هل يجوز للمحامى أن يدافع عن أعداء الشعب؟
السفير د. عبدالله الأشعل
تثور مرة أخرى هذه القضية الخطيرة وهى هل المحاماة مهنة حرفية يجب على المحامى أن يدافع فيها عن موكله أيا كان نوع جرائمه أم أنه يدافع فقط عمن يعتبر أنه مظلوم، بعبارة أخرى ما هو نوع القضايا التى يمتنع فيها المحامىأخلاقياً عن الترافع فيها؟
من الناحية الأخلاقية البحتة، لا يجوز للمحامى أن يدافع عن باطل ضد حق، حتى لو علم الحقيقة من الموكل. فإذا كان قاتلاً أو ظالماً أو مغتصباً لحق أو نحوه فلا يستساغ أن يأخذ المحامى أتعابه ليؤكد الباطل وينصره على حساب الحق، وإنما إذا كان الحق والباطل ملتبسا أو كانت حقوقاً متقابلة فلا تثريب عليه، ومعنى ذلك أن المحامى يضع نفسه موضع القاضى قبل أن يقبل القضية التى يوكل فيها.
أما القضايا التى يكون فيها الضرر ظاهراً ضد الأخلاق والمجتمع بأسره بل والوطن مثل قضايا المخدرات ونهب المال العام والخطايا السياسية خاصة بعد سقوط النظام الآثم، فلا أظن أن المحامى يستطيع أن يبرر دفاعه عن قتلة هذا الشعب ومغتصبى حقوقه.
وتطبيقاً لذلك، فإنه من الخطأ الدفاع عن المتهمين فى عقد مدينتى بعد أن فصل القضاء مظاهر الفساد فيه، كما لايجوز الدفاع عن رموز النظام السابق الذين استوردوا الأطعمة المسمومة أو سمموا التربة أو قتلوا الشباب فى الثورة أو اشتركوا فى إفساد العقل والحياة السياسية والثقافية والسياسة الخارجية أو نهبوا المال العام. والحق أن تحضير مثل هذه القضايا لابد أن يخضع لعملية تقمص simulation حتى تستجلى الحقيقة من جانبين هما توفر الدافع الإجرامى أو النية الإجرامية ويكفى لتوفرها أن يدرك الفاعل أنه يضيع فرصة أو يهدر مصلحة أو يلحق ضرراً ملموساً، والجانب الثانى أن يكون الفعل مجرماًوأن يتم نسبته إليه بالفعل ولو بأدلة تم تدميرها ولكنها افتراضية. فلو مثل الرئيس السابق أمام القضاء فمن المتصور أن يوجه الاتهام الأول إليه وهو أنه رئيس الدولة المسئوول عن كل خطيئة ارتكبها نظامه حتى لو لم يصدر تعليمات مكتوبة بارتكاب هذه الخطايا على النحو الذى يتم تقاذفه الآن بين رموز النظام المهتمين بارتكاب هذه الجرائم، فيحيل وزير الداخلية السابق تهمة القتل العمد إلى الرئيس السابق تارة وإلى مساعديه تارة أخرى، كما يحيل المساعدون إلى رئيسهم الوزير بحسبان أن المساعد لم يتجاوز صلاحياته وأن له الحق فى الأمر بالقتل وفق القانون القائم أو اللوائح والتعليمات.
على كل حال، فمن المتصور أن يكون الآلاف فى جميع المجالات مطلوبين للمحاكمة وسوف تزدهر أسواق المحاماة وسوف يدق معيار قبول الدعاوى.
ويبقى السؤال: إذا كانت القاعدة هى أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته، وأن من حق المتهم أن يتم الدفاع عنه فمن ياترى سيكون محامى هؤلاء القوم؟
المحاماة رسالة وليست مهنة وعلينا أن نغلب الرسالة على المهنة فى القضايا الحساسة.