بقلم فضيلة الشيخ :- حسام العيسوي إبراهيم
إن المتطلع لأحوال مصر الآن يجد العديد من المشاكل التي خلّفها النظام البائد من فساد قد غمر البلاد وفاض في كل مؤسسة صغيرة أو كبيرة، كذلك يجد السلوكيات المذمومة والتي انتشرت في مجتمعنا من فساد أخلاقي وانهيار للقيم، وتفشي ظواهر البلطجة وتجارة المخدرات، هذا فضلاً عن واقع تعليمي مؤلم بعيد كل البعد عن واقع الحياة، ونهضة البلاد، اقتصاد منهوب، وسياسة فاشلة في التعامل حتى مع الجيران، هي تركة محملة بسنين من الضياع والاضمحلال والانحلال والانهيار على مستوى الحياة.
ومنذ أن منّ الله علينا بثورة الخامس والعشرين من يناير فاضت الأفكار، وتعددت الرؤى الداعية للإنقاذ والانتشال من هذا النفق المظلم، أطروحات وأفكار كثيرة ومتميزة، شيدها الكتاب والمفكرون والخبراء تظهر فيها الغيرة الشديدة على هذه البلاد، والحرص على عودة الحياة من جديد.
ولكني أتصور في هذه الأطروحة الصغيرة أن أي تغيير حقيقي لابد أن ينشأ من داخل الإنسان، فالإنسان هو مصدر النهضة والوسيلة الفاعلة في التغيير والعودة إلى هذه الحياة من جديد.
ولكن يبقى السؤال: تُرى ما الذي يضع للإنسان القواعد الأخلاقية السليمة ؟
وما الذي يحدّد للإنسان سلوكه المستقيم ؟ ويرسم له طريقاً موصلاً إلى غاية لا عوج فيه ؟ ويدفعه إلى السير لنهضة أمته ومجتمعه ؟
هل هو القانون ؟
أم هي الفلسفة الأخلاقية ؟
أم هو الدين ؟
وتأتي الإجابة الحاسمة من الدعاة والمصلحين، يقول الدكتور محمد عبد الله دراز في كتابه (الدين): " لا قيام للحياة في الجماعة إلا بالتعاون بين أعضائها، وهذا التعاون إنما يتم بقانون يُنظِّم علاقاته، ويحدِّد حقوقه وواجباته. وهذا القانون لا غِنَى له عن سلطان نازع وازع، يكفل مهابته في النفوس، ويمنع انتهاك حرماته، ونقرر أنه ليس على وجه الأرض قوة تكافئ قوة التدين، أو تدانيها في كفالة احترام القانون وضمان تماسك المجتمع، واستقرار نظامه، والتئام أسباب الراحة والطمأنينة فيه. إن الإنسان يساق من باطنه لا من ظاهره، وليست قوانين الجماعات ولا سلطان الحكومات بكافيين وحدهما لإقامة مدينة فاضلة تُحترم فيها الحقوق وتؤدى الواجبات على وجهها الكامل، فإن الذي يؤدِّي واجبه رهبة من السوط أو السجن أو العقوبة المالية، لا يلبث أن يهمله متى اطمأن إلى أنه سيفلت من طائلة القانون، ومن الخطأ البين أن نظن أن في نشر العلوم والثقافات وحده ضماناً للسلام والرخاء وعوضاً عن التربية والتهذيب الديني والخلقي، ذلك لأن العلم سلاح ذو حدين يصلح للهدم والتدمير، كما يصلح للبناء والتعمير، ولابد في حسن استخدامه من رقيب أخلاقي يوجهه لخير الإنسانية وعمارة الأرض لا إلى الشر والفساد، ذلكم الرقيب هو ( العقيدة والإيمان ).
لقد انتشرت عادة السكر وشرب الخمور انتشاراً واسعاً أقنع الحكومة الأمريكية بضرر ذلك على الفرد والأسرة والمجتمع، فأصدرت الحكومة قانوناً يمنع الخمر، ففي حوالي عام 1918 ثارت المشكلة في الرأي العام الأمريكي، وفي عام 1919 أدخل الدستور الأمريكي تحت عنوانه: " التعديل الثامن عشر " أيد هذا التعديل بأمر حظر، أطلق عليه التاريخ قانون " فولستد ".
وقد أعدت لتنفيذ هذا التحريم داخل الأراضي الأمريكية كافة وسائل الدولة وإمكاناتها الضخمة:
1- جنِّد الأسطول كله لمراقبة الشواطئ، منعاً للتهريب.
2- جُنِّد الطيران لمراقبة الجو.
3- شُغلت أجهزة الحكومة واستخدمت كل وسائل الدعاية والإعلام لمحاربة الخمر وبيان مضارها، وجُنِّدت كذلك الصحف والمجلات والكتب والنشرات والصور والسينما والأحاديث والمحاضرات وغيرها، وقد صرفت الدولة في الدعاية ضد الخمر ما يزيد عن ستين مليوناً، وأن ما أصدرته من كتب ونشرات يبلغ عشرة بلايين صفحة، وما تحملته في سبيل تنفيذ قانون التحريم في مدة أربعة عشرة عاماً لا يقل عن مائتين وخمسين مليون دولار، وقد أعدم في هذه المدة ثلاثمائة نفس، وسُجن 335و532 نفس، وبلغت الغرامات أربعمائة مليون وأربعة ملايين دولار، ولكن كل ذلك لم يزد الأمة الأمريكية إلا غراماً بالخمر، وعناداً في تعاطيها، حتى اضطرت الحكومة سنة 1933 إلى إلغاء هذا القانون، وإباحة الخمر إباحة مطلقة.
لقد فشل القانون، وعجزت السلطات، وأفلست أجهزة الدولة، في منع الخمر ومحاربة السكِّيرين، برغم الاقتناع العقلي الذي كان سائداً في الأمة بضرر الخمر، ولكن الاقتناع شيء، وعمل الإرادة شيء آخر.
ولقد قال أحد الكتاب الغربيين بحق:
" إن طلب شيء في تصميم وقوة يتطلب روحاً في التعبد والتقشف، أي تكريس الحياة لبلوغ مثل أعلى واحد، اختاره الإنسان بعناية وتفطن.. إن الإرادة تغلب دائماً الثقافة، حينما تكون الثقافة لا المبادئ الدينية هي التي يركز عليها تصميم المرء ونشاطه ومدده الروحاني ". وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.