بالتخمين ولا بموافقة المزاج , ولا بالأحاديث الضعيفة , ولا بمجرد النص عليه في كتاب قديم , إنما يعرف من نص ثابت صريح , أو إجماع معتبر صحيح , وإلا فدائرة العفو والإباحة واسعة , ولهم في السلف الصالح أسوة حسنة .
قال الإمام مالك رضى الله عنه : (ما شئ أشد علي من أن أسأل عن مسألة من الحلال والحرام؛ لأن هذا هو القطع في حكم الله , ولقد أدركت أهل العلم والفقه ببلدنا , وان أحدهم إذا سئل عن مسألة كأن الموت أشرف عليه , ورأيت أهل زماننا هذا يشتهون الكلام في الفتيا , ولو وقفوا على ما يصيرون إليه غدا لقللوا من هذا , وان عمر بن الخطاب وعلياً وعامة خيار الصحابة كانت ترد عليهم المسائل - وهم خير القرون الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم - فكانوا يجمعون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويسألون , ثم حينئذ يفتون فيها , وأهل زماننا هذا قد صار فخرهم , فبقدر ذلك يفتح لهم من العلم)
قال : (ولم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا الذين يقتدى بهم , ومعول الإسلام عليهم , أن يقولوا : هذا حلال وهذا حرام , ولكن يقول : أنا أكره كذا وأرى كذا , وأما « حلال » و « حرام » فهذا الافتراء على الله . أما سمعت قول الله تعالى : ( قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالاً قل ءآلله أذن لكم , أم على الله تفترون) ؛ لأن الحلال ما حله الله ورسوله , والحرام ما حرماه).
ونقل الإمام الشافعي في « الأم » عن الإمام أبى يوسف صاحب أبى حنيفة قال : (أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون في الفتيا أن يقولوا : هذا حلال وهذا حرام , إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بينا بلا تفسير).
وحدثنا ابن السائب عن الربيع بن خيثم - وكان أفضل التابعين - أنه قال : (إياكم أن يقول الرجل : إن الله أحل هذا أو رضيه , فيقول الله له : لم أحل هذا ولم أرضه ! ويقول : إن الله حرم هذا , فيقول الله : كذبت لم أحرمه ولم أنه عنه) !
وحدثنا بعض أصحابنا عن إبراهيم النخعى أنه حدث عن أصحابه : أنهم كانوا إذا أفتوا بشيء أو نهوا عنه , قالوا : هذا مكروه , وهذا لا بأس به , فأما أن يقول : هذا حلال وهذا حرام . , فما أعظم هذا.
وهكذا نجد إماما كأحمد بن حنبل يسأل عن الأمر فيقول: أكرهه أو لا يعجبني، أو لا أحبه، أو لا أستحسنه.
ومثل هذا يروى عن مالك، وأبي حنيفة وسائر الأئمة رضي الله عنهم.
نماذج من ورع الإمام أحمد مسائل في الحلال والحرام:
ونضرب بمثالين صغيرين من كلام الإمام أحمد في مسألتين ظلا مثار نزاع حتى الآن ولاحظ ورع الأمام في عدم أستخدامه لفظة حرام التي القطع في حكم الله كما أسلفنا عن أئمة السلف
1 - عن عبدالله بن الإمام أحمد قال: سألت أبي عن الغناء فقال: لا يعجبني
هذا ما قاله إمام أهل السنة (لا يعجبني) تهربا من كلمة حرام وهذا من ورعه وتقواه مخافة أن يتقول على الله بغير علم فالحرام ما حرمه الله يوم القيامة كما في الحديث , أما مدعو العلم في هذا العصر فما أسهل عليهم كلمة حرام في هذه المسالة بالذات يقذفون بها بسهولة فأين الثرى من الثريا
2 – وسئل أحمد عن عطاء الدراهم في صدقة الفطر فقال: أخاف ألا يجزئه
فتامل قوله في زكاة الفطر (أخاف ألا يجزئه) ولم يقل زكاته باطلة أو غير مقبولة لأن هذا في علم الله ولوجود مخالفين في هذا الأمر , أما المعاصرين فما أسهل عليهم قول إخراجها بالقيمة باطل ولا يجوز..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم