أحمد عبدالعزيز شــاعـر عمـاري
عدد الرسائل : 3616 العمر : 42 المكان : أبوظبي الحالة : متزوج الهواية : الشعر والأدب تاريخ التسجيل : 30/09/2008 التـقــييــم : 16
| موضوع: ولد ( تجربة قصة قصيرة ) الأربعاء 03 يونيو 2009, 5:54 pm | |
|
ولد (1)
سكنت الزوجة عن التحدث بعدما استقلت السيارة الخاصة التي استأجرها الزوج للتوجه الى المدينة للقاء طبيبها الخاص كان نوع الجنين هو الهدف الرئيسي للزيارة غير أن متابعة الحالة الصحية كان يعد هدفً علني , لم يعد الزوج يخفي توتره وقلقه حتى كأنه يستدير لمرات متعددة على مقعده يلتفت يميناً ويساراً ,يغازل فكره, أن يهبه الله ولداً بعد الخمسة محاولات السابقة والتي أسفرت عن إنجاب إناثه الثلاثة , كانت تجارته الكبيرة التي توارثها عن أبيه بدت تتكاثر وتتفرع تحتل مداخل بيته وعدة طوابق من مسكنه ,يتوجه بعينيه يميناً الى البحر فيرسل بسمة انتصار لو تحقق هذا الحلم المنشود , يبتلع لعابه وتتراقص امامه صورة ولده وهو يرعى تلك التجارة ويشاركه في مواجهة الحياة الشاقة, يفرغ من أحلام يقظته ,ويعود الى الزوجة بنظرات يكسوها الوقار والرضا بقدر الله وعدم أهمية الأمر ,كانت لايشغلها ما بإحشائها كما يشغلها إرضائه وإنجابها الولد الذي يرجاه ,طال الطريق بدت حاجتها لقضاء الحاجة تتزايد ,من آثار مرض السكر الذي تعانيه في مقتبل العمر , ويهاجمها بشراسة من حين لآخر,توجهت إلى عيادة الطبيب المعالج لمرض السكر بدون سابق ترتيب أو موعد , قضت حاجتها , قابلت الطبيب بإبتسامة في خجل شديد , ومرت الى العيادة الآخرى , بينما توجه الطبيب الى الزوج يُذكّره بخطورة الإنجاب للمرة السادسة , وأن العمليات القيصرية بدت مستحيلة بالنسبة لحالتها لعدم سهولة إلتئام الجرح ,
طأطأ برأسه الى الأرض وخرج خلفها مُخفياً إحتقاره لنفسه ,تغوص رأسه بين فتحة ثيابه ,ظلهم الصمت داخل عيادة الطبيب ,جاء دورها فبدأت تجر الخطاوي الى غرفة الكشف وتلتفت إليه شاحبة ,كان القلق يثاورها رغم إتباعهم الطرق الحديثة لإنجاب الذكور من تغييرات للوسط القاعدي و الحامضي ومتابعة الجداول الزمنية والصينية وطريقة الفراعنة لإنجاب الذكور ,وتنفيذ تعليمات الطبيب المختص , استقبلها الطبيب بابتسامة مصطنعة , بدأ في بعض الأسئلة العامة عن حالتها الصحية ,صعدت على ميزان دقيق لمعرفة وزنها قابلها الطبيب بنظرة رضا ,تتعالى دقات قلب الزوج وتنخفض مع صعودها وهبوطها , ضغط الطبيب على زر مثبت بجوار مقعده ,دخلت الممرضة ,إرتجف الزوج , بدء عرقه يسيل رغم تحكم المكيف بطقس الغرفة ,بدأت مراسم الكشف بالموجات ,ابتسم الطبيب وتحركت يداه بالجهاز الى الأعلى ثم يمينا ويسارا ,شخصت عين الزوج وبدت على استحياء تزحف على وجهه ابتسامة مكسورة ,التفت إليه الطبيب بنظرة مماثلة لتلك التي أرسلها للزوجة المستسلمة لقضاء الله , وردد مبروك
...................
بنت زي القمر ....
ولد (2)
الكثير من الصراعات سلكت مسلكها بداخله , فما بين كونه يخجل من الطبيب لإبداء ضجره أمامه وعدم التمكن من إخفاء ما يدميه , لتحطم آماله على صخرة الواقع المكتوب , وصراعة المتواصل ما بين معارضة ذلك الأمل المحارب بداخله , يُمنّيه بالولد ,وكونه يصارع نفسه التي بدت سيئة بعينيه فيبكي عليها إشفاقاً على أملها المسفوك ويبكي عليها لوماً للتمني, تحرك ببطئ وانقسمت بسمة الرضا والحزن على وجهه , بينما تجمعت دمعة حارة بعين الزوجة, منع انحدارها استلقائها على ظهرها , عاد الطبيب ممازحاً مبروك ولد ولد, ولكنه غير واضح يبدو أنه صغيراً ليس بحجم أخواته البنات في مثل تلك الشهور, تحولت الدمعة الحارة الى ماء بارد سال متراقصاً من عيون الزوجة ,أثناء انتفاضها معتدلة ,وكأنها لاتريد تأكيداً هذة المرة لكلمات الطبيب وصدّقتها واغلقت السمع عن ما سواها , صمت الزوج واختطفه شعوره المكبوت للرغبة الحلال , وأخرج زفيراً كرياح الصبا ,واغرورقت عيناه ,معاتباً الطبيب بلطف للمزاح الثقيل ,لم تكف شفتاه عن الحمد والشكر ومازال يقاوم إنحدار الدموع من عينيه ,بينما هي اسرفت في دموعها وحشرجت عبارات الدعاء والتوسل لله والحمد بصوت يعلو صوت الزوج ,تابعا السير سوياً الى أحدى الصيدليات أسرف في شراء المثبتات للجنين والفيتامينات ,تبعها بوجبة دسمة له وللزوجة متجاهلاً نظامها الغذائي المقنن , استشعر الفرحة المطلة على الوجوه سائق السيارة المخصوص , فبادر بالتهاني من دون معرفة السبب غير أن الأمر يعد جلياً , فشتان ما بين حالة العودة وحالة القدوم , ردد الزوج بكلمات قليلة ,أراح الزوجة بهدوء مكانها ,همس فى آذان السائق أن يحد من سرعته وينتقي الطريق ,ابتسم السائق في نظرة غير مفهومة تحمِل الكثير من المبالغة وابتلع كلماته التي كان سينطقها , ثم القى نظره على الطريق المستقيم .
ولد (3)
مرت شهور الحمل متثاقلة ساعة فساعة , أسفرت عن تغيرات جوهرية في حياة الأسرة , زاد التجافي بين الزوج
وبناته خاصة واسطة العقد منهم والتي رغم ذكائها الشديد إلا أنها تعاني بعض العيوب الخلقية فى الأطراف أهمل
مسجده المعتاد , اكتفى بتجميع الصلوات بعضها فوق بعض عندما يحين له الوقت لقضائها , زاد حرصه على الحياة
التي كان يُعيرها آخر هتماماته , بدا يحصر بضاعته ويُنمّي تجارته ,إستقبالاً لولي العهد القادم , لم تعد الزوجة هذه الحدة من قبل , بدت مجالستها للنساء اللآتي ولدن الذكور غير مخجلة بالنسبة لها ,لآيُعيرها نداء إحداهن
على أحد أطفالها الذكور أو مناداة بعضهن بعضاً بأسماء أبنائهن الذكور كما كان يحدث من قبل ,بدأت في تزعم
حواراتهن, ورد الكلمة بكلمتين أو يزيد ,ومتابعة الشجار لأقل الأمور , كل ذلك عندما يسمح لها غياب الزوج بمغادرة
الفراش المٌعد للراحة , زاد الزوج في طباعة المتعالية كلما زادت بطن الزوجة فى التعالي والتمدد , رتب مع
الطبيب موعد الوضع, وأعلن حالة الطوارئ , توجه بسيارته الخاصة التي أعدها لإستقبال مولوده الجديد , وبادر بشرائِها في هذا التزامن تحديداً رغم حاجته الضرورية إليها من قبل , مرت الأمور متسارعة ,الجميع يجتمعون بأشهر
المراكز الخاصة للإنجاب... الأطباء متحفزون , طبيب السكر منتظر معهم لحين إتمام عملية التخدير والقيصرية
,الكثير من الأقارب ينتظر بدون أدنى معرفة لنوعية الجنين القادم , داعين الله أن يرزقه الذي يتمناه حتى يُريح نفسه
وزوجته من عناء المحاولات ,ويرتاح الجميع من قسوة المواساه والتمسك بأحبال المشيئة والقدر ,والتذكير بقضاء الله
وقدره , كان يروح يغدو , مُتظاهراً بالتجلد والصبر, بل بدا منه عِبارات الطمئنينة لباقي الجلوس , ظل يٌردد أن هِبة
الله لاتُرد , ويتجاذب أطراف الحديث مع الجميع , كان الجميع يتعجب حالته المختلفة عن الطبيعي , غير مدركين
سابق معرفته بما وراء الأبواب المغلقة . حان أذان المغرب فتوجه لتوه إلى المسجد الذي تجاهل دربه منذ بُشراه بالولد , وشَغلته دُنياه عن آخرتِه , إستقبل
المحراب, وهبط ساجداً في خشوع ذلك الجنين العالق بالأحشاء بعد ساعة ونصف من الشقاء ,تلقفته الممرضة المختصة
,كانت ذات وجه عبوس ,لاتضحك ولا تكف عن الصراخ في وجه زميلاتها الجدد ,تحسبها ذات أهمية أكبر من الطبيب
المختص , وذهبت به الى أم الزوجة وعمتها , القامعتين بالغرفة المجهزة للأم , قطعة من اللحم الأحمر
يكاد صوتها الضعيف يختنق بفضاء الكون الواسع المترامي ,وضعت اللفافة بينهم وانصرفت بلا تعليق , تسلل القلق
الى المرأتين حملت اللفافة أم الزوجة , مرددة الحمد لله الحمد لله , داعية أن تظفر الزوجة بالسلامة ,كانت تقاوم
شوقها لمعرفة نوعية الجنين التي تحمله يمناها ,تحسست نصفه السفلي ,وبدت يديها الأخرى تتسلل أسفل طبقات القماش
الأبيض من حوله أعترضت يدها الحفاظة الداخلية , فعادت لوضعها كما كانت ,ظلت تخمد نيران شوقها المشتعلة
لمعرفة نوعيته ,تطاردها طريقة الممرضة الغير مبشرة بالذكور , فمن المعتاد طلب الأخيرة مبلغاً غير بخس
من المال إن صدقت الرؤية , بادرت عمة الزوجة بسؤالها الصامت المفهوم , أشاحت برأسها ونظرت إليه ثانية , ثم
عادت تتسلل بيدها الى ما تحت الحفْاظة ,كفت اليد عن التنقيب , وسالت الدموع من عينيها غزيرة ومتواصلة ...
ولد (4)
رفعت رأسها مرددة الحمد لله , إنتفضت عمة الزوجة إلى جوارها , إتسعت عيونها لتستقبل دموع الفرحة , علت
غمغماتهم , بينما دخل الزوج باسماً وكأنه يعلم ما يدور من البداية ,وخط بيديه أحداث الواقع الذي يعيشه , أستقبل
الطفل في ثبات وثقة كبيرة بالنفس , إنتفخ صدره وتعالت ضحكاته , لم يهتم بالزوجة التي تقضي ساعتها الثالثة
بغرفة العمليات , راح يميناً ويساراً يطلب أي شئ يَسُد به نهم الطفل الجائع , تعوقه الممرضة العبوس بلامبالاه , يعود
الى أم الزوجة التي بدورها لاتكف عن الإمساك بالطفل بين أحضانها, ترفض رؤية أفراد الأسرة له ,أو التطلع الى
وجهه الجميل , إنهالت التهاني والتبريكات تنصب على الزوج والزوجة بعد عودتهما الى المنزل , بدت جلساته بغرفة
الطفل تتزايد عن تلك التي يقضيها بين بضاعته ورواد تجارته , ذُبِحت الذبائح , بيومه السابع , وتوافد العامة على
العطايا , لم تعد عيناه تتوجه للسماء للدعاء كما كان من قبل , إنقطعت صلاته , إلا ما كان بغرض المظاهر أمام
العامة . تحقق فيه قول القائل :
صلى وصام لأمر كان يطلبه **** فلما قضى الأمر لا صلى ولا صامَ
مرت شهور العام الأول , يستلقي فيها الغلام على ظهره ,لايُرى عليه علامات النمو , توجه الزوج والزوجة لمرات
متعددة إلى العيادات المتخصصة , ومن مكان لآخر يطوون الأرض بحثاً عن الدواء , الجميع يعجز عن مداواة ذلك
القصور في عموده الفقري , رٌبما يظل هكذا يكبر سناً ولا تنمو أعضائه الجسمانية , كانت صاعقة هبطت على الزوج
المتغطرس زهواً , وقعت عيناه على الأرض , حرجاً من خالقه الذي ينوي اللجوء إليه في كل مصيبة تحل به , لم
تمنعه نظرة الطبيب المختص من رفع صوته مناجياً .... يارب
العام لثاني يقترب على الإنتهاء , يضع الزوج أمواله وكل ما له من متاع رهن الأطباء , لابيع ولا شراء , فقط داء
ودواء , قابله شيخ المسجد , عاتبه على عدم رؤياه لفترات طويلة , إغرورقت عيناه بالدموع خجلاً , إسترسل في
شرح حاله المرير ,مسح الشيخ على كتِف الزوج برفق ونصحه أن يطوف به ببيت الله الحرام , ويدعوا الله لولده
بالشفاء ,ويغسله بماء زمزم ثلاثً , دب الأمل في قلب الزوج المنكسر أتم أوراق سفره ,وتوجه الى بيت الله الحرام
مٌعتمراً ,حاملاً بين يديه ولده المنكمش يزداد تقوس عموده الفقري رغم حداثه سنه ,إستقبل الزوج البيت الحرام باكياً
,لاتكف شفتاه عن الدعاء لولده الوحيد ,حامِلاً إياه سبعة أشواط , يَبْتلٌ إحرامه من غزارة الدمع المنهمر ,هرول به
بين الصفا والمروة تاركاً دنياه خلف ظهره , إستشعر حلاوة المكان وامتزجت روحه بأركانه الشريفة ,بدا عليه الرضا
بقدر الله وقدره , وصلحت نفسه قبل ولده , عاد يعلو وجهه نور الهداية ,إستقبلت الزوجة عودته بصدر راض ,الطفل
لم يزل يرفض النمو ,أخلد إلى الأرض بجسده المبلل بماء زمزم المتبقي من آثار الرحلة المباركة ,الزوج عاد لبيعه
وشرائه , والزوجة عادت لتواضعها القديم ,حمدا الله على ما هم فيه , تذكر الزوج بعد فترة من الزمن موعد الطبيب
المختص بحالة ولده ,تباطئ فى الذهاب,لولا نظرات الزوجة المنكسرة تحمل فيها رغبة دفينة في التعلق بالأمل
المتلاشي ,توجها سوياً إلى الطبيب , الطبيب أنهى الفحص وانتظر نتيجة التحاليل ,الطفل معافى تماماً لايٌستدل له على
داء , عموده الفقري في حالة نمو , في بِضع شهور ربما يتمكن من السير مٌنفرداً , لم يكد الزوج والزوجة يتلقيان
الخبر حتى فاضت دموعهم , تتلعثم الحروف بداخلهم , الأيام تتوالى والطفل يستجيب يحبو ,ثم يستعين بالحوائط فى
السير, يتسلق الأشياء تِباعاً , يقفز فوقها برشاقة , يعتلي سور الشٌرفات مُستعيناً ببعض المقاعد , ثم يبتسم وهو يسبح
فى الهواء حتى تلقاه العامة مفارقاً الحياة .
(وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رٌحْمًا)
من سورة الكهف (80 ,81 )
عدل سابقا من قبل أحمد عبدالعزيز في الجمعة 19 يونيو 2009, 9:45 pm عدل 2 مرات | |
|