الحرباء
قصة قصيرة بقلم: عبد الغني عبده
عندما بلغ سلطان الخامسة عشرة من عمره أدرك انتماءته الطبقية، بحكم رواج الأفكار اليسارية (إبان ستينات وحتى منتصف سبعينات القرن العشرين)، وانخرط – منسجماً مع انتماءاته ومستفيداً من نظام التكافل الداخلي للأعضاء – في صفوف حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، (مع تأسيسه بعودة الحياة الحزبية في مصر عام 1976م) وكان يهتف بالروح لزعيمه التاريخي "خالد محيي الدين"....
لخوفها عليه من جهة؛ (نظراً لتضييق النظام السياسي على اليساريين إلى درجة مطاردهم وسجنهم عقب أحداث 17 و18 يناير 1977م)؛ واستثماراً لما استطاعت أن تدخره من أموال معدودات (جمعتها من بيع حزم الفجل والجرير .... وهو أقصى ما كانت تستطيع عمله بعد أن طلقها زوجها وترك البلدة بما فيها دون أن يخلف أية مورد لكسب العيش)..... وَسَّطَتْ أُمَهُ والدي لدى مَنْ سَفَّرَهُ إلى إحدى دول النفط الخليجية؛ إثر حصوله على شهادة دبلوم التجارة وشهادة الإعفاء من الخدمة العسكرية (كونه وحيدها على أربع بنات).... اكتفى الرجل بتعهد شفهي منها – بضمانة الوسيط – أن يتم سداد بقية المبلغ اللازم للسفر من اقتسام أول خمسة رواتب يحصل عليها سلطان من وظيفته الجديدة.
في منتصف تسعينات القرن العشرين كنت قد حصلت على شهادتي الجامعية منذ خمس سنوات ولم أوفق في الحصول على فرصة عمل، وعندما أرسلني والدي (الذي أقعده المرض بعد تسريحه من عمله لاعتراضه على بيع شركة الكباسات والمراجل التي كان يرأس مجلس إدارتها) لأطلب من سلطان تدبير فرصة عمل لي... وجدته يتباهى لمستمعيه بعلاقاته الواسعة برجال السلطة .... ليس في مصر فقط بل في بلاد النفط أيضاً حيث زوج أخواته الأربعة فصار له مع السلطة هناك نسباً وصهراً.... ومدركاً لانتماءاته الطبقية الجديدة، تحدث – منسجماً معها، ومستفيداً من فرص الربح التي تنتظره من المشاريع التي ينوي شراءها استثماراً لملايينه غير المعدودة - عن عزمه العودة نهائيا لبلاده بعد أن تغيرت الأحوال وتحرر الاقتصاد وبدأ بيع القطاع العام و.....و.... وعندما بدأت الحديث – بما تعلمته في الجامعة - عن الآثار السلبية لهذه الأوضاع الجديدة على الفقراء وعلى بطالة الشباب؛ التي لم تعد – من حينها- مؤقتة ولا موسمية؛ بل هيكلية.... رد: هذا هوكلام الشيوعيين الذي سوف يعرقل مسيرة تقدمنا دائماً... واستطرد راسماً ابتسامة استهزاء على وجهه: لقد رسبت في الاختبار يا "رفيق".... لا يمكن أن أجد لك فرصة عمل لا عندي ولا عند أحد أصدقائي وأنت على هذه الحالة المستعصية من الحقد الطبقي.
(تمت)
الرياض في 27 ديسمبر 2010