ما المراد بتقديم النقل علي العقل؟
--المقصود بالنقل هو القرآن والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة ٬وعلماء الإسلام يُعملون العقول في فهم النصوص وفي دراستها وفي الاستنباط منها٬لا أن تكون العقول هي مصدر الاستدلال الأول ٬ ولا أن تكون هي المتحكم في النصوص الصحيحة الصريحة ٬ فكما أن القرآن والسنة والإجماع هي المصادر الأصلية في التلقي ٬ فإن العقل السليم والفطرة السليمة هي المصادر الفرعية ٬ وقد أمرنا الله بإعمال العقول في فهم الدين ٬ وفي تدبر القرآن وفي التفكر في آيات الله ... الخ ٬ ولكنه وَضَعَ للعقل حدودا ليس لللعقل أن يتخطاها ولا أن يتعداها ٬ وهي أن يكون تابعا للشرع ٬ ممتثلا للأمر ٬ مجتنبا للنهي ٬ عَلِمَ هذا العقلُ الحكمة َ من الأمر أو النهي أو لم يعلمها ; فإنه ممتثل . ٬ لا يعترض علي النص ولا يرده لهواه ولا يتوقف حتي يعلم الحكمة ٬ فإن أحكم الحاكمين هو الذي أمر أو نهي ٬ وأحكم الخلق أجمعين هو الذي بلغ .
-- أما ما أثاره المتكلمون من أن النصوص تخالف العقول ٬ فقدموا العقل علي النقل لأن العقل عندهم أثبت من النقل الصحيح ; ; فعند التحقيق نقول : الأصل الثابت أنه لا يمكن أن يحدث في الحقيقة تعارض بين النقل الصحيح الصريح وبين العقل السليم...فإذا ورد ما يوهم هذا التعارض فهو أحد هذه الأمور:
أ) أن يكون النقل صحيحا صريحا ٬ فما يزعمه البعض من أن الدليل العقلي يعارضه ; فهذا راجع لفساد هذا العقل ٬ أو لتدخله فيما لا مجال له فيه من الأمور الغيبية ٬ التي الواجب فيها التسليم والانقياد .
ب) أن يكون النقل غير صحيح ٬ فهو لا يصلح للمعارضة ولا يُحتج به .
ج) أن يكون النقل صحيحا غير صريح ٬ وهذا في ظواهر الأمور الفرعية ٬ التي يسوغ الاختلاف فيها بين أهل العلم ٬ والتي عند النظر فيها يزول الإشكال .
-- فالشرع قد يأتي بأمور تحتار العقول البشرية في إدراكه والإحاطة به٬ ولا يأتي بمحال أبدا.
مثال : وجود الملائكة وصفاتها ووظائفها وأعمالاه ... الخ ٬ فهذا تحتار العقول في الإحاطة به ومعرفة حقيقته ٬ وهو معقول ومفهوم .
مثال آخر : وجود ذرات الهواء والميكروبات التي لا تـُري إلا بالميكروسكوبات الدقيقة ٬ فهي موجودة و معقولة ٬ والإحاطة بها من غير الأجهزة الدقيقة صعب ومتعسر جدا.