اعداد الشيخ/ زكريا حسينى محمد
الحمد لله رب العالمين، سبحانه اختار لنا الإسلام دينًا، وجعل لنا القرآن هاديًا ودليلاً، والسنة منارًا وسبيلاً، نحمده حمد الشاكرين، ونشكره شكر المقرين له بالنعمة، ونصلي ونسلم على خير خلقه وصفوة عباده محمد بن عبد الله نبي الهدى والرحمة، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعدُ
فإن الله تعالى جعل لكل نبي أصحابًا وحواريين، يؤمنون به ويتبعونه، ويناصرونه ويؤازرونه، ويحملون الرسالة ليبلغوها الناس من بعده، وقد اختار الله عز وجل محمدًا؛ فجعله خاتم أنبيائه ورسله، وجعل رسالته خاتمة الرسالات؛ وذلك لأنه سبحانه اطَّلع على قلوب العباد فوجد قلب محمد خيرها، فاختاره لرسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلوات الله وسلامه عليه فوجد خيرها قلوب الفئة التي صحبته وآمنت به واتبعت النور الذي جاء به، وهؤلاء الأصحاب منهم من كان من أقربائه، ومنهم من كان من غير أقربائه، فعلَّم النبي الكل ورباهم فأحسن تربيتهم، وأدبهم فأحسن تأديبهم، فكانوا جميعًا على الصراط المستقيم والهدي القويم، فرضي الله عنهم أجمعين
وهؤلاء الأصحاب منهم من آمن به في مكة بمجرد بعثته ، فلما هاجر؛ هاجروا معه، وتركوا ديارهم وأموالهم، ومنهم من ترك أهله وأولاده في سبيل هذا الدين، ومنهم من آمن به في المدينة، واستقبله فيها هو وأصحابه من المهاجرين، فأثنى الله تعالى على الفئتين جميعًا، وزكاهم أعظم تزكية، ورفعهم مكانًا عليًّا، فقال تعالى وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التوبة ، وقال تعالى في سورة الحشر في قَسْم الفيء لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الحشر ، وأثنى الله تعالى على من تبع الصحابة بإحسان ويستغفرون لهم، فقال جل ذكره وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ الحشر
ووعد الله تبارك وتعالى الحسنى جميع أصحاب النبي ، سواء منهم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ومن أنفق من بعد الفتح؛ فقال جل ثناؤه لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ الحديد ، وزكى سبحانه أهل بدر، وأهل بيعة الرضوان، وبيَّن سبحانه أنه أثنى على أصحاب محمدٍ ورضي الله عنهم في الكتب السابقة، فذكرهم بالإحسان في التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله المنزلة على رسله
بين الصحابة وأهل البيت
إن أهل السنة يحبون أصحاب النبي ورضي الله عنهم كلهم ؛ سواء منهم من كان من أقارب النبي أو من غير أقاربه، لا يبغضون أحدًا منهم، ويعرفون لكلٍّ قدره ومنزلته التي أنزله الله تعالى إياها، فكما أن النصوص جاءت عامة فيهم كلهم؛ فنحن نحبهم كلهم، ولا نبغض أحدًا منهم، شأن أهل الإسلام في الإيمان برسل الله تعالى جميعًا لا يفرقون بين أحد منهم، بخلاف أهل الأديان والملل الأخرى، فإنهم لا يؤمنون إلا برسلهم فقط
فكذلك أهل السنة يؤمنون بأن الله تعالى اختار صحبة نبيه، وجعلهم خير البشر بعد الأنبياء، فنحبهم جميعًا، ونوقرهم ونعرف فضلهم، بخلاف الرافضة الذين أحبوا قرابته وسبُّوا صحابته، والحق أنهم لم يحبوا قرابته جميعًا، بل فرقوا بينهم فلم يحبوا إلا عليًّا وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين، وخرج من أهل البيت عندهم زوجات رسول ورضي الله عنهن، وهن أمهات المؤمنين بنص رب العالمين، فقد بيَّن في كتابه أنها الرسالة وأنها لا تورث، وأن أزواج النبي أمهات المؤمنين، فقال سبحانه وتعالى مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا الأحزاب ، وقال تعالى النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ الأحزاب
بل خرج من أهل البيت عندهم العباس عم النبي وذريته، بل وذرية جعفر بن أبي طالب، بل لا يذكرون واحدة من بنات رسول الله غير فاطمة، وجعلوا كل الصحابة والقرابة ما عدا عليًّا وفاطمة والحسن والحسين أعداءً لأهل البيت عندهم، بل لا يذكرون الحسن بن علي رضي الله عنه، فانحصر الأمر عندهم في ذرية الحسين رضي الله عنه، وهذا من أعجب العجب
بين فاطمة وعائشة رضي الله عنهما
أولاً بعض ما ورد في كل منهما من الأحاديث
أ بعض ما ورد في فضائل فاطمة بنت رسول الله ، ورضي الله عنها
عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله على المنبر وهو يقول «إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوني أن يُنكِحوا ابنتهم عليَّ بنَ أبي طالب، فلا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بَضْعةٌ مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها» أخرجه مسلم برقم
عن عائشة رضي الله عنها قالت كن أزواج النبي عنده، لم يغادر منهن واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتُها من مشية رسول الله شيئًا فلما رآها رحَّب بها فقال «مرحبًا بابنتي» ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم سارَّها فبكت بكاءً شديدًا، فلما رأى جزعها سارَّها الثانية فضحكت فقلت لها خصَّك رسول الله من بين نسائه بالسِّرار ثم أنت تبكين ؟ فلما قام رسول الله سألتها ما قال لك رسول الله ؟ قالت ما كنت لأفشي على رسول الله سِرّه قالت فلما توفي رسول الله قلت عزمتُ عليك بما لي عليك من الحق، لما حدثتني ما قال لك رسول الله ؟ فقالت أما الآن فنعم، أما حين سارَّني في المرة الأولى،
فأخبرني أن جبريل كان يعارضه القرآن في كل سنة مرةً أو مرتين، وإنه عارضه الآن مرتين، وإني لا أُرى الأجل إلا قد اقترب «فاتقي الله واصبري؛
فإنه نعم السلف أنا لك» قالت فبكيت بكائي الذي رأيتِ فلما رأى جزعي سارَّني الثانية، فقال «يا فاطمة، أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة»؟ قالت فضحكت ضحكي الذي رأيت متفق عليه
عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أن عليًّا ذكر بنت أبي جهل، فبلغ ذلك رسول الله ، فقال «إنما فاطمة بَضْعَة مني، يؤذيني ما آذاها، ويُنْصِبني ما أنْصَبها» الترمذي برقم ، وقال هذا حديث حسن صحيح
عن أنس رضي الله عنه أن النبي قال «حسبك من نساء العالمين مريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون» أحمد في المسند ، وفي فضائل الصحابة، والترمذي وابن حبان والحاكم
ب بعض ما ورد في فضائل أم المؤمنين عائشة زوج النبي
عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله «أُرِيْتُكِ في المنام ثلاث ليالٍ، جاءني بك الملك في سَرقةٍ من حرير، فيقول هذه امرأتك فأكشف عن وجهك، فإذا أنت هي، فأقول إن يك هذا من عند الله يُمْضِهِ» متفق عليه
عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله «إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عليَّ غَضْبى» قالت فقلت ومن أين تعرف ذلك؟ قال أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا، ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت لا، ورب إبراهيم قالت قلت أجل، والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك متفق عليه
عن عائشة زوج النبي ورضي الله عنها قالت أرسل أزواج النبي فاطمة بنت رسول الله إلى رسول الله ، فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مِرْطي، فأذن لها، فقالت يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، وأنا ساكتة قالت فقال لها رسول الله «أي بنية، ألست تحبين ما أحب؟ قالت بلى قال فأحبي هذه» قالت فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله فرجعت إلى أزواج النبي فأخبرتهن بالذي قالت، وبالذي قال لها رسول الله ، فقلن لها ما نراك أغنيت عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله فقولي له إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة فقالت فاطمة والله لا أكلمه فيها أبدًا الحديث» مسلم
عن أنس بن مالك وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله يقول «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» متفق عليه
عن عائشة زوج النبي أن رسول الله كان يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول أين أنا غدًا، أين أنا غدًا ؟ يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها، قالت عائشة فمات في اليوم الذي كان يدور عليَّ فيه في بيتي، فقبضه الله وإن رأسه لبين نَحْري وسحري، وخالط ريقه ريقي » متفق عليه
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي قال «يا عائشُ، هذا جبريل يقرأ عليك السلام»، قالت فقلت وعليه السلام ورحمة الله قالت وهو يرى ما لا أرى متفق عليه
عن هشام بن عروة عن أبيه قال كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة رضي الله عنها فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة رضي الله عنها، فقلن يا أم سلمة، والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث كان، أو حيث ما دار، قالت فذكرتْ ذلك أم سلمة للنبي ، قالت فأعرض عني، فلما عاد إليَّ ذكرتُ له ذلك، فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرتُ له، فقال «يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عليَّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها» البخاري
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي بعثه على جيش ذات السلال، قال فأتيته فقلت أيُّ الناس أحبُّ إليك ؟ قال «عائشة» فقلت من الرجال، قال «أبوها» قلت ثم من؟ قال «عمر» فعد رجالاً متفق عليه
عن عمرو بن غالب أن رجلاً نال من عائشة عند عمار بن ياسر، فقال اغْرُبْ مقبوحًا منبوحًا، أتؤذي حبيبة رسول الله ؟ الترمذي وصححه
ثانيًا بعض ما ورد في كتب تراجم الصحابة في كل من فاطمة وعائشة رضي الله عنهما
أ فاطمة بنت رسول الله
قال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب فاطمة بنت رسول الله سيدة نساء العالمين على أبيها وعليها السلام، كانت هي وأختها أم كلثوم أصغر بنات رسول الله ، واختُلف في الصغرى منهما، إلى أن قال وقد اضطرب مصعب والزبير في بنات النبي أيتهن أكبر وأصغر، اضطرابًا يوجب ألا يُلتفت إليه، قال والذي تسكن إليه النفس على ما تواترت به الأخبار في ترتيب بنات رسول الله أن زينب الأولى، ثم رقية الثانية، ثم الثالثة أم كلثوم، ثم الرابعة فاطمة الزهراء والله أعلم
وقال قال علي رضي الله عنه لأمه فاطمة بنت أسد اكفي بنت رسول الله الخدمة خارجًا وسقاية الماء الحاج، وتكفيك العمل في البيت؛ العجن والخبز والطحن
قال أبو عمر فولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب، ولم يتزوج عليّ عليها غيرها حتى ماتت
وتوفيت بعد رسول الله بيسير؛ قيل بستة أشهر، وقيل بثلاثة أشهر، وروي بثمانية أشهر، وقيل عاشت بعد أبيها سبعين يومًا
وساق عن ابن السراج بسنده إلى أبي ثعلبة الخشني قال كان رسول الله إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم يأتي فاطمة، ثم يأتي أزواجه
وذكر عن الدراوردي بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله «سيدة نساء أهل الجنة مريم، ثم فاطمة بنت محمد، ثم آسية امرأة فرعون»
وساق ابن السراج بسنده عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت ما رأيت أحدًا كان أشبه كلامًا وحديثًا برسول الله من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه؛ قام إليها فقبَّلها ورحَّب بها، كما كانت تصنع هي به
وروى بسنده إلى فاطمة رضي الله عنها أنها قالت لأسماء بنت عميس رضي الله عنها يا أسماء، إني قد استقبحت ما يُصنَع بالنساء، إنه يُطرَح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت أسماء يا بنت رسول الله، ألا أريك شيئًا رأيته بأرض الحبشة فدعت بجرائد رطبة فَحَنَتْها ثم طرحت عليها ثوبًا، فقالت فاطمة ما أحسن هذا وأجمله، تُعرَف به المرأة من الرجال، فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعليّ، ولا تُدخلي عليَّ أحدًا، فلما توفيت جاءت عائشة رضي الله عنها
تدخل، فقالت أسماء لا تدخلي فشكت إلى أبي بكر، فقالت إن هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله ، وقد جعلت لها مثل هودج العروس، فجاء أبو بكر فوقف على الباب، فقال يا أسماء، ما حملك على أن منعت أزواج النبي أن يدخلن على بنت رسول الله ؟ وجعلت لها مثل هودج العروس ؟ قالت أمرتني ألا يدخل عليها أحد، وأريتها هذا الذي صنعت، وهي حية، فأمرتني أن أصنع لها ذلك، قال أبو بكر رضي الله عنه فاصنعي ما أمرتك ثم انصرف، فغسلها عليٌّ وأسماء، ودفنت ليلاً كما أوصت زوجها عليًّا رضي الله عنهما بذلك
قال أبو عمر فاطمة رضي الله عنها أول من غُطِّي نعشها من النساء في الإسلام على الصفة المذكورة، ثم بعدها زينب بنت جحش رضي الله عنها، صُنع ذلك بها أيضًا
وتوفيت فاطمة بنت رسول الله يوم الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان، وقد قيل إنه صلى عليها العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، ودخل قبرها هو وعلي والفضل رضي الله عنهم وعن الصحابة والقرابة أجمعين ونكتفي بما جاء في الاستيعاب لابن عبد البر؛ خوف الإطالة
ب عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها
قال أبو عمر عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها، زوج النبي ، تزوجها رسول الله بمكة قبل الهجرة بسنتين، هذا قول أبي عبيدة، وقال غيره بثلاث سنين، وهي بنت ست سنين وقيل سبع، وابتنى بها بالمدينة، وهي ابنة تسع، لا أعلمهم اختلفوا في ذلك
قال أبو عمر كان نكاحه عائشة رضي الله عنها في شوال، وابتناؤه بها في شوال، وكانت تحب أن تُدْخِل النساء من أهلها وأحِبتها على أزواجهن في شوال، وتقول هل كان في نسائه عنده أحظى مني، وقد نكحني في شوال وابتنى بي في شوال، وتوفي عنها رسول الله وهي بنت ثماني عشرة سنة، وكان مُكثها معه تسع سنين
قال لم ينكح رسول الله بكرًا غيرها، واستأذنت رسول الله في الكنية، فقال لها «اكتني بابنك عبد الله بن الزبير»، يعني ابن أختها، وكان مسروق إذا حدث عنها قال حدثتني الصديقة ابنة الصديق البرية المبرأة بكذا وكذا، وقال أبو الضحى عن مسروق رأيت مشيخةً من أصحاب النبي الأكابر يسألونها عن الفرائض وقال عطاء بن أبي رباح كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة وقال هشام بن عروة عن أبيه ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطِبّ ولا بشعر من عائشة رضي الله عنها وقال الزهري لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل
وقال خليفة بن خياط وقد قيل إنها توفيت سنة ثمان وخمسين ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، أُمرت أن تدفن ليلاً، فدُفنت بعد الوتر بالبقيع، وصلى عليها أبو هريرة، ونزل في قبرها خمسة عبد الله وعروة ابنا الزبير، والقاسم بن محمد وعبد الله بن محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر
رضي الله عن فاطمة بنت رسول الله وعن سائر بناته، ورضي الله عن عائشة أم المؤمنين وعن سائر أمهات المؤمنين، ونسأل الله تعالى بحبنا آل بيت النبي ومنهم أزواجه بل هن على رأس أهل البيت بنص القرآن الكريم، وبحبنا جميع أصحابه أن يحشرنا معهم في جنته ودار كرامته، وأن يهدي أهل الضلالة الذين اتخذوا الصحابة أعداءً، وزعموا أن أصحاب النبي كانوا أعداء لقرابته فأكذبهم الله ورسوله، وكذا الواقع والتاريخ يبين أن الصحابة والقرابة
كانوا متحابين متوادين، وإنما كانت عداوتهم لأعداء الله ورسوله، فعدوُّ آلِ البيت من يفتري عليهم الكذب، ويزعم أنهم كانوا يكرهون الصحابة ويعادونهم ويقاتلونهم، فهذا ضلال مبين، وإن فئة تزعم حبها لآل البيت تقيم المآتم والحزن لوفاة أيٍّ من أهل بيت النبي ، ويقيم احتفالات وأفراحًا لوفاة أمهات المؤمنين، بل ويعظمون قبر قاتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لَيُقِيمُونَ دينًا غير دين الإسلام، وينتحلون ملة غير ملة الإسلام، فنسأل الله عز وجل أن يعاملهم بما يستحقون، وأن يكفي أهل السنة شرورهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين