أكتب هذه الكلمات قبل ساعات من مباراة
مصر والجزائر.. وأرجو ألا يغضب البعض.. فالحقيقة دائماً
قاسية.. ولكن
الأكثر قسوة أن نتجاهلها.. مثلكم تماماً أحلم بأن يفوز المنتخب ويتأهل
لمونديال
جنوب أفريقيا.. مثلكم تماماً خرجت إلى الشارع ليلة المباراة
للاحتفال مع الجماهير بهذا
«الكرنفال» الجميل.. ومثلكم تماماً سأطير من
الفرح لو تأهلنا، وسأنام حزيناً مقهوراً لو ــ لا قدر
الله ــ خسرنا هذه
المواجهة!
غير أننى سأكتم بداخلى فى الحالتين حزناً من نوع آخر.. إذ
بدا لى، وأنا أتحرك بسيارتى بصعوبة
بالغة فى شارع جامعة الدول العربية
ليلة المباراة، أن هذا الشعب بإمكانه أن يصل إلى القمر
بقفزة واحدة.. شعب
يقهر العالم إذا اجتمع وتحلّق حول هدف واحد.. شعب بمقدوره أن يحمل
جبل
المقطم فوق كتف واحد، وينقله إلى حيث يريد.. ولكنه لا يريد.. أو هو لا
يراد له أن يكون
كذلك.. أو هو قد يصبح خطراً على «أشخاص وجماعات» لو فعل
ذلك.. وربما يرجع التردى، الذى
نعيشه، إلى خطورة هذا الشعب إذا تحرك..
وتلك فى رأيى هى المشكلة المصرية الأزلية!
لم يكن غريباً أن تكتسى
الشوارع والمبانى بعلم مصر الجميل.. ولكن المذهل أن يقتصر ظهور
العلم على
مباريات كرة القدم مهما كانت أهميتها.. هذه المفارقة ليس لها سوى تفسير
واحد:
لا انتماء سوى لكرة القدم.. لا حماس إلا للمنتخب.. ولا عشق وتأييد
إلا للاعب الجميل محمد
أبوتريكة ورفاقه.. لمحت هذه المفارقة فى وجوه
الآلاف.. وسمعت أعماقهم تهتف بشعار آخر غير
الذى ينطلق من حناجرهم «لا شىء
يجمعنا سوى الكرة.. ولا قدوة نضحى من أجلها إلا
أبوتريكة».. وفى ذلك خطر
عظيم على أمة غارقة فى الأزمات والمشاكل والهموم!
زمان.. كان آباؤنا
وأجدادنا يصنعون مشهداً مشابهاً.. يتحلقون حول هدف أو فكرة أو كيان أو
شخص.. يرفعون العلم ويزأرون بالهتاف.. ولكن القضايا كانت حقيقية.. قضايا
كبيرة لأمة عظيمة..
الاستقلال.. الحرية.. العلم.. الفكر.. والإنتاج.. كانت
مصر تكسب وتخسر فى كرة القدم.. تماماً
مثلما يحدث الآن.. وكان المصريون
يملأون المدرجات.. تماماً مثلما يحدث الآن..
وكان الكبار يتحدثون
عن صالح سليم والفناجيلى، مثلما نتحدث اليوم عن أبوتريكة وزيدان.. ولكن
الفارق الوحيد أن مصر التى عرفها آباؤنا كانت أكبر من «مصرنا الراهنة»..
كانت «مصرهم» مصر
العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ وأم كلثوم ومصطفى مشرفة
والسنهورى وفؤاد سراج الدين
وخالد محيى الدين وإبراهيم شكرى..
أما
«مصرنا» فهى مصر الفراغ.. مصر اللا أسماء.. اللا نماذج.. واللا قضية..
فلماذا يرتفع العلم فى
غير كرة القدم.. وحول من يلتف المصريون.. ولأى
مشروع أو هدف نضحى.. ولمن نهتف.. ومن
نحمل فوق الأكتاف؟!
الليلة ــ
سواء فزنا أم خسرنا ــ سيعود العلم المصرى إلى مثواه.. سينزوى اللون
الأحمر والأبيض
والأسود أمام فوضى الألوان.. سيحط النسر الشامخ فى عشه..
سينام طويلا حتى نضرب له
نفيراً جديداً: استيقظ أيها النسر فالمنتخب سيلعب
غداً!!
مجدى الجلاد ف المصرى اليوم