عندما كنت صغيرا ، كانت هناك مشكلة كبيرة عندي في الكلام ، حيث كان من الصعب أن أنطق ، بل احيانا كنت أحاول أن أنطق كلمة ثم أظل أتهته فيها وفي النهاية لا أستطيع .
وعندما كبرت قليلا والتحقت بالصف الأول الابتدائي ، وبعد مرور أسبوعين علي الدراسة ، كانت هناك مدرسة لغة عربية سأظل أذكرها بخير ، كانت طموحة وذات فكر جديد ، عندما رأتني قالت لي عبارة غريبة أنذاك ، لعل هذه العبارة وقعت مني موقع الصدمة في الوقت الذي وقعت فيه عليها موقع التحدي والأمل .
كانت العبارة : ( انا عاوزة اعمل اذاعة مدرسية وانت تقدمها ) بالطبع كنت أتصور أن هذه المدرسة غير طبيعية .، ولم أكن أتصور أن هذه العبارة هي التي ستعالج مشكلة استمرت معي سنوات ، ولم أكن أتصور أن هذه العبارة ستكون هي التي شكلت طبيعتي وفطرتي التي أعيش عليها الان ، ولم أكن أتصور أن هذه العبارة ستصبح ركنا أساسيا ضمن أركان نفسي التي أحيا بها الان .
ولم أكن أتصور أنه بعد تسع سنوات وبسبب هذه العبارة ، أنني سأصبح أمين اتحاد ادارة وعضو اتحاد طلاب جمهورية وطالب مثالي علي مستوي الادارة ، بل لم أكن أتخيل أن هذه العبارة ستدفعني الي مجال العمل الاجتماعي والتطوعي .
ولم أكن أتخيل أن هذه العبارة هي التي ستجعلني أحيا في صراع داخلي مرير ، فالواقع أنني عندما دخلت العمل الاجتماعي بارادتي التي شكلتها الظروف ، كنت أتصور أن الواقع الذي نحياه هو مناخ مناسب للأفكار الجديدة ، وأنه بيئة مناسبة للعمل الاجتماعي الهادف ، وأنها تربة صالحة لاجتماع الكل علي أرض واحدة وان اختلفت الأهواء والميول والاتجاهات .
فمع أنني لم أبلغ حتي الثانية والعشرين من العمر الا أنني قطعت سنوات طويلة داخل هذا العمل الاجتماعي ، من خلال هذه السنوات عشت انجازات رائعة واخفاقات مريرة ، شعرت أحيانا بمبادئ الانسانية الرائعة التي خلقنا الله بها ، وشعرت بالمبادئ الانسانية الوضيعة التي استحدثها الانسان هذا المخلوق الغريب .
الواقع .... الواقع لا يبشر بخير ، واقع غير مألوف ، فمع أن الفطرة تقتضي أن البشر يفرحون بالخير ويكرهون الشر وهذا علي الاطلاق ، لكن الواقع قد افترض قانونا جديدا وهو هذا الخير لمن ؟ ولماذا هذا بالذات ؟ ولماذا لست أنا ؟
فاذا باحقاد لا تجد لها تبرير وأضغان ليس لها تفسير، وتجد أن كل ذي فكر مكروه ، وكل فكر يحارب ، وليس من المهم أن يحارب العقل بالقلب ، وأن تحارب الافكار بالعواطف ، وليس من المهم أن تحكم العواطف ولكن دع المشاعر تعلو والعواطف تحكم ولا عزاء للقلب والضمير .
ان كل انسان يسعي الي التغيير لابد وأن يعلم أن التطوير يبدأ من الواقع ، بل يبدأ من الاعتراف بالواقع ، فاذا أردنا التطوير والتطور ، فلماذا لا نأتي علي واقعنا الذي نحياه ثم نبحث عن أخطائنا ونصححها ، ولماذا لا نجلس مع أنفسنا ثم يسأل كل انسان منا نفسه : هل تكره فلان ؟ هل تحقد عليه ؟ هل هناك سبب لهذا ؟ لماذا لا تكون أيدينا واحدة ؟ لماذا أحزن لأن جاري أنجح مني ؟ لماذا لا نقوم لحل مشكلة ما سويا ؟ لماذا أقول : ليه أنا مش غيري ؟
يارب تكون الرسالة وصلت