المصدر موقع الرحمة المهداة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فنعيش هذه الأيام أجواء انتخابات مجلس الشعب الجديد، الذي هو أول برلمان بعد "ثورة 25 يناير"، ولهذا البرلمان خصوصية ليست لغيره، إذ تتعلق به الأبصار، وتتطلع إليه النفوس؛ لما سيرتبط به من كتابة "دستور جديد" للبلاد، من خلال اختيار هذا البرلمان المنتخب لهيئة تضع الدستور المنتظر.
هذا بالإضافة إلى أن على هذا المجلس مسئولية تغيير القوانين التي وضعها النظام السابق، وغالبها قوانين وُضعت لخدمة النظام ورجاله وأعوانه، والمنتفعين منه؛ الذين جعلوا لأنفسهم الامتيازات والمنافع دون مراعاة لمصالح الشعب وحاجاته!
ولا شك أن مصر في عهد "مبارك" فقدت الكثير من مكانتها بين إخوتها العرب، وتأثر دورها الإقليمي والإفريقي، ومن قبله الإسلامي في ظل تخاذل "النظام السابق"، وعمالته للغرب، ومراعاته لمصالح إسرائيل ربيبة الغرب في المنطقة، وعلينا بعد أن ورثنا هذه التركة الثقيلة أن نصحح أوضاع بلادنا؛ لتتبوأ المكانة اللائقة بها بين الدول، خاصة وأن هيبة مصر ومنزلتها ضاعت عند الأكثرين، وصار اقتصادنا الوطني ضعيفًا، وصار أمننا القومي مهددًا.
وقد عُرفت مصر بمكانتها التاريخية وإسهاماتها الفعالة في دعم أمتها الإسلامية والعربية، وقارتها الإفريقية عبر تاريخها الماضي الطويل.
لقد آن الأوان في ظل الثورة أن يُعاد بناء الأمة، وأن يكون هذا البناء متكاملاً قويًا، يناسب الطموحات التي نتطلع إليها، والآمال المعقودة عليها، ببناء الفرد أولاً، والأمة ثانيًا، وباستعادة هويتنا، وإظهار أصالتنا، مع الأخذ بأسباب القوة المادية والحضارة المتقدمة، ومن هذا المنطلق كان الحرص على الاختيار الأنسب للمرشحين.
ومن هنا أرى أن ذلك يتحقق في مرشحي حزب النور والدعوة السلفية، في هذه المرحلة لاعتبارات:
- منها: أن الدعوة السلفية كانت وما زالت تضع في أولوياتها دائمًا بناء الفرد بناءً سليمًا، وتربيته تربية صحيحة على نهج سلفنا الصالح، مِن: تحقيق التوحيد والإخلاص لله، ومن المتابعة والالتزام بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- على بصيرة، وتزكية النفس بالأعمال الصالحة؛ لذا يمتاز أتباع الدعوة السلفية بتحقيق قدر كبير من هذا البناء، وهذه التربية في أنفسهم، وهم -بفضل الله تعالى- من أكثر الناس التزامًا بالشرع، وهم أفضل مَن يؤتمن على أعباء المرحلة القادمة.
ولا شك أنه سيكون من أولوياتهم -وهم يشاركون في فعاليات العمل السياسي والعمل البرلماني- السعي إلى إعادة بناء المواطن المصري على ما ينبغي أن يُبنى عليه مِن توحيد الله -تعالى-، واتباع نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وتهذيب النفوس وتزكيتها بالأعمال الصالحة، ولا شك أن صلاح الإنسان أول الطريق الصحيح لصلاح المجتمع.
- ومنها: أن أتباع الدعوة السلفية من أشد الناس تمسكًا بالمرجعية الإسلامية الشرعية، وأكثرهم حرصًا على الأخذ بأحكام الشريعة وتطبيقها في شتى مجالات الحياة المختلفة، ولتحقيق ذلك كانت مشاركتهم في معترك العمل السياسي، يملأهم الطموح في تحقيق أكبر غاية تهفو إليها النفوس، وهي تطبيق شرع الله -تعالى-، وهم يتمسكون بسلامة الوسائل المؤدية إلى تلك الغاية ومشروعيتها؛ لذا يتمسكون بثوابت الدين، ثم يجتهدون ما استطاعوا فيما يجوز لهم فيه الاجتهاد، عن فهم صحيح للإسلام عرفوا به، وحرص على مصلحة الأمة دأبوا عليه.
وظهر ذلك منهم جليًا منذ أن سمح لهم في أعقاب الثورة بالتحرك بين الجموع، والتفاعل مع الأحداث؛ لذا لا نكون متجاوزين للحقيقة أو مبالغين إن قلنا: إنهم الأكثر قدرة على حماية الهوية الإسلامية والعربية لمصر، وإنهم القدوة المطلوبة في تمثيل الصوت الإسلامي المتمسك بالكتاب والسنة بعيدًا عن الهوى، وبعيدًا عن تقديم تنازلات على حساب الثوابت.
لقد كان شغل "الدعوة السلفية" الشاغل طوال سنين طويلة في ظل النظام السابق هو التنبيه على قضية "تحكيم الشريعة الإسلامية"، والتحذير من ترك الحكم بما أنزل الله؛ رغم بعد السلفيين وقتها عن المشاركة المباشرة في العمل السياسي؛ لفساد الأجواء، وكان أشد ما يحزنهم عرقلة تطبيق الشريعة، وعدم تفعيل المادة الثانية من الدستور، والتي تنص على أن: "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"؛ فكان همهم تنبيه الناس إلى خطورة هذا الوضع.
أما اليوم وقد فتح الباب للمشاركة الفعلية في العمل السياسي فأول ما يسعى إليه السلفيون في المرحلة الحالية تطبيق الشريعة، والتصريح بذلك في الدستور القادم، وتفعيل ما يتخذ بشأنها خاصة، وهم يرون أنه لا عذر للأمة إن ضاعت منها فرصة تطبيق الشريعة، أو طبقت على غير ما ينبغي أن تكون عليه، فهي قضية حياة أو موت عندهم؛ لأن صلاح الأمة وأجيالها القادمة، بل وصلاح كل أمة في كل زمان ومكان بالسير على شرع الله -تبارك وتعالى- في جوانب الحياة المختلفة؛ فكيف يطيب العيش بغير ذلك؟! وكيف تتقاعس الجهود عن تحقيقه، ونحن قاب قوسين أو أدنى من حصوله؟! والله المستعان.
- ومنها: أن مرشحي حزب النور والدعوة السلفية نرجو أن يكون منهم إخلاص وتجرد، كما هو ظاهر حالهم، ونحسبهم عند الله -تعالى- كذلك، علِمنا ذلك من أحوال أكثرهم كإخوة لنا ودعاة بيننا، وكثير منهم خطباء في المساجد، أمضوا سنينًا طويلة في تعلم العلم وتعليمه، وأفادهم العمل الدعوي ومخالطة أطياف الناس عن طريقه كثيرًا؛ لذا لما قامت الثورة شاهدناهم يخرجون بين الناس ويتفاعلون معهم، محبين الخير لهم، وأظن أن الناس لمسوا فيهم ما عرفناه عنهم، وبات أكثر الناس يعلمون في قرارة أنفسهم أن الدعوة السلفية هي المنهج السليم؛ لذا فهم يثقون بدعاته، ويتلقونهم بالقبول -والحمد لله-.
وقد بلغـَنا: أن البعض منهم كان يرفض ما يعرض عليه من الترشح للبرلمان، مع تهافت الغير عليه، وإنما قبل الترشح بعد إلحاح من إخوته من المسئولين في الدعوة؛ لأنهم يرونه الأنسب لهذا المكان، وأهل له، وأحق الناس به.
وبلغـَنا أيضًا: أن العديد من مرشحي حزب النور كانوا يقدمون إخوانهم المرشحين معهم في القوائم على أنفسهم، فلا يتنافسون على صدارة القوائم، ولا يحرصون عليها، كما أن الجميع يتكاتفون في حملة الحزب الانتخابية بحماس وقوة، ومنهم مَن يعلم أنه لا حظ له في دخول البرلمان؛ لكونه في ذيل القائمة الانتخابية، ولكن فرحته بفوز إخوانه لا تقل عن فرحته بفوزه هو؛ إذ همه الأول إحساسه بثقة الناس في الدعوة ذاتها.
إن مسئولي حزب النور والدعوة السلفية قاموا باختيار مرشحيهم بعناية قدر استطاعتهم؛ لتكون القوائم متوازنة تمثِّل كافة طوائف الشعب: فمنهم الشباب المتحمس، ومنهم كبار السن أصحاب الخبرات والحكمة، فلم يمنع حداثة حزب النور في العمل السياسي أن يشركوا الشباب في قوائمه، ولم يمنعهم كثرة هذا الشباب المرشح أن يكون معهم مرشحين من كبار السن، ومنهم مَن بلغ سن المعاش.
كما تنوع المرشحون ليكونوا من أطياف المجتمع المختلفة، فمنهم: أطباء ومهندسون، ومنهم: أساتذة جامعيون ومدرسون، ومعهم حرفيون وفلاحون وغيرهم.. فكانوا معًا أشبه بباقة متكاملة إذا نظرت إليها وتمنيت أن ترى فيها نوعًا من الزهور وجدته.
- ومنها: أن حزب النور على حداثته وقصر مشاركته في العمل السياسي الفعلي المباشر قد استطاع أن يكتسب في الأشهر القليلة الماضية من خلال التفاعل مع طوائف المجتمع والمصداقية وحسن النية، والهمة العالية والعمل الدءوب ما يحققه الغير في سنوات، وسنوات.. فاختصر بذلك الكثير من طريق العمل السياسي إضافة إلى مخزون أبنائه الكبير السابق، والذي اكتسبوه من خلال العمل الدعوي لسنوات طويلة.
ويظهر ذلك جليًا في نجاحهم الملحوظ في اكتساب ثقة الناس بدرجة ملفتة للأنظار، حتى وُصِف حزب النور بأنه "ولد عملاقًا"، ورأينا الناس يقبلون على مقار الحزب ومؤتمراته في كل مكان، في شمال البلاد وجنوبها، وغربها وشرقها، ولم يعد هناك مَن لا يعرف حزب النور، أو ينكر تجاوب الناس معه -ولله الحمد-.
ولا شك أن التجارب المستقبلية ستزيد أبناء الحزب ورجال الدعوة ثقلاً وثقة؛ لذا نقول بثقة: إن الفائزين من مرشحي الحزب والدعوة السلفية في هذه الانتخابات هم بحق إضافة قوية ومؤثرة للعمل السياسي والعمل البرلماني، يصب بقوة في صالح الاتجاه الإسلامي السائد حاليًا، ويدعمه ويقويه، ويخطو به خطوات للإمام؛ مما يبشر بصلاح البلاد والعباد.
هذا رغم ما تعرض له السلفيون من حملات إعلامية شديدة؛ لتشويه صورتهم، والإساءة لدعوتهم، وتنفير الناس عنهم، ولكنها -بحمد الله- فشلت في تحقيق هدفها، فوجدنا الناس يتجاوبون مع الدعوة بيسر؛ لما عرفوه عنها، ولمسوه بأنفسهم منها.
إن مسئولي حزب النور ورجال الدعوة السلفية لا يتعرضون لغيرهم من التيارات الإسلامية، بل يرون فيهم مساهمة في إصلاح ما يمكن إصلاحه؛ لذا يجب المحافظة على تواجدهم في الساحة، والحفاظ على ما بنوه لا هدمه، خاصة وإن عندهم من التواجد والإمكانيات والقدرات ما لا يستغني التوجه الإسلامي عنه في العمل السياسي.
لهذا كله لم يكن غريبًا أو مفاجئًا أن نرى مرشحي حزب النور والدعوة السلفية يتقدمون الصفوف في أول ظهور لهم مباشر على ساحة العمل السياسي، ويحصد مرشحيه من أول مرحلة للانتخابات المقاعد العديدة داخل البرلمان، وإن كان هذا لم يخطر على بال أحد ويتوقعه قبل شهور قليلة مضت.
ولله الأمر مِن قبل، ومِن بعد.