قال أحد مدربى كرة القدم الأجانب السابقين، ولا أتذكر اسمه، بعد أن فر من تدريب أحد الناديين الكبيرين، عن مصر: «عندكم أحدث عربيات العالم، لكنكم ما بتعرفوش تسوقوا لأنكم ما عندكم أخلاقيات القيادة السليمة». حقا مصر فيها سيارات أكثر لكن فيها حوادث أكثر وعادم سيارات أكثر وزحمة أكثر واختناقات مرورية أكثر. لأننا لم نهتم بتربية الإنسان الذى هو فى مقعد القيادة على أن يعرف كيف يقود سيارته. تحدى إعادة الاعتبار للآداب العامة لا بد أن يكون فى قمة أولويات الحكومة القادمة؛ فلا مجال للنهضة إن لم تكن نابعة من الإنسان الذى تتوافر فيه الحدود الدنيا من احترام حقوق الآخرين.
أتذكر مرة، كانت زوجتى تعلم ابنتى كتابة عبارة «النظافة من الإيمان» فسألت ابنتى عن معنى ما تكتب فوجدتها لا تعرفه، هى فقط تنقل ما هو مكتوب فى أول السطر، فما كان منى إلا أن قررت أن أعلم ابنتى معنى هذه العبارة، فشرحت لها ما استطعت، وبعد أن انتهيت من توضيح أن الإنسان المؤمن يكون نظيفا. أما وإنها عندها معلومة سابقة أن المصريين مؤمنون (وهى كلمة تستخدم بالتبادل مع كلمة متدينين) فقد سألتنى سؤالا قاتلا باللغة الإنجليزية: Is that true؟
بمعنى هل هذا حقيقى؟ فسألتها ما الذى تقصده، فقالت إنها عاشت فى مصر سنتين ووجدت المصريين مؤمنين (أى متدينين بمعاييرنا) لكنهم لا يتصفون بالنظافة. ففى عقلها هناك معلومات غير متسقة: إما أن النظافة ليست من الإيمان، وهنا كذبت وزارة التربية والتعليم، أو أن المصريين غير مؤمنين، وهنا كذبت المعلومة التى كنا نرددها لها من قبل. لقد داهمتنى بما لم أكن أتوقع. فقالت: هنا فى أمريكا الناس لا يتوضأون لكنهم نظيفون جدا ولا أحد يلقى الزبالة فى الشارع ويحترمون إشارات المرور وغيرها. على حكومة ما بعد المرحلة الانتقالية القادمة أن تضع قضية النظافة فى قمة أولوياتها، لأنها قد تخلق ثقافة جديدة تعيد بها للإنسان المصرى رغبته فى الحياة الآدمية.
إن ثقافة الإنسان المصرى ليست معطى مثل الموقع الجغرافى، لا نملك حيالها إلا التسليم بها والتعايش معها وإنما هى واحدة من أدوات التقدم إن استطعنا أن نعيد تشكيلها وتوجيهها، أو واحدة من أسباب التخلف إن جعلنا منها عذرا للاهتمام ببناء المدارس دون الاهتمام ببناء الطالب، بتعبيد الطرق دون الاهتمام بتربية قائد السيارة على قيادتها، بمد مواسير المياه دون تربية المواطن على حسن استغلاله لها.
أرجو أن يتوقف الإنسان المصرى العادى عن الاستقالة من الحياة العامة والأخلاق المدنية. البعض يزعم أن الثورة لم تنجح لأنه لا يشعر بالتغيير. الحقيقة أنها لم تنجح فى تغييرك أنت لأنك فهمت الثورة وكأنها «توصيل للمنازل». الثورة لن تأتى لك راكعة طالبة رضاك، أنت الثورة إن كانت ثورتك على ضعفك وأهوائك.
هل أعطيت لمجتمعك ساعة من وقتك أسبوعيا لتساعد من يحتاج أو تعين من يطلب؟ هل بدأت تقرأ أكثر وتتعلم أكثر؟ هل مصر بالنسبة لك بقرة حلوب، الأشطر يحلبها أكثر أم هى الوطن الذى لن ينهض إلا بعطائك له؟
إذا لم تتغير فلا تقل إن الثورة فشلت، ولكنها نجحت فى إظهار فشلك أنت فى أن تكون جزءا منها.