أسعد أيام حياتى
دقت الثانية العشر بعد منتصف الليل ,وأنا أبحث فى الفضائيات عن شئ يشغل وقتى حتى النوم,تبدو الظلمة متكاثفة فى ركنات المنزل,تتخللها إشعاعات التليفزيون الملونة تبحث عن مكان ترقد فيه,ومالبثت على هذا الحال دقائق حتى دق الباب,يطيح بالأصوات الناعسة فى أذنى,إنتفضت فى لحظات,ينتشل القلق ملامحى,وينتشر فى أوصالى.
توجهت مسرعة إلى مفتاح النور وكدت أضغط عليه حتى ملأتنى الحيرة,وترددت قبل إتخاذ القرار,وفضلت أن لاينفلت منى صوتا وأختبا منهم ,ولكن من هم؟,وسرعات ما أتخذت القرار وأنرت المكان الذى نادرا أن يضئ فى هذه الساعة المتأخرة ,وتوجهت نجو الباب والقلق يلازمنى,وألزمنى على الكلام قائلة :
"من الطارق؟"
فسمعت صوتاَ شاحبا يقول : "أنا ,,,أنا قاسم"
وفور ما سمعت صوته ما إحتجت أن أغطى نفسى بهذا الشال الطويل فوضعته بيدى ,وبالأخرى فتحت الباب الذى بدا سهل فتحه هذه المرة,حيث كان يستند عليه وفور فتحه رأيته فى حضنى مرتميا باكياً,تمالكت نفسى بصعوبة حتى تملكت منه,فى هذا الوقت لاأعلم كيف سيطر عقلى- الذى جمع وقتها من الأحاسيس ألوان-على أفعالى ,فكيف أغلقت الباب ؟,وكيف نقلت هذه الجثة المتراقصة أطرافها حتى موضع الجلوس,وضعته راقدا ,ووضعت نفسى أمام صدره,وأخذت أحدق فيه,والكلام مسجون فى حلقى ,بينما يأخذ حريته هو فى البكاء وتتحرر يدى أنا فى تجفيف الدموع,فإذا به يحرك إحساس الدهشة الساكن بى قائلا:
"لقد طلقتها اليوم"!
سرعان ماأخذت شهقة لحظية تمر على نار صدرى لاأعلم تخمدها أم تشعلها أكثر؟ ,ولا أعلم أيضا إذا كان الخبر يفتت ذلك الإحساس فعلا أم يزيدنى دهشة؟ فرد الفعل الظاهرى ماتغير,وأستمرت يدى بتجفيف دموعه التى إختفت من فترة.
دقت الثانية عشر والنصف ,فإنتفضت فور سماع جرس ساعة الحائط,وسحبت يدى من على خديه فلحق بها ,ونظر إلى وبدا باليد الأخرى يلوح امام عينى,كأنه يختبر إستطاعتى للرؤية ,لايعم أننى فى هذه اللحظة أرى فقط قائلا:
"مابك,,,,؟"
ولكن الكلام مازال أسير ,فلو تكلمت ماإستطعت التحكم فى السكوت كالنهر الفائض,أخذ يكشف وجهى ويضع الخصال المتناثرة عليه خلف أذنى,يملس بيده على ذراعى اعلى وأسفل ,ورأيته يضع يده خلف ظهرى ,يضمنى نحوه حتى أصبحت أسيرة الكلام والحركة,أنهج كالصاعد عشرات الأدوار,حتى وجدت نفسى أنساب من بين ذراعيه كالندى المتسرسب من فوق الزهور تحتضنه الأرض,فإحتوانى كاملة , وجدت نفسى أقاسمه الأريكة طولاً,يده تحتى والأخرى فوقى,أنظر بعينى- التى ظلت الكائن الوحيد الحى فى جسدى- إلى المصباح الذى يغمرنا دفئا نتقاسمه,بدوت بين يديه كاليابس تحيطنى مياه الأرض الزرقاء ,تنهال علي بأمواجها ذهابا وإيابا ,لاأعلم الى هذه اللحظة من كان عليه أن يواسى الأخر,وأخر مالديه من قول بعد ما فك قيدى ,أو ربما هذا الذى أدركته من همهماته المتواصلة أنه همس لى فى أذنى خافتا صوته حتى لايفيقنى من غيبوبتى المؤقتة قائلا:
"سعيدة ؟"
فقلت:"إنها أسعد أيام حياتى.!" ,وكان الشال غطائنا نحن الأثنين حتى الصباح.
تراقصت أشعة الشمس فوقى تحاول إيقاظى وهذه أقسى أنواع المنبهات ,فهى الوحيدة التى لاتستطيع إيقافها ,فأفقت على صوت التليفزيون الذى لم نتذكره ليلة أمس ,ونظرت إلى المصباح الذى تيقنت أنه مازال والعاً,ولكنه الأن مطفئ ,ونظرت خلفى لم أرى قاسم!.
سرعان مابحثت عن هاتفى المحمول,حتى أتصل به, فوجدته ,وعندما فتحته ,ظهر رسالة فيها :
"صديقتى المخلصة ,,أنا الأن أقضى شهر العسل مع زوجتى, حقا إنها أسعد أيام حياتى,سنراكى قريبا ,صديقك المخلص قاسم"
نظرت إلى الأريكة التى لاتتسع إلا لشخص واحد,وتبسمت وقلت"حقا قاسم".
تمت بتاريخ 2010/3/16