باب السطح

موضوع: باب السطح الأحد 09 أكتوبر 2011, 9:49 am

"باب السطح"
قصة قصيرة
بقلم: عبد الغني عبده
***
لست متذكراً إن كنت قد أدخلت المفتاح في الكالون؛ ما أتذكره أنني دخلت .... سلسلة المفاتيح كانت في يدي؛ أنا متأكد من ذلك...
مَنْ هذه السيدة؟ التي يأتيني صوتها؛ من مكان ما في هذا المنزل الغريب؛ قائلة: "حمد الله ع السلامة"... صوت خشن قليلاً وغير مألوف لدي؛ ليس هذا صوت زوجتي. لماذا أنا هنا؟!
فتاة؛ في سن المراهقة؛ تدخل عليَّ؛ غرفة الصالون؛ التي وجدت نفسي فيها؛ تزين ابتسامة صافية وجهها الصغير الأسمر... تضع قبلة حانية على جبيني، وتمسح عرقي بمنديل ورقي، وتجلس القرفصاء... تتناول رجليَّ واحدة بعد الأخرى وتنزع عنهما الحذاء...
لابد أنه كان يوماً مرهقاً كالعادة؟ يبدو التعب على ملامحك؛ قالت وهي تربت على كتفي وتنصرف - ملبية نداء السيدة نفسها الذي سمعتها عندما دخلت – حاضر يا ماما؛ وابتلعها مكان ما في الداخل لا أستطيع تحديده...
إلى هذه الدرجة من الانشغال كنت؟! حتى تمر هذه المفارقات على ذهني عابرة دون استغراب!!...
هذا ليس منزلي... لا صورة لي على الجدار أو فوق التلفاز الضخم الذي اتسع سطحه لأكثر من برواز ... وليس هذا ذوقي؛ ولا زوجتي؛ في ألوان الحوائط المبهرجة جداً ولا الستائر والمفروشات...
لماذا أنا هنا؟ سؤال باهت يعبر ويتوارى بسلاسة غريبة.... حالة من الاستسلام لم أعهدها في نفسي!!...
حتى عندما دخلت سيدة ثلاثينية فارعة القوام؛ - لم أرها من قبل - تلبس ملابسها المنزلية؛ حاملة كوب عصير الليمون مرددة مرة أخرى – بصوتها الخشن – حمد الله ع السلامة .... معلهش تعبت أنت قوي النهارده... أشرب كوباية العصير دي تهدي أعصابك... الأكل ع النار ربع ساعة بالكتير ويكون جاهز... لم أشعر ساعتها بغرابة كبيرة ... كنت في شبة غيبوبة ... صوتها يأتيني كأنها تتحدث مع واحد آخر...
عندما قالت: أنا مجهزة لك البيجامة ع السرير، استحضرت كل تركيزي؛ وسألتها: هل تعرفينني يا سيدتي؟.... ملأت فمها بضحكة مجلجلة لم يتحرك معها كل جسمها فقط بل اهتز الكرسي الذي كانت تجلس عليه قبالتي!! وردت: لأ طبعاً!! أعرفك منين؟! دي أول مرة أشوفك ؛ ها ها ها...
يا نور ... يا نور؛ نادت عبر ضحكاتها التي لا تنقطع؛ فأقدمت الفتاه المراهقة راكضة؛ يسبقها صوتها: أيوه يا ماما؟!... تعرفي الراجل ده يا نور؟ أشارت السيدة ناحيتي وهي تسألها... ضحكة مجلجلة أخرى انبعثت من فم الفتاة مصحوبة بالإجابة: لأ يا ماما أول مرة أشوفه... لا تكفان عن الإشارة إلي والضحك بهستيرية... يخرج خلال ضحكاتهما سؤال متكرر: مين ده؟!! ها ها ها ها... انزعاج شديد تملكني .. أكاد أنهار... لماذا تدخل الضحكات في أذني كصفير قطار؟!!
خرجت من الشقة مسرعاً وأنا أردد: مجانين.. مجانين!! إيه بس اللي جابني هنا؟!!...
بعد عدة درجات على السلم اكتشفت أنني حافياً ... آه لقد نسيت الحذاء في الداخل...
طرقت الباب لم يفتح أحد... مرات عديدة أطرق الباب؛ لا أحد يرد... لا صوت يصدر من الداخل...
ما زال فكري مشوشاً عن دخولي أول مرة ... في ذاكرتي ما يوحي بأنني استخدمت مفتاحاً للدخول!!... سلسلة المفاتيح ما زالت في يدي... خمسة مفاتيح... جربتهم واحداً تلو الآخر دون جدوى!!
المشكلة مازالت قائمة كيف أسير في الشارع حافياً هكذا؟ سيكون منتقداً جداً أن يرى الناس رجلاً في لباس متأنق جداً (بدلة كاملة وكرافت) يمشي في الشارع حافي القدمين!!... لابد أن الأمر سينتهي بإيداعي مصحة عقلية... أو على الأقل اتهامي بالجنون... ثم ماذا سأقول لزوجتي؟ ... حذائي كان جديداً ... اشتريته منذ شهرين فقط... ما الذي يضمن أن أجد مثله في محل الأحذية؟... وحتى لو وجدت؛ فإنها لن تحتاج لأي مجهود لتعرف أنه حذاء جديد... وستكون هذه ورطة أكبر من التي أعانيها.
افتحوا هذا الباب اللعين يا مجانين... كفاية هزار بقى؛ قلت بصوت عالي... وأنا أدق الباب بكلتا يدي... هاتوا الجزمة؛ ما يصحش كده؛ ناديت بصوت أكثر ارتفاعاً ولا مجيب...
من خلفي فتح الباب المقابل رجل ضخم الجثة أصلع الرأس وإن كان الشعر الكثيف يغطي صدره العاري تحت الفانلة المقطعة؛ أنت بتعمل إيه عندك يا أخينا؟ إيه الازعاج اللي أنت عامله ده؟ بتخبط على مين عندك؟ توالت أسئلته عبر فمه المتثائب... ثم قذف في أذني الخبر الصاعق: دا باب السطح يا راجل أنت... وعاد يسأل بتخبط بقى على مين جوه؟ وجزمة إيه اللي واجع دماغنا بها؟ إيه اللي دخل جزمتك ع السطح؟ شكلك مش من بتوع الدش ولا حاجة..... أشرت له بالهدوء مستفسراً أنت بتقول إن دا باب السطح؛ إزاي؟!!... دي شقة... أنا لسه حالاً خارج من جوه وكان في واحدة ست وبنتها...
يا أخي بقولك باب السطح؛ شقة إيه وهباب إيه؟!! أنت في وعيك؟!
قلت له هما اللي مش في وعيهما... أنهما مجنونتان ... أنظر أنا هربت منهما ونسيت الحذاء... أنا حافي قدامك أهه...
دخل الرجل إلى شقته وخرج بعد لحظة في إحدى يديه مفتاحاً غرسه في كالون الباب؛ الذي كنت أطرقه؛ ففُتِحَ مُسفراً بالفعل عن السطح!!
ناولني الرجل شبشباً كان في يده الأخرى؛ لأنزل؛ متحسساً جبيني؛ الذي لم يفارقه بعد دفء قبلة الفتاه؛ بينما يملأ فمي طعم عصير الليمون.

- تمت –
الرياض في 09 أكتوبر 2011م

موضوع: رد: باب السطح الأحد 09 أكتوبر 2011, 9:55 am

أيه ياعمنا التجلي اللي نزل عليك ده

ما شاء الله

بجد ما شاء الله عليك

موضوع: رد: باب السطح الأحد 09 أكتوبر 2011, 10:39 am

أحمد عبدالعزيز كتب:

أيه ياعمنا التجلي اللي نزل عليك ده

ما شاء الله

بجد ما شاء الله عليك

على رأي اللمبي:- "نزل علي الوحل" :))

ربنا يعزك يا باشمهندس.... شكراً لمروركم الداعم

موضوع: رد: باب السطح الأحد 09 أكتوبر 2011, 3:49 pm

خير اللهم اجعله خير

رائعة فعلا يا أستاذنا و أجبرتني على التعايش مع كل تفاصيلها

موضوع: رد: باب السطح الأحد 09 أكتوبر 2011, 4:17 pm

يا نهااااااااار ابيض
لقد تم غزل هذه القصه تحت يد كاتب ماهر
حسيت انى جوا القصه

موضوع: رد: باب السطح الأحد 09 أكتوبر 2011, 6:06 pm

واضح تاثير الغربة وافتقادك الاسرة على التجليات الادبية والهلاوس القصصية .. بعيدا على التوافق يوجد قصة عندى شبيه لتلك القصة ذكرتنى بها .. انما اخراجك يختلف قليلا ..يذكرنى بالجراح القصصى ( الادبى
قصة جميلة فى دفقاتها وتملك ادواتها وما تثيره من استفهمات ذهنية لدى القراء ينبع من خلالها قصص فى الاذهان
شكرا على القصة وشكرا على وجودك اديب تفتخر به العمار

موضوع: رد: باب السطح الإثنين 07 نوفمبر 2011, 4:50 am

افتح باب السطح يا عم عبد الغني ستجد جنة خضراء ومياه متدفقة وهواء عليل

لن يقدر أحد على سرقة تاريخك

هم يريدون إبعادك عن فتح الموصود

فقط افتح المغاليق وسترى أنه يكذب

ما ادعى أنه البوار والفشل في نهاية المطاف ما هو إلا البداية

انت تملك كيان موجود وهم من يملكون الفراغ

انت في كامل وعيك وهم المجانين

عد لفتح باب السطح المزعوم

القصه مثيره جدا
وتشد الإنتباه أوى
كل سطر أقراه أشتاق لقراءة اللى بعده
ممتاز جدا يا أستاذ عبد الغنى

قرأت النص ثانية واستمتعت
هو فتح بالفعل ونبوءة مبدع