والعرض؛ وجريه على إعراب « عرش » دليل على أنه نعته. « وزين لهم الشيطان أعمالهم » أي ما هم فيه من الكفر. « فصدهم عن السبيل » أي عن طريق التوحيد. وبين يهذا أن ما ليس بسبيل التوحيد فليس بسبيل ينتفع به على التحقيق. « فهم لا يهتدون » إلى الله وتوحيده.



قوله تعالى: « ألا يسجدوا لله » قرأ أبو عمرو ونافع وعاصم وحمزة: « ألا يسجدوا لله » بتشديد « ألا » قال ابن الأنباري: « فهم لا يهتدون » غير تام لمن شدد « ألا » لأن المعنى: وزين لهم الشيطان ألا يسجدوا. قال النحاس: هي « أن » دخلت عليها « لا » و « أن » في موضع نصب؛ قال الأخفش: بـ « زين » أي وزين لهم لئلا يسجدوا لله. وقال الكسائي: بـ « فصدهم » أي فصدهم ألا يسجدوا. وهو في الوجهين مفعول له. وقال اليزيدي وعلي بن سليمان: « أن » بدل من « أعمالهم » في موضع نصب. وقال أبو عمرو: و « أن » في موضع حفض على البدل من السبيل وقيل: العامل فيها « لا يهتدون » أي فهم لا يهتدون أن يسجدوا لله؛ أي لا يعلمون أن ذلك واجب عليهم. وعلى هذا القول « لا » زائدة؛ كقوله: « ما منعك ألا تسجد » [ الأعراف: 12 ] أي ما منعك أن تسجد. وعلى هذه القراءة فليس بموضع سجدة؛ لأن ذلك خبر عنهم بترك السجود، إما بالتزيين، أو بالصد، أو بمنع الاهتداء. وقرأ الزهري والكسائي وغيرهما: « ألا يسجدوا لله » بمعنى يا هؤلاء اسجدوا؛ لأن « يا » ينادي بها الأسماء دون الأفعال. وأنشد سيبويه:

يا لعنة الله والأقوام كلهم والصالحين على سمعان من جار

قال سيبويه: « يا » لغير اللعنة، لأنه لو كان للعنة لنصبها، لأنه كان يصير منادى مضافا، ولكن تقديره يا هؤلاء لعنة الله والأقوام على سمعان. وحكى بعضهم سماعا عن العرب: ألا يا ارحموا ألا يا اصدقوا. يريدون ألا يا قوم ارحموا اصدقوا، فعلى هذه القراءة « اسجدوا » في موضع جزم بالأمر والوقف على « ألا يا » ثم تبتدئ فتقول: « اسجدوا » . قال الكسائي: ما كنت أسمع الأشياخ يقرؤونها إلا بالتخفيف على نية الأمر. وفي قراءة عبدالله: « ألا هل تسجدون لله » بالتاء والنون. وفي قراءة أبي « ألا تسجدون لله » فهاتان القراءتان حجة لمن خفف. الزجاج: وقراءة التخفيف تقتضي وجوب السجود دون التشديد. واختار أبو حاتم وأبو عبيدة قراءة التشديد. وقال: التخفيف وجه حسن إلا أن فيه انقطاع الخبر من أمر سبأ، ثم رجع بعد إلى ذكرهم، والقراءة بالتشديد خبر يتبع بعضه بعضا لا انقطاع في وسطه. ونحوه قال النحاس. قال: قراءة التخفيف بعيدة؛ لأن الكلام يكون معترضا، وقراءة التشديد يكون الكلام بها متسقا، وأيضا فإن السواد على غير هذه القراءة، لأنه قد حذف منه ألفان، وإنما يختصر مثل هذا بحذف ألف واحدة نحو يا عيسى بن مريم. ابن الأنباري: وسقطت ألف « اسجدوا » كما تسقط مع هؤلاء إذا ظهر، ولما سقطت ألف « يا » واتصلت بها ألف « اسجدوا » سقطت، فعد سقوطها دلالة على الاختصار وإيثارا لما يخف وتقل ألفاظه. وقال الجوهري في آخر كتابه: قال بعضهم: إن « يا » في هذا الموضع إنما هو للتنبيه كأنه قال: ألا اسجدوا لله، فلما أدخل عليه « يا » للتنبيه سقطت الألف التي في « اسجدوا » لأنها ألف وصل، وذهبت الألف التي في « يا » لاجتماع الساكنين؛ لأنها والسين ساكنتان. قال ذو الرمة:

ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر

وقال الجرجاني: هو كلام معترض من الهدهد أو سليمان أو من الله. أي ألا ليسجدوا؛ كقوله تعالى: « قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله » [ الجاثية: 14 ] قيل: إنه أمر أي ليغفروا. وتنتظم على هذا كتابة المصحف؛ أي ليس ها هنا نداء. قال ابن عطية: قيل هو من كلام الهدهد إلى قوله « العظيم » وهو قول ابن زيد وابن إسحاق؛ ويعترض بأنه غير مخاطب فكيف يتكلم في معنى شرع. ويحتمل أن يكون من قول سليمان لما أخبره الهدهد عن القوم. ويحتمل أن يكون من قول الله تعالى فهو اعتراض بين الكلامين وهو الثابت مع التأمل، وقراءة التشديد في « ألا » تعطي أن الكلام للهدهد، وقراءة التخفيف تمنعه، والتخفيف يقتضي الأمر بالسجود لله عز وجل للأمر على ما بيناه. وقال الزمخشري: فإن قلت أسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعا أم في إحداهما؟ قلت هي واجبة فيهما جميعا؛ لأن مواضع السجدة إما أمر بها، أو مدح لمن أتى بها، أو ذم لمن تركها، وإحدى القراءتين أمر بالسجود والأخرى ذم للتارك.

قلت: وقد أخبر الله عن الكفار بأنهم يسجدون كما في « الانشقاق » وسجد النبي صلى الله عليه وسلم فيها، كما ثبت في البخاري وغيره فكذلك « النمل » . والله أعلم. الزمخشري: وما ذكره الزجاج من وجوب السجدة مع التخفيف دون التشديد فغير مرجوع إليه.



قوله تعالى: « الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض » خبء السماء قطرها، وخبء الأرض كنوزها ونباتها. وقال قتادة: الخبء السر. النحاس: وهذا أولى. أي ما غاب في السماوات والأرض، ويدل عليه « ما يخفون وما يعلنون » . وقرأ عكرمة ومالك بن دينار: « الخب » بفتح الباء من غير همز. قال المهدوي: وهو التخفيف القياسي؛ وذكر من يترك الهمز في الوقف. وقال النحاس: وحكى أبو حاتم أن عكرمة قرأ: « الذي يخرج الخبا » بألف غير مهموزة، وزعم أن هذا لا يجوز في العربية، واعتل بأنه إن خفف الهمزة ألقى حركتها على الباء فقال: الخب في السماوات والأرض « وأنه إن حول الهمزة قال: الخبي بإسكان الباء وبعدها ياء. قال النحاس: وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول: كان أبو حاتم دون أصحابه في النحو ولم يلحق بهم إلا أنه إذا خرج من بلده لم يلق أعلم منه. وحكى سيبويه عن العرب أنها تبدل من الهمزة ألفا إذا كان قبلها ساكن وكانت مفتوحة، وتبدل منها واوا إذا كان قبلها ساكن وكانت مضمومة، وتبدل منها ياء إذا كان قبلها ساكن وكانت مكسورة؛ فتقول: هذا الوثو وعجبت من الوثي ورأيت الوثا؛ وهذا من وثئت يده؛ وكذلك هذا الخبو وعجبت من الخبي، ورأيت الخبا؛ وإنما فعل هذا لأن الهمزة خفيفة فأبدل منها هذه الحروف. وحكى سيبويه عن قوم من بني تميم وبني أسد أنهم يقولون: هذا الخبؤ؛ يضمون الساكن إذا كانت الهمزة مضمومة، ويثبتون الهمزة ويكسرون الساكن إذا كانت الهمزة مكسورة، ويفتحون الساكن إذا كانت الهمزة مفتوحة. وحكى سيبويه أيضا أنهم يكسرون وإن كانت الهمزة مضمومة، إلا أن هذا عن بني تميم؛ فيقولون: الرديء؛ وزعم أنهم لم يضموا الدال لأنهم كرهوا ضمة قبلها كسرة؛ لأنه ليس في الكلام فعل. وهذه كلها لغات داخلة على اللغة التي قرأ بها الجماعة؛ وفي قراءة عبدالله » الذي يخرج الخبأ من السماوات « و » من « و » في « يتعاقبان؛ تقول العرب: لأستخرجن العلم فيكم يريد منكم؛ قاله الفراء. » ويعلم ما تخفون وما تعلنون « قراءة العامة فيهما بياء الغائب، وهذه القراءة تعطي أن الآية من كلام الهدهد، وأن الله تعالى خصه من المعرفة بتوحيده ووجوب السجود له، وإنكار سجودهم للشمس، وإضافته للشيطان، وتزيينه لهم، ما خص به غيره من الطيور وسائر الحيوان؛ من المعارف اللطيفة التي لا تكاد العقول الراجحة تهتدي لها. وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر وحفص والكسائي: » تخفون « و » تعلنون « بالتاء على الخطاب؛ وهذه القراءة تعطي أن الآية من خطاب الله عز وجل لأمة محمد صلى الله عليه وسلم » ، الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم « قرأ ابن محيصن » العظيم « : رفعا نعتا لله. الباقون بالخفض نعتا للعرش. وخص بالذكر لأنه أعظم المخلوقات وما عداه في ضمنه وقبضته.»



قوله تعالى: « سننظر » من النظر الذي هو التأمل والتصفح. « أصدقت أم كنت من الكاذبين » في مقالتك. و « كنت » بمعنى أنت. وقال: « سننظر أصدقت » ولم يقل سننظر في أمرك؛ لأن الهدهد لما صرح بفخر العلم في قوله: « أحطت بما لم تحط به » صرح له سليمان بقوله: سننظر أصدقت أم كذبت، فكان ذلك كفاء لما قاله. « أصدقت أم كنت من الكاذبين » دليل على أن الإمام يجب عليه أن يقبل عذر رعيته، ويدرأ العقوبة عنهم في ظاهر أحوالهم بباطن أعذارهم؛ لأن سليمان لم يعاقب الهدهد حين اعتذر إليه. وإنما صار صدق الهدهد عذرا لأنه أخبر بما يقتضي الجهاد، وكان سليمان عليه السلام حبب إليه الجهاد. وفي الصحيح: ( ليس أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل ) . وقد قبل عمر عذر النعمان بن عدي ولم يعاقبه. ولكن للإمام أن يمتحن ذلك إذا تعلق به حكم من أحكام الشريعة. كما فعل سليمان؛ فإنه لما قال الهدهد: « إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم » لم يستفزه الطمع، ولا استجره حب الزيادة في الملك إلى أن يعرض له حتى قال: « وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله » فغاظه حينئذ ما سمع، وطلب الانتهاء إلى ما أخبر، وتحصيل علم ما غاب عنه من ذلك، فقال: « سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين » ونحو منه ما رواه الصحيح عن المسور بن مخرمة، حين استشار عمر الناس في إملاص المرأة وهي التي يضرب بطنها فتلقي جنينها؛ فقال المغيرة ابن شعبة: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة. قال فقال عمر: ايتني بمن يشهد معك؛ قال: فشهد له محمد بن مسلمة وفي رواية فقال: لا تبرح حتى تأتي بالمخرج من ذلك؛ فخرجت فوجدت محمد بن سلمة فجئت به فشهد. ونحوه حديث أبي موسى في الاستئذان وغيره.



قوله تعالى: « اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم » قال الزجاج: فيها خمسة أوجه « فألقه » إليهم « بإثبات الياء في اللفظ. وبحذف الياء وإثبات الكسرة دالة عليها » فألقه إليهم « . وبضم الهاء وإثبات الواو على الأصل » فألقه إليهم « . وبحذف الواو وإثبات الضمة » فألقه إليهم « . واللغة الخامسة قرأ بها حمزة بإسكان الهاء » فالقه إليهم « . قال النحاس: وهذا عند النحويين لا يجوز إلا على حيلة بعيدة تكون: يقدر الوقف؛ وسمعت علي بن سليمان يقول: لا تلتفت إلى هذه العلة، ولو جاز أن يصل وهو ينوي الوقف لجاز أن يحذف الإعراب من الأسماء. وقال: » إليهم « على لفظ الجمع ولم يقل إليها؛ لأنه قال: » وجدتها وقومها يسجدون للشمس « فكأنه قال: فألقه إلى الذين هذا دينهم؛ اهتماما منه بأمر الدين، واشتغالا به عن غيره، وبنى الخطاب في الكتاب على لفظ الجمع لذلك. وروي في قصص هذه الآية أن الهدهد وصل فألفى دون هذه الملكة حجب جدران؛ فعمد إلى كوة كانت بلقيس صنعتها لتدخل منها الشمس عند طلوعها لمعنى عبادتها إياها، فدخل منها ورمى الكتاب على بلقيس وهي - فيما يروى - نائمة؛ فلما انتبهت وجدته فراعها، وظنت أنه قد دخل عليها أحد، ثم قامت فوجدت حالها كما عهدت، فنظرت إلى الكوة تهمما بأمر الشمس، فرأت الهدهد فعلمت. وقال وهب وابن زيد: كانت لها كوة مستقبلة مطلع الشمس، فإذا طلعت سجدت، فسدها الهدهد بجناحه، فارتفعت الشمس ولم تعلم، فلما استبطأت الشمس قامت تنظر فرمى الصحيفة إليها، فلما رأت الخاتم ارتعدت وخضعت، لأن ملك سليمان عليه السلام كان في خاتمه؛ فقرأته فجمعت الملأ من قومها فخاطبتهم بما يأتي بعد. وقال مقاتل: حمل الهدهد الكتاب بمنقاره، وطار حتى وقف على رأس المرأة وحولها الجنود والعساكر، فرفرف ساعة والناس ينظرون إليه، فرفعت المرأة رأسها فألقى الكتاب في حجرها.»



في هذه الآية دليل على إرسال الكتب إلى المشركين وتبليغهم الدعوة، ودعائهم إلى الإسلام. وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وإلى كل جبار؛ كما تقدم في « آل عمران » :



قوله تعالى: « ثم تول عنهم » أمره بالتولي حسن أدب ليتنحى حسب ما يتأدب به مع الملوك. بمعنى: وكن قريبا حتى ترى مراجعتهم؛ قال وهب بن منبه. وقال ابن زيد: أمره بالتولي بمعنى الرجوع إليه؛ أي ألقه وارجع. « فانظر ماذا يرجعون » في معنى التقديم على قوله: « ثم تول » واتساق رتبة الكلام أظهر؛ أي ألقه ثم تول، وفي خلال ذلك فانظر أي انتظر. وقيل: فاعلم؛ كقوله: « يوم ينظر المرء ما قدمت يداه » [ النبأ: 40 ] أي اعلم ماذا يرجعون أي يجيبون وماذا يردون من القول. وقيل: « فانظر ماذا يرجعون » يتراجعون بينهم من الكلام.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://sameehezzat.maktoobblog.com/
سميح عزت الهيو
شــاعـر عمـاري
شــاعـر عمـاري
سميح عزت الهيو


ذكر
عدد الرسائل : 2323
العمر : 54
المكان : "عنوانى أرض الله .. فعلا ماليش عنوان "
الحالة : "إسمى بنى آدم .. وقضيتى إنسان "
الهواية : الشعر والأدب
تاريخ التسجيل : 02/10/2008
التـقــييــم : 1

الهدهد البليغ  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الهدهد البليغ    الهدهد البليغ  I_icon_minitimeالسبت 21 مايو 2011, 8:48 am

منقول للإفادة من موسوعة الإسلام والتنمية ( أحمد الكردى )



تعلم فن الادارة من هدهد سليمان عليه السلام .

بقلم د. محمد المحمدي الماضي


لا شك أن القصص القرآني الذي تناثر بين دفتي المصحف الشريف، قد تضمَّن في طياته دروسًا عظيمةً في الإدارة، سواءٌ ما كان منها على لسان إنسان أو منطق حيوان، ويحتاج هذا الجانب منا إلى وقفة، بل وقفات لنستخلص منها دروسًا وعبرًا يمكن أن تكون بمثابة نظريات وقوانين مرشدة وملهمة في مجالات الإدارة المختلفة، خاصةً أن تناولها في القرآن يجعلها بمثابة العمل التطبيقي التجريبي الذي يوفر لها رصيدًا قد لا يتوفر لغيرها من التجربة والواقعية والمصداقية.

ومن بين هذه القصص التي أرجو من الله أن يمكنني من تناولها، ويفتح لي أبوابَ الفهم والرحمة والفقه فيها؛ قصة سيدنا سليمان، عليه وعلى نبينا أفضل الصلوات والتسليم، والتي لها ظلال وانعكاسات متعددة الجوانب في مجالات الإدارة، والتي سوف نبدأ معًا أولى خطواتها مع الهدهد.. فهيا لالتماس الدروس والعبر الإدارية:

الدرس الأول: يقظة قائد

ويتجلى هذا الدرس الأول في أول ما يطالعنا من موقف سليمان عليه السلام حينما يروي القرآن على لسانه ﴿مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنْ الْغَائِبِينَ﴾ (النمل: من الآية 20)، وذلك بعد أن تفقَّد الطير وتفحَّص عمَّن فيه، كما ذكر القرآن ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾ (النمل: من الآية 20)، وهذا يدلُّ على أن القائد لا بد أن يكون يقظًا ومنتبهًا لمن معه، من التفقد والتعرف عليهم وعلى أحوالهم والإحساس بهم والشعور بمن يغيب أو يحضر منهم؛ خاصةً أولئك الذين يلونه مباشرةً.

الدرس الثاني: العقاب المتدرِّج على قدر الخطأ

لا شك أن قضية الثواب والعقاب لها في الإدارة مجال ودور كبير، ويمارسها المديرون بمذاهب شتَّى؛ فمنهم من يرفع سيف العقاب والردع والتخويف على طول الخط، ومنهم من يغمده على طول الخط، وحار الناس بين هذا وذاك، ولكننا نرى في هذه القصة كيف أن سليمان عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم قد أخذ بمبدأ العقاب ابتداءً؛ باعتباره حافزًا سلبيًّا، ولكننا نراه قد تضمَّن أعلى درجات الموضوعية والعدل والحكمة، ويبدو ذلك في الآتي:

1- أنه لم يترك الأمر فوضى، ليفعل كل فرد ما يحلو له دون حساب أو مساءلة وعقاب.

2- أنه لم يبدأ في إعلان العقاب المنتظر إلا بعد أن تأكد فعلاً من غياب الهدهد، وأنه ليس مجرد اختفاء مؤقت عن مستوى رؤيته؛ حيث سأل عن ذلك بوضوح: ﴿مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنْ الْغَائِبِينَ﴾ فلما تبين له أنه فعلاً غائب أعلن عن العقاب المنتظر له في مثل هذه الأحوال.

3- تراوح العقاب المعلن والمنتظر بين درجات ثلاث: أشدُّها وأقصاها ذبحه، وأقلها تعذيبه عذابًا شديدًا، ولا ينجيه من أحدهما إلا أن يكون لديه حجة بينة واضحة ويقينية وغير ملفَّقة أو مدبَّرة.

4- ويحمل ذلك في طياته ضرورة ألا يطغى الانفعال على العقل ولا الغضب على العدل، فكثيرًا ما نجد أحدنا حينما يتعرض لمثل هذا الموقف يتوعَّد بالويل والثبور وعظائم الأمور فقط، دون مراعاة لما قد تكون عليه ظروف الطرف الآخر، وما قد يكون من أعذار.

5- كما يشير ذلك التدرج إلى ضرورة أن يكون العقاب على قدر الخطأ؛ فإن كان هناك تمرُّد مثلاً فليكن الذبح، وإن كان مجرد غياب وناتج من تكاسل غير مقصود أو سبب غير مقبول فليكن التعذيب الشديد، ولا شك أن ذلك سوف يختلف باختلاف درجة التعمُّد والقصد ومدى تكرار الفعل الموجب للعقاب.

6- أن ما سبق يحتاج ولا بد إلى نوع من التحقيق والمحاكمة، وإعلان الادعاء، وسماع الدفاع، وإعطاء الفرصة كاملة لكليهما وبشكل عادل ومحايد؛ للوصول إلى البينة التي توضح حقائق الأمور، وإلا فكيف يمكن التوصل إلى قرار باختيار العقاب المناسب أو قبول العذر؟! سواءٌ كانت هذه المحاكمة بواسطة القائد نفسه، أو قد تسند إلى فرد آخر مختص، أو لجنة مختصة (لجنة تأديب).

8- أن ذلك يؤكد نقطة أخرى مهمة، وهي ضرورة وجود ما يسمى بلائحة الجزاءات، تمامًا كما يجب أن يكون هناك نظام كامل وواضح للحوافز، وأن هذه اللائحة يجب أن تكون واضحةً ومعلنةً ومفهومةً لدى كل من يعمل في المنظمة.

9- الفصل التام بين الشخص والخطأ، والتزام الموضوعية التامة في ذلك، والتعامل معه على أنه بريء إلى أن تثبت إدانته، وإعطاؤه فرصة تامة لإبداء حججه والدفاع عن نفسه وتوضيح موقفه.. وهذا ما يظهر من موقف الهدهد حين قال لسليمان عليه السلام بعد أن اقترب منه: ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ (النمل: من الآية 22)، ولا يمكن أن يجرؤ على مثل هذا القول، ولا يقف مثل هذا الموقف شديد القرب من القائد ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ (النمل: من الآية 22)، إلا إذا كان لا يزال يعامَل معاملة البريء، وينظر إليه من منطلق الفصل بين الشخص والمشكلة التي يمكن أن تنشأ عنه.

ولعل هذه النقطة من أشد نقاط الإدارة والتربية عمومًا حساسيةً وتعرضًا للانتهاك؛ حيث إننا نرى أن الغالب هو أن يخلط الناس بين الأمرين، فإذا أخطأ أحد أخذنا منه موقفًا، وأعلنا أنه كذا.. وكذا.. "إنك مقصر ومخطئ"، والمفروض أن نقول بدلاً من ذلك إن الفعل الذي أتيت به كذا... وكذا.... (هذا الفعل خطأ ولا ينبغي...)، ولعل ما يؤكد أهمية الالتزام بذلك؛ التوجيه الرباني الذي ورد في القرآن لإرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216)﴾ (الشعراء).. ولم يقل إني بريء منكم، وهذا مبدأ من المبادئ العظيمة في الإدارة والتربية والتعامل مع الناس عمومًا، وهو مبدأ الفصل بين الشخص والمشكلة أو الخطأ.

الدرس الثالث: فن صياغة التقارير والإلقاء والعرض

لقد أكد الهدهد أن ما لديه من مبررات يقينية ومؤكدة ولا تحتمل التأليف أو الظن أو التخمين أو الافتراض، ولكنها تقوم على الحقائق المجردة، ولا شك أن لنا وقفة جاء أوانها الآن لنتعلم من الهدهد أحد فنون الإدارة والاتصالات، فيما أصبح يُعرف الآن بفن "صياغة التقارير"، والإلقاء والعرض؛ عسانا أن نجد فيها من الدروس ما ينفعنا.

وبداية فإن التقرير- سواء كان شفهيًّا أو مكتوبًا- ما هو إلا وعاء يحتوي معلومات يقدم إلى مستوى إداري أعلى للمساعدة على اتخاذ قراراته على بينة ورشد.

والتقرير الجيد له مواصفات عديدة؛ أهمها أجزاؤه المتماسكة والمتكاملة والموجزة والكافية، كلماته الواضحة، والمعبرة، والبعد عن الغموض، أو التخمين، أو الإيجاز المخلّ، أو التطويل المملّ... إلخ.

وأهم أجزاء التقرير: مقدمة مشوقة، وصلب الموضوع، ثم خاتمة وتوصيات في النهاية.. فماذا عن تقرير الهدهد، وأين هو من كل هذه المواصفات؟!! تعالوا ننظر ونتأمل معًا.

1- المقدمة:

لقد تضمن تقرير الهدهد كافة عناصر التقرير الجيد، وأولها وجود مقدمة مشوقة ومعبرة عن الموضوع الذي سوف يتناوله، وذلك حينما قال: ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ (النمل: من الآية 22)، فالتشويق الكامل يأتي من قوله ﴿أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ فهي تثير في المستمع كل قوى الاستعداد والتحدي لسماع ما سوف يأتي بعد ذلك؛ ما هذا الشيء الذي يعرفه الهدهد وأحاط به ولا يعرفه سليمان؟!!! رغم إمكاناته والقوى المسخرة لخدمته؟؟

ليس التشويق فحسب؛ بل إن هذه المقدمة رغم إيجازها الشديد قد تضمنت أيضًا صفةً أخرى مهمةً من أهم صفات المقدمة الجيدة، وهي إعطاء المستمع أو القارئ فكرةً عن طبيعة الموضوع، وذلك حينما قال: ﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ فالموضوع يتعلق بسبأ، وما هي سبأ؟ وعليه أن ينتظر بلهفة وشوق للاستماع والتعرف، ثم إنه قد أبان عن منهجه في هذا التقرير وهل هو قائم على مجرد التكهن، والتخمين، والسماع أم قائم على التبيُّن واليقين والتحقق العلمي الموثق؟ وذلك حينما قال: ﴿بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾.. فما الذي يمكن أن ينقص هذه المقدمة بعد ذلك رغم هذا الإيجاز الشديد؟!

2- صلب الموضوع:

ثم أخذ الهدهد في سرد عناصر التقرير التي تمثل صلب الموضوع الأساس، وهو هنا يحاول إعطاء صورة كاملة، وشاملة، وصافية، وغير منقوصة، كما رأى فيما يتعلق بقوم سبأ هؤلاء، ويمكن لنا أن نتبين أن هذا الطلب قد تضمن عناصر عدة؛ أهمها:

أ- نظام الحكم.

ب- القدرة الاقتصادية.

ت- النظام الاجتماعي ووضع المرأة فيه.

ث- النظام الحضاري والصناعي ومدى تقدمه.

ج- العقيدة الدينية ومدى رسوخها في نفوسهم.

﴿إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ﴾ (النمل: من الآية 23) نظام الحكم، ووضع المرأة الاجتماعي.

﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ (النمل: من الآية 23) القدرة الاقتصادية.

﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ (النمل: من الآية 23) الوضع الحضاري والصناعي والمهاري.

﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ (النمل: من الآية 24) الوضع الديني والعقدي.. عبادة الشمس.

﴿وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ (النمل: من الآية 24)... مدى رسوخ ذلك في نفوسهم.

﴿فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ﴾ (النمل: من الآية 24).. صعوبة تغييرهم وتحويلهم عن هذا الوضع إلا بخطة محكمة ومدروسة تستغرق وقتًا وجهدًا.

3- التوصيات:

لم يقف الهدهد عند مجرد النقل والسرد؛ بل إننا نلاحظ تدخل رؤيته وتقييمه للأمور وحكمته، والتي وصلت مداها بتوصية لسليمان يوجهه فيها لطبيعة القرار الذي يجب اتخاذه في مثل هذا الموقف وهذا يوضح أعلى الدرجات الإيجابية والمسئولية والمشاركة من مقدم التقرير إلى قائده، وذلك حينما يختم تقريره بقوله: ﴿أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)﴾ (النمل).

وهنا يتوقف سليمان ونتوقف نحن أمام هذا المستوى الراقي من جندي مبادر لا يكتفي بمجرد تأديته الأوامر، ولكن ومن منطلق فهمه وإيمانه برسالة المنظمة التي يعمل تحت لوائها، ينطلق ويؤدي ويبدع ويتفانى في إتقان دوره بما ينعكس بأعلى درجات الكفاءة والفعالية على تحقيق وإنجاز هذه الرسالة.

الدرس الرابع: لا تبنِ قراراتك إلا على حقائق

واستكمالاً للدروس.. فماذا كنت ستفعل لو كنت مكان سيدنا سليمان عليه السلام؟ ولماذا تجهد نفسك؟ فالإجابة موجودة وموثقة في القرآن العظيم ﴿قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (27)﴾ (النمل)، وهذا درس عظيم آخر في الإدارة لا يمكن للقائد أن يبني قرارًا- خاصة إذا كان من هذا النوع الإستراتيجي- إلا عن بينة وحقائق لا تحتمل أي لبس أو تخمين، فكثيرًا ما نرى الخلط بين أمور ثلاثة لدى الكثير من المديرين، بل من الناس عمومًا وهذه الثلاثة هي: الحقائق.. والافتراضات.. والأحكام أو القرارات.

فإن ما قاله الهدهد لا يزال بالنسبة إلى سليمان مجرد افتراض قد يحتمل الصواب أو الخطأ، ومن ثم لا يجب أن يبني عليه حكمًا أو قرارًا إلا بعد تحويله إلى حقيقة، وهذا يحتاج إلى تبين وتأكد ودراسة واختبار لصحة الافتراض من عدمه.

ويجب البعد في ذلك عن العواطف والانفعالات والنواحي الشخصية، وهذا بالضبط ما فعله سليمان عليه السلام مع الهدهد؛ حيث قال: ﴿سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ﴾ أي سوف نتأكد أو نتبين مدى صحة ما تدعيه، وحينئذٍ يتم اتخاذ القرار المناسب، ليس فقط بشأن الهدهد وعقابه أو ثوابه، وإنما بشأن القرار الأهم وهو المتعلق بقوم سبأ هؤلاء وما يجب اتخاذه حيالهم، وهو قرارٌ إستراتيجيٌّ مهمٌّ يتطلب وضع خطة على أعلى مستوى لتحويلهم.

الدرس الخامس: اصطياد عصفورين بحجر واحد

لم يكد سيدنا سليمان عليه السلام يسمع من الهدهد حججه التي لم يسقها فقط كي ينقذ نفسه من عقاب سليمان عليه السلام الذي توعَّده به، وإنما ليوصل له معنى معينًا أراد توصيله له، وهذا المعنى هو أن هناك قومًا ليسوا على رسالته ولا يؤمنون بما يؤمن به، وعليه أن يأخذ بأيديهم ليصبحوا على نفس رسالته.

لم يكد سليمان عليه السلام يسمع ذلك حتى بدأ في العمل دون إضاعة للوقت؛ حيث انصبَّ تفكيره على أمرين:

الأول: التأكد مما ساقه الهدهد من معلومات، وهل هي فعلاً بمثابة حقائق غير قابلة للجدل أو النقاش أو الاختلاف!

الثاني: البدء فورًا في رسم خطة عمل على أساس علمي ومدروس؛ ليسوق لهؤلاء القوم فكرته وليبيع لهم بضاعته وليأخذ بأيديهم في نهاية المطاف إلى الدخول معه في دين الله الذي يؤمن به ويعمل له ويعيش من أجله.

والعجيب أن القائد الفذ سليمان عليه السلام اهتدى لوسيلة تخدم في الغرضين معًا، وهي أن يرسل الهدهد نفسه برسالة يحملها إلى ملكتهم ويرقب من بعيد ماذا يفعلون ويرجعون.. ﴿قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28)﴾ (النمل).

فكأنه عليه السلام إنما أراد أن يتيقن من صدق الهدهد أو كذبه، من خلال هذا الكتاب "الرسالة" وفي نفس الوقت يتعرف على ردود أفعالهم تجاهها وطريقة تفكيرهم وأسلوبهم، ويمهد في نفس الوقت لعملية التغيير التي بدأ التخطيط لها، وذلك بإحداثه نوعًا من لفت الانتباه الشديد لهم إلى شيء آخر يجهلونه أقوى منهم، وأقدر عليهم، فهو يصل إلى ما لا يمكن أن يصل إليه أحد بسهولة، وهو مخدع الملكة نفسها.

ويخلق لديهم اضطرابًا وخلخلةً تعتبر بمثابة تمهيد مهمّ للغاية في إذابة الجمود الشديد الذي سيطر عليهم فيما يتعلق بأمر عقيدتهم الفاسدة المسيطرة عليهم كما سبق وأوضح الهدهد في تقريره.

الدرس السادس: رسالة نموذج

وبالفعل حمل الهدهد الرسالة، وأدى مهمته على خير وجه وبإتقان شديد، دون أن يلحظه أحد، أو يعترض طريقه، فما تلك الرسالة إذن، وما هو محتواها؟ وما هو تأثيرها؟ قال تعالى على لسان بلقيس ملكتهم: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)﴾ (النمل).

وكما توقفنا سابقًا أمام أعظم تقرير صاغه الهدهد، فإننا أحرى بنا أن نقف الآن أمام أعظم نموذج لرسالة صاغها سليمان عليه السلام كما أوردها القرآن الكريم على لسانه، فالرسائل لها أصول في كتابتها وأجزاء يجب أن تراعيها، وترتيب لهذه الأجزاء، وهدف يمثل صلب الموضوع يجب أن توصله، وكل ذلك يجب أن يتحقق مع غاية الإيجاز الذي لا يخلُّ بالمعنى المراد.. ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ﴾.. هكذا كان افتتاح الرسالة أو أعلاها، وهو هنا يحدِّد أمرًا استقر عليه المختصون في أمر الكتابة الإدارية فيما يتعلق بالمراسلات والمكاتبات، وهو ضرورة أن يكون هناك جزءٌ أعلى يحدد فيه:

- ممن الرسالة.

- ولمن.

- والموضوع.

ثم يذكر المطلوب الأساس بعد ذلك، وهو ما تضمنته هذا الإيجاز.

- فالرسالة من سليمان، بصرف النظر عن مدى علمهم من هو سليمان هذا أو عدم علمهم، وما هي يا تُرى قوَّته؟ وماذا يكون عليه ملكه؟

- أما لمن؟ فإنه ليس بالضرورة يجب كتابته؛ حيث ثم إلقاء الكتاب في يد من يراد له قراءته مباشرةً تقريبًا، ومن ثم ليس في الأمر غموض أو لبْس لمن توجه إليه، إنما التركيز هو ممن أتت.

- طبيعة الموضوع بإيجاز: ﴿وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ هذا ما يمثِّل تقدمة عن طبيعة الموضوع الذي تحمله الرسالة، ولعل هذه الجملة- رغم إيجازها- تحقق الكثير من الأغراض، وهي:

- أولاً: توضح طبيعة الموضوع الذي تتناوله الرسالة.

- ثانيًا: تمثل خطوةً أولى في خلخلة الوضع النفسي لهم.

- ثالثًا: تمثل وضعًا مثيرًا أو يدعو إلى التفكير والبحث والدراسة عمَّن هو هذا الذي يتحدث سليمان باسمه؟ والذي قال عنه: "الله، الرحمن، الرحيم"، فمن هو؟ وما قوته؟ وأين هو مما نعبد نحن؟ وأيهما حق؟ وأيهما باطل؟ وأيهما أقوى؟.. إلخ من ذلك الأسئلة.

صلب الموضوع:

﴿أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)﴾ (النمل).. هذا هو نهاية الرسالة وكل ما يتعلق بها تم إيجازه بهذا الشكل المركز جدًّا دون إحالة أو إضاعة للوقت في القيل والقال، والمقدمات.

الأول: النهي

﴿أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ﴾ أي عليهم أن يلزموا حدودهم ولا يتعدوا قدرهم، ويعودوا إلى صوابهم ويلزموا عقلهم ورشدهم، ويُنزلوا الآخرين "سليمان عليه السلام" قدره، ويعطونه مكانته التي تعلوهم، ويعرفوا قوته التي لا طاقة لهم بها والتي يستمدها أصلاً من قوة الله الرحمن الرحيم.

الثاني: الأمر

﴿وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ فبناءً على ما سبق ليس لكم إلا أن تأتوا إليَّ مذعنين، مسلمين، دون قيد أو شرط، أو تأخير، وكما هو واضح فإن الرسالة- رغم شدة إيجازها- تضمنت من الحزم والحسم في كلماتها القليلة ما يجعلها تحقق الهدف الذي صيغت من أجله، وهو ذلك المتعلق بالتأثير في نفسية الملكة ومن معها.

وهذا ظهر بشكل واضح وجلي في الحوار الذي دار بعد ذلك بين الملكة وقومها كما أوضحه القرآن في سياق القصة كما جاء في سورة النمل، ولكننا نقف عند هذا الحد الذي عمق تلك الرسالة النموذج؛ ليس فقط في صياغتها من حيث الشكل، وإنما أيضًا في مضمونها وأهدافها ومعانيها؛ حيث حقق سليمان عليه السلام بذلك ما كان يرمي إليه كقائد فذٍّ صاحب رؤية ورسالة، وذي يقظة وعدالة، فظهر له صدق الهدهد ودقة ما ساقه من بيانات، وأنها تمثل حقائق لا أوهامًا أو تخمينات.

كما أنه وفي نفس الوقت قد تمكن من تنفيذ أول خطوة من خطوات إدارة تغيير هؤلاء القوم لتحويلهم مما هم عليه من الضلال إلى الهدى، وليضع توصية الهدهد التي ذكرها في نهاية تقريره موضع التطبيق، حينما قال له ﴿أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)﴾ (النمل).

ولن ندرك معنى هذه الخطوة ولا مدى تأثيرها في إدارة عملية التغيير عمومًا والتي قام بها سليمان عليه السلام خصوصًا؛ إلا إذا وقفنا وقفةً أو وقفاتٍ خاصةً أمام موضوع التغيير والنماذج أو السنن التي تحكمه، وهو ما سوف نحاول التعرض له بإذن الله تعالى في مقالات تالية.

لكن ما نريد أن نختم به تلك الدروس العظيمة عن الهدهد في هذه المقالة هو أن ما سبق أن قدمه الهدهد من معلومات تمثل حقائق يقينية في تقريره وما أوصى به من توصيات لقائده وما قام وساهم به من عمل وجهد في ضوء توظيف سليمان عليه السلام لطاقاته؛ قد ترتب عليه صياغة خطة دقيقة ومحكمة لإدارة عملية تغيير مخططة ومتعمَّدة؛ انتهت إلى النجاح الكامل في تحويل هؤلاء القوم بقيادة ملكتهم من عبادة الشمس إلى عبادة الله الواحد القهار، وأسلموا مع سليمان لله رب العالمين، دون استخدام أي نوع من أنواع القهر والإجبار أو القتال، فأي درجة من التناغم والتفاهم يمكن أن تحدث بين قائد وجنوده لتحقيق رسالتهم وأهدافهم بكفاءة وفعالية أعلى من ذلك؟!



( تم نشر هذا المقال بقسم التمنية البشرية أيضاً .)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://sameehezzat.maktoobblog.com/
 
الهدهد البليغ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شبـــاب العمـــــار :: منتدي الأدب :: اللغة العربية والدراسات الأدبية-
انتقل الى: