المصدر : موقع الرحمة المهداة mohdat.com
مع تطور الأحداث المتلاحقة التي تشهدها الساحة العربية، وسقوط الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي واحداً تلو الآخر، تزايدت حالة القلق والترقب الصهيوني حيال سيناريو الأوضاع المستقبلية في منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد سقوط نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، الذي كان بلا جدال أقوى الأنظمة العربية الداعمة للكيان الصهيوني في المنطقة، الأمر الذي دفع تل أبيب لإعادة طرح مشاريع تفتيت المنطقة العربية عبر تفعيل فكرة مساعدة الأقليات والعرقيات الدينية في طرح مطالبها والمسارعة في تنفيذها في تلك الأوقات الحرجة التي تمر بها دول المنطقة العربية، بهدف إذكاء نار الفتن والصراعات الطائفية والعرقية، وإدخال الدول العربية في دائرة الانشقاق الداخلي، وانشغالها بقضاياها الداخلية، مما يتيح المجال لدولة الاحتلال العربدة وممارسة كافة أشكال العدوان ضد الشعب الفلسطيني، كما يحدث في هذه الأيام ضد قطاع غزة.
حقاً لقد أسهمت مظاهرات الصحوة العربية الأخيرة في جعل مراكز الأبحاث الإسرائيلية تعيد رصد ظاهرة الأقليات في العالم العربي باعتبارها ورقة رابحة يمكن للقيادة الإسرائيلية استخدامها في وقت الحاجة، خاصة وأن هناك من يرى أن مشروع إسرائيل لتمزيق الوطن العربي هو أمر واقع تسير في دربه وتخطو فيه خطوات واسعة؛ لكي تصبح إسرائيل هي الدولة الكبرى والمتحكمة في المنطقة، وذلك على خلفية رؤية متجذرة في الفكر الصهيوني تقوم على اعتبار أن الأقليات هم شركاء لإسرائيل في المصير، ولعل أبرز تلك الدراسات الإسرائيلية وأخطرها على الإطلاق، هي الدراسة التي أعدها تسيفي مزائيل الخبير الإستراتيجي الإسرائيلي، وسفير تل أبيب السابق لدى القاهرة ونشرها المركز الأورشاليمي للدراسات السياسية والإستراتيجية على موقعه الرسمي رصد من خلالها موقف إسرائيل حيال التغيرات السياسية التي يشهدها العالم العربي ومدى تأثيرها على أوضاع الأقليات الدينية والقومية، مشيراً في بدايتها إلى أن السؤال الذي يطرح نفسه في تلك المرحلة هو: هل كانت الثورات التي شهدتها مصر وتونس ولازالت تشهدها أقطار عربية أخرى الهدف منها تلبية رغبات العرب والمسلمين في تلك البلدان، أم أنها جاءت لتلبي مطالب جماعية، أي بما فيها مطالب الأقليات؟.
وفى محاولة صهيونية خبيثة لبث سموم الفرقة والوقيعة بين أبناء الوطن الواحد قال مزائيل: أن السؤال الأهم هو: هل الديمقراطية العربية الحديثة ستتضمن حدوث تغييرات جوهرية فيما يتعلق بمسألة العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين أو العرب؟ وهل ستتغير المعاملة تجاه غير العربي وغير المسلم؟ أم أن مسألة قبول الآخر ستبقي مشكلة سياسية تواجه الأنظمة القادمة.
تناول الخبير الصهيوني في دراسته ثلاث محاور أساسية حاول من خلالها التوضيح بشكل عام الرؤية الإسرائيلية لملف الأقليات في عالمنا العربي، والتي من خلال رصدها وتحليلها يمكننا معرفة ما يضمره هذا الكيان الغاصب لأمتنا العربية من مخططات ومؤامرات ليتسنى لها مواجهتها ووأدها في مهدها قبل استفحالها:
المحور الأول- قضية الأكراد في العراق وتركيا باعتبارها مجالاً خصباً للتدخل الإسرائيلي في ملف الأقليات بمنطقة الشرق الأوسط، حيث زعم مزائيل في دراسته أن الشعب الكردي يعد واحداً من الشعوب القديمة جداً على وجه الأرض، والذي حافظ على هويته على الرغم من الاحتلال العربي الذي اضطهدهم وسلب حقوقهم، وأنه تم دفع الأكراد لاعتناق الإسلام عند دخول الفتح الإسلامي لمناطق وجودهم، لكنهم رغم ذلك استمروا في الحفاظ على هويتهم وخصوصيتهم، ويتراوح عدد الأكراد ما بين 25- 30 مليون نسمة ويتوزعون ما بين تركيا حيث يصل عددهم هناك لنحو 15 مليون وفي إيران ويصل عددهم لنحو 5 مليون والعراق لنحو خمسة ملايين وسوريا نحو 2 مليون.
وتابع حديثه بالقول: "الشعب الكردي يكافح من أجل نيل مطالبه وحقوقه والحصول على استقلاله منذ نهاية الحرب العالمية الأولي حيث قتل منذ ذاك الوقت عشرات الآلاف من الأكراد على يد الأتراك والعرب في قتالهم المستمر ضدهم، أما في العراق فالجميع يتذكر الحرب الكيميائية التي شنها الرئيس السابق صدام حسين ضد الأكراد في شمال العراق حيث قتل الآلاف منهم، وقام صدام كذلك بعملية تعريب لقرى الأكراد حيث قامت قوات الجيش العراقي في حينه بعمليات تهجير واسعة النطاق لهؤلاء الأكراد وقامت بجلب العرب السنة لتلك القرى.
ومؤخراً وفي إطار السعي لنيل الحقوق واستعادة ما سلب قامت الأحزاب الكردية الكبرى بالإعلان عن حق الشعب الكردي في حق تقرير مصيره والحصول على استقلاله لكن وكالعادة قامت الدول العربية بغض الطرف عن هذا الطلب فيما تهرب الغرب من الإعراب عن دعمه وتأييده لتلك المطالب.
المحور الثاني - البربر في دول شمال أفريقيا، حيث أشار الخبير الصهيوني في دراسته إلى أن هؤلاء البربر عاشوا طوال القرون الماضية تحت الاحتلال العربي على الرغم من أنهم السكان الأصليين في شمال أفريقيا الذي يضم الجزائر والمغرب وليبيا، وقد أطلق عليهم الرومان البربر لعدم حديثهم باللاتينية أو اليونانية، وهم أصحاب ثقافة زراعية سابقة عن ظهور الإسلام ويطلقون على أنفسهم أسم الأمازيغ، ويصل تعداد البربر في الجزائر لنحو 20 % من تعداد السكان ويتركز وجودهم في بعض المناطق داخل الجزائر، كما يعيش عدد كبير منهم في فرنسا، ومن بينهم فرحات مهني الذي أعلن عنه نفسه رئيساً لوزراء الحكومة الانتقالية المؤقتة للبربر، وفرحات مهني وهو بالمناسبة صديق حميم لإسرائيل.
وتحدث الخبير الإستراتيجي الإسرائيلي عن أن وسائل الإعلام الغربية من جانبها لم تسلط الضوء على قرار البربر تشكيل حكومة انتقالية للبربر ولم تؤيد هذا القرار، وفي مقابل هذا زادت الحكومة الجزائرية من اضطهادهم وقمعها للبربر.
أما في المغرب حيث يصل تعداد البربر لنحو 40 % من سكان البلاد ويطلبون بالحصول على الحكم الذاتي لشئونهم لكن لا يؤيدهم الغرب في هذا ولا يلقي لهم بالاً.
وزعم مزائيل في إطار أكاذيبه وسمومه التي يبثها من دراسته المشبوهة أن الأكراد والبربر وعلى الرغم من إجبارهم على اعتناق الإسلام إلا أنهم يلقون معاملة عنصرية ويتعرضون للاضطهاد المستمر من قبل العرب في الدول العربية وعلى الرغم من هذا يكافحون من أجل نيل حقوقهم والحصول عليها والمطالبة بحكم ذاتي أو الاستقلال عن الدول التي يعيشون فيها لكن دون جدوى حتى الآن.
المحور الثالث - الأقباط في مصر في هذا المحور أسهب الخبير الصهيوني في دراسته لسببين رئيسيين:
- عمله كسفيراً سابقاً للكيان الصهيوني في القاهرة لعدة سنوات، وإطلاعه عن كثب على المجتمع المصري.
- أن مصر بالنسبة للكيان الصهيوني هي العثرة الأساسية التي تقف أمام أحلامها التوسعية والإمبريالية، وهو ما يعني أن سقوط مصر، هو سقوط لكل الدول العربية، ويكفي أن نشير إلى نجاح الكيان الصهيوني في تحييد الدور المصري لسنوات طويلة بسبب معاهدة السلام المبرمة بينهما، لكن بعد ثورة 25 يناير المجيدة، تزايدت المخاوف الصهيونية لاستعادة مصر لدورها الريادي مرة أخرى.
على ضوء ذلك تولي إسرائيل أهمية بالغة لورقة الأقباط في مصر للعب بها للضغط على القيادة المصرية للالتزام باتفاقيات كامب ديفيد، وزعم مزائيل أن الأقباط شأنهم شأن باقي الأقليات المضطهدة في العالم العربي حيث يعانون من القمع والاضطهاد ويشكلون نحو 10 % من تعداد السكان في مصر وتتراوح أعدادهم ما بين 8-10 مليون مواطن وهم نسل المصريين الفراعنة الذين اعتنقوا المسيحية في القرن الرابع من الميلاد وحافظوا على لغتهم القبطية القديمة، ويعاني هؤلاء الأقباط من القمع والاضطهاد اليومي.
وفى محاولة صهيونية مفضوحة تكشف مؤامرات تل أبيب حيال الثورة المصرية لتشويهها وبث الفرقة بين أبنائها زعم الخبير الإسرائيلي في دراسته أن المادة الثانية من الدستور المصري تؤكد على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة المصرية، وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، لم تتغير في إطار التعديلات التي أدخلت على الدستور المصري مؤخراً بعد ثورة 25 يناير، وأن الأقباط في مصر لا يزالون يتعرضون للاضطهاد بعد سقوط نظام حسني مبارك، بل وزادت حدته خلال الأيام القليلة الماضية في أعقاب إضرام المسلمين النار في كنيسة للمسيحيين وقتل ما يزيد عن 13 قبطي فضلاً عن إصابة العشرات وقال أن عملية اضطهاد الأقباط عملية ممنهجة وتتعارض كلية مع فكرة الثورة وتقضي على أية آمال للديمقراطية في مصر.
ولا يسعنا هنا سوى القول أن المشروع الإسرائيلي لاستخدام ملف الأقباط في مصر والتدخل فيها بشكل مباشر عبر التواصل مع بعض الشخصيات القبطية في الخارج أو استضافة شخصيات قبطية مصرية في إسرائيل بهدف التنسيق المباشر بين الطرفين أصبح قيد التنفيذ الآن، وأن ورقة الأقباط هي أربح الأوراق التي تلعب بها تل أبيب على ساحة الشرق الأوسط.
كما أشار الخبير الإسرائيلي في دراسته إلى: أن هناك أقليات أخرى تعيش في منطقة العالم العربي تتعرض للاضطهاد ولا يعرف عنها أحد شيء، ومن بين هؤلاء المسيحيين في العراق، وفي الأراضي الفلسطينية حيث يعانون من الظلم والقتل، واضطر عدد كبير منهم للهجرة لدول عربية مجاورة بسبب ما يلحق بهم من أذى، زاعماً أنه وسط هذا الكم من الأقليات المضطهدة لم تلفح سوى إسرائيل عام 1948 للخروج من القبضة العربية والحصول على استقلالها، كما نجح في ذلك قبل عدة أسابيع الجنوبيين في جنوب السودان، بعدما حققوا الانفصال عن شمال السودان بعد حرب استمرت لنحو 40 عام قتل فيها ما لا يقل عن 2 مليون شخص.
في ختام دراسته أشار مزائيل إلى عدد من النتائج التي توصل إليها، من خلالها يمكن وضع استراتيجية عامة لإسرائيل؛ للتعامل مع الأقليات في العالم العربي، واستخدامهم كورقة للمساومة والابتزاز السياسي، في ظل التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط:
1. الثورات العربية لا يعرف حتى الآن ما ستحققه وما إذا كانت الإنجازات ستنحصر فقط فيما يتعلق بالمكاسب الاقتصادية وبعض الإصلاحات وتحسين الظروف المعيشية بغض النظر عن وجود مطالب لبعض الطوائف والأقليات التي تعيش داخل الدول التي اندلعت بها الثورات.
2. أن البعض يتشكك في إمكانية أن ينتج عن الثورات العربية نظام ديمقراطي حر يسمح فيه بحرية الرأي والتعبير وتحرير المرأة ومنح المواطن الحقوق الأساسية للإنسان وكذلك منح الأقليات الدينية والعرقية حقوقها.
3. أن هناك شكوك في إمكانية منح الأقباط في مصر والأكراد في العراق وإيران وتركيا حقوقهم المسلوبة أو أي أقلية مضطهدة في العالم العربي مشيراً إلي أن تلك الأقليات لن تقبل من الآن أن تظل رهينة العيش تحت حكم الاضطهاد الإسلامي وكأنه لم تحدث ثورة.
4. أن الأقباط من جانبهم يريدون إلغاء المادة الثانية من الدستور المصري ولهذا نظموا الكثير من التظاهرات المطالبة بفرض المساواة الكاملة في الحقوق مع المسلمين.
إجمالاً نؤكد أن التغييرات التي تشهدها حالياً الدول العربية وسقوط الأنظمة العميلة للكيان الصهيوني قد أصابته بصدمة لم يخطط لها، لذا فمن المتوقع أن تلعب إسرائيل بكل أوراقها المتاحة من أجل الوقوف أمام تسونامي الثورات العربية، الذي تخشى وصوله إليها، وبخاصة بعد تخلي القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية عن الأنظمة العربية التي كانت موالية لها لسنوات طويلة، بعد أن انتهت مصالحهم معها، وهنا نقرر حقيقة ثابتة أن التحالف الصهيوأمريكي هو تحالف قائم في الأساس على المصالح المتبادلة، وعندما تشعر واشنطن بأن هذا الكيان لا يحقق لها مصالحها، فلن يكون هناك تواجد للدعم الأمريكي وبالتالي الدعم الأوروبي لهذا الكيان الغاصب، الذي تزداد هواجسه من الصحوة العربية يوماً بعد يوم.