عُرف عن جهاز الاستخبارات النبوي برئاسة العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه بالجهاز القوي من حيث جمع المعلومات الدقيقة وسرعة إيصالها للقيادة النبوية الراشدة ، فلا نجد معركة أو غزوة إلا وقد توفرت قبلها فيها وبعدها المعلومات الأمنية الصحيحة عن جيش الأعداء ونواياه وكانت القيادة المباركة تحرص على تناول التقرير الأمني لاتخاذ قرارات صائبة لدرجة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعمل بنفسه على استطلاع واستكشاف أماكن تحــرك الأعداء والتعرف على مخططاتهم ..
موقع المجد .. نحو وعي أمني يقدم لكم اللحظات الأمنية الأخيرة التي سبقت معركة أحد والتي قامت قريش بشنها للانتقام من جيش المسلمين بعد بدر الكبرى حيث تجد أخي القاري طبيعة المعلومات التي جمعها الجهاز الاستخباري التابع لقوات المسلين بقيادة خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم..
بعد بدر الكبرى كانت الاستعدادات العسكرية والأمنية من طرف المسلمين لا تتوقف وكانت أعين الاستخبارات المسلمة بالمرصاد لحظة بلحظة تتابع كل تطور وجديد وتخضعه للتحليل ليلحقه القرار السديد .. فلما تحرك جيش المشركين بعث العباس رسالة مستعجلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ضمنها جميع تفاصيل الجيش ، وأسرع رسول العباس بإبلاغ الرسالة حتى إنه قطع الطريق بين مكة والمدينة، التي تبلغ مساحتها500 كيلومتر، في ثلاثة أيام وسلم الرسالة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسجد قباء .
كانت المعلومات التي قدمها العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم دقيقة فقد جاء في رسالته: (أن قريشًا قد أجمعت المسير إليك، فما كنت صانعًا إذا حلوا بك فاصنعه، وقد توجهوا إليك وهم ثلاثة آلاف وقادوا مائتي فرس وفيهم سبعمائة دارع وثلاثة آلاف بعير، وأوعبوا من السلاح).
فقد احتوت هذه الرسالة على أمور مهمة منها:
(1) معلومات مؤكدة عن تحرك قوات المشركين نحو المدينة .
(2) حجم الجيش وقدراته القتالية ، وهذا يعين على وضع خطة تواجه هذه القوات الزاحفة .
المتابعة المتجددة لحركة العدو:
ولم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بمعلومات المخابرات المكية ، بل حرص على أن تكون معلوماته عن هذا العدو متجددة مع تلاحق الزمن، ولذلك أرسل صلى الله عليه وسلم الحباب بن المنذر بن الجموح إلى قريش يستطلع الخبر، فدخل بين جيش مكة وحزر عَدَده وعُدَده ورجع .
فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما رأيت؟» قال: رأيت أي رسول الله عددًا، حزرتهم ثلاثة آلاف يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا، والخيل مائتي فرس، ورأيت دروعًا ظاهرة حزرتها سبعمائة درع.
قال: «هل رأيت ظعنًا؟» قال: رأيت النساء معهن الدفاف .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أردن أن يحرضن القوم ويذكرونهم قتلى بدر، هكذا جاءني خبرهم . لا تذكر من شأنهم حرفًا، حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم بك أجول وبك أصول».
كما أرسل صلى الله عليه وسلم أنسًا ومؤنسًا ابني فضالة يتنصتان أخبار قريش، فألفياها قد قاربت المدينة، وأرسلت خيلها وإبلها ترعى زروع يثرب المحيطة بها، وعادا فأخبراه بخبر القوم .
وذلك بسبب خوفه من أن يؤثر هذا الخبر على معنويات المسلمين قبل إعداد العدة، ولذلك حين قرأ أبي بن كعب رسالة العباس أمره صلى الله عليه وسلم بكتمان الأمر، وعاد مسرعًا إلى المدينة، وتبادل الرأي مع قادة المهاجرين والأنصار في كيفية مواجهة الموقف، وكان صلى الله عليه وسلم قد أطلع سيد الأنصار سعد بن الربيع على خبر رسالة العباس.
فقال: والله إني لأرجو أن يكون خيرًا، فاستكتمه إياه.
فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند سعد، قالت له امرأته: ما قال لك رسول الله؟
فقال لها: لا أم لك، أنت وذاك، فقالت: قد سمعت ما قال لك، فأخبرته بما أسر به الرسول صلى الله عليه وسلم فاسترجع سعد، وقال: يا رسول الله ، إني خفت أن يفشو الخبر فترى أني أنا المفشي له وقد استكتمتني إياه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خلِّ عنها» .
وفي هذه الحادثة درس بالغ للعسكريين وتحذيرهم من إطلاع زوجاتهم على أسرارهم العسكرية، وخططهم وأوامرهم، وينبغي الحذر من إفشاء مثل هذه الأسرار لأن إفشاءها يهدد الأمة ومستقبلها بكارثة كبرى .
.
.