مستجيراً .. متلهفاً انسلاخ الصباح من الليل الطويل.. يتماوج مداً وجذرا ً، ينازعه الرجاء واليأس بين العلاج بكرامة فى تأمينه الصحى .. أو استجداء العلاج من مستشفى خيرى منتظرا التبرعات ، يبتلع معه الألم النفسى ليتخلص جسده من الألم متنازلا عن حقه الطبيعى المدعوم من خصومات رواتب الموظفين .. أيعجز إن ينال ما يستحق إلا بمقابل أو واسطة متضافرة مع الفهلوة المتمرسة ؟! .. بعدما كان يتفنن فى قنص ما لا يحق له من منتفعيه بعلاقاته وعطاياه الرمزية والمادية ، وأحيانا بالصوت العالى ناقما على أداء الموظفين والممرضات والأطباء المتقاضين لرواتبهم من المجازر على راتبه الشهرى لصالح التأمين والتأمينات .. فيستجيب له من يخشى دائرة الضوء فى أدارته وعمله .
كطائر مذبوح يرقص وجعا على حبال الأمل فى الشفاء من آلام كسور حادث السيارة الفخمة ذات الزجاج الملون ، التى تغافل عسكرى عن التقاط رقمها بعد بريق الأوراق الخضراء فى يديه .. منشغلا بإنسانية مفتعلة عن حالته واستدعاء الإسعاف لأقرب مستشفى تأمين صحى .. ببرود وآلية أزالوا الدماء وكسوا الجروح بضمادات وتجرع مسكنا بأوردته فى الاستقبال ، وصرفوه - رغم حاجته لبعض العمليات الجراحية - لنقص الأماكن فى الجناح الباقى فى المستشفى لحين الانتهاء من المبنى الجديد بتوافر السيولة التى لاتكفى الديون الضخمة لشركات الأدوية التى توقف بعضها عن التوريد .. تتورم أحزانه ومخالب الألم تتوغل فى جسده ، وتتصاعد نبضاته غضبا والجميع ينفض من حوله بعدما ازداد شبقا للمال .. مسعّراً كل خطواته بمقابل مادى لا يعفى منه احد .. تتمزق أقنعة القوة والغرور الزائف وتتعرى حقيقته .. ويتجلى ضعف جبروت الإنسان المصطنع إمام لحظة ألم حتى ولو كانت صغيرة .
انطلق من مطار آلمه البارح .. متطلعا لصغائره التى تعبر بتكاثرها وتوابعها إلى كوارث ، نشارك بها فساد الحكومة الكبير .. كحادثة إتلافه جلدة حنفية الحمام العام لعيادة التأمين دون الإبلاغ عنها ، وتغاضى المعاون عن ملاحظتها وإصلاحها بقروش زهيدة .. لتنزف وتهدر الماء العام .. فيمتلئ شارع تقاطع المستشفيات العمومية بمياه المجارى التى تكدست مواسيرها المتهالكة بمياه تروى أطنان من الاراضى الزراعية .. يتضاءل غضبه النفسى بسرد مواهبه فى اقتناص أدوية مستوردة والأورام خفية على تذاكره وتذاكر زملائه .. يهديها للصيدليات الخارجية بثمن بخس أو يستبدلها بأدوات تجميل .. أو يقتنص لمنتفع إجازة غير مستحقة بمقابل مادى ، يهدى الطبيب بعضه .. وتتبخر الأموال السهلة مع هشاشة مجهودها ، دون إن يعد العدة لهذا الموقف .. ساخرا من ادعاءاتهم بان الأدوية المنهوبة سبب توقف الشركات عن التوريد دون النظر لفساد الهيئة والحكومة .
يبحث فى ظلمة قسوته عن قنديل أمل .. باحثا عن الشفاء السريع بكرامة .. يسأل القمر المتشح بخمار الوجع بدلا من مناجاته غزلاً .. ثلاثون عاما يتناثر على جليد الماديات .. يبحث عن جنيهات يقتنصها ، عن وطن ينخر فى خرابه .. ثلاثون عاما كم غيب الموت من قريب أو جار دون رادع لسعيه الحثيث فى كل الدروب نحو المال حرامه قبل حلاله .. لا يجد الآن سبيلا إلا زرع الأمل فى روضة الدعاء وسقيه ابتهالات ورجاء .. لعل سحابة عفو تتساقط سلاما .. تغسل ذنوبه الغزيرة .. دون إن يدرى السبل لإعادة الحقوق المنهوبة لأصاحبها فى أول خطوات التوبة .. ويعيد كرامته المراقة فى طرق المال .
يشاهد محاكمة قيادات البلد حصرى فى التليفزيون المصرى ، بعد إن تربعوا فوق عروش الخلود المصنعة من قش الرياء ، وأدمنوا هيروين الجبروت الذى استنشقوه من أبواق الأعلام .. يشعر إن مكانه الحقيقى بينهم فى القفص .. متهمين بقتل الثوار على المستقبل المنهوب ذو الألوان المموهة .. بعد خلع الصدور لدروع الخنوع ، وانتحار الخوف وتأهبوا لمواجهة الموت .. انتفضوا .. ثاروا يحدوهم الأمانى لمستقبل جميل ، بعد مشوار طويل مغيبين فى دهاليز الحقيقة الملونة بالترهيب .. جعلت الأمل قريبا ليحصل الكل على حقوقه ببساطة أو بصعوبة ، لكن بكرامة .. انه ساهم بقدر فى قتل مرضى تأمين بحرمانهم من أدوية أورام وزيادة مديونية التأمين ليعجز عن أكمال مبنى المستشفى الجديد ، ويعجز الكثير عن نيل علاجه الصحيح .. مشاعره ملوثة بريح الماضى المحملة بخطايا وسلب حقوق أبرياء بضمير يرقص عاريا فوق جثث المرضى .
وبمحاولة يتمناها الأخيرة ، بكشف منزلى لطبيب جراحة التأمين واستخدام المعارف الشخصية وشركاء الفساد القدامى .. انتصر فى معركة نيل حقه فى العلاج بكرامة واحترام من خلال حصة أسّرة الحوادث بالمستشفى .