استراحة على جدران الذاكرة (3) الزمن الجميل

استراحة على جدران الذاكرة (3)
الزمن الجميل

..وبعد أن غاص الجد في أعماق ذاكرته، احتضن الحفيد بين حناياه، والذي ما لبث أن استدفأ بحنانه، وراح

يعبث بأطراف بنانه الدقيقة، في لحيته الشعثاء، وبصوت هامس كالنسمة، وبراءة طفل، تساءل الصغير،

هل كنت صغيرا مثلي يا جدي؟ فتضاحك الجد!! وهزهز الصغير واعتصره، اعتصارة قلب متلهف، وقال له

مداعبا ملاطفا: نعم يا ولدي، كلنا يولد صغيرا ونكبر، وكنت في أحضان جدي، كما أنت اليوم، يحبني كما

أحبك، ويحتضنني كما احتضنك، وبرقت عينا الصغير وقال: احك لي حكاية جدي الكبير يا جدي، فتبسم

ضاحكا من قوله.. وتهلل وبدت مع إشراقة وجهه، خطوط وتجاعيد محفور عليها آثار السنين، كأفلاج

ينساب منها الخير، لتروي ظمأ الصغير، من ذاكرة الزمن الجميل، واستدرك قائلا: كنت أرافق جدك ياولدي،

في أغلب أوقاته، أصطحبه لصلاة الفجر، ثم نجلس وسط بيت العائلة الكبير والمشيد من الطوب اللبن، ذي

الحجرات العديدة الفسيحة، وسقفه المرتفع، والمغطى بأفرع من جذوع النخل، وأعواد الخشب اليابسة

المتينة، يفترشها حصير من جريد النخيل أيضا ويعلوها طبقة من قش الأرز مغطاة بالطين المخلوط بالتبن،

حتى يصبح متماسكا، فيستطيع امتصاص مياه الأمطار، مهما غزرت، ذاك البيت الذي كان يحوي داخله

حظيرة للمواشي، وعشة للطيور، وبتية للأرانب، ويخزن على سطحه محصول الذرة، وصوامع القمح،

ووقود الفرن.

أعود بك يا ولدي حيث يجلس الجد في وسط البيت وها هي الجدة أعدت الموقد من خشب المشمش اليابس

وانتظرت حتى تطرد النار خبثها وتصفو وتنقلها أمام جدي ضاحكة بشوشة في الوقت الذي يكون فيه الجد

انتهى أو كاد أن يختم ورده اليومي من القرآن الكريم.

نستأنس بتلك الجذوات.. من النار في الوقت الذي تكمل جدتي مهمتها اليومية دون كلل أو ملل، وقد أتت

ببعض من أرغفة الخبز المصنوع من الذرة الشامية المخلوط بالشعير والغزير بالخشالة التي تسمى

بـ(الردة) وتقوم بتسخينها على النار ويغمس جدي هذه اللقيمات بالملح الممزوج بالكمون، إلى جانب

القشدة والجبن الفلاحي المملوء بالخير، وكان جدي يلقمني بعضا من هذه اللقيمات، ويمسح على شعري

قائلا: يا ولدي الكمون ينقي الدم ويعقم الفم ويزكي رائحته فكانت وجبة شهية ثم نروى من (القلة) تلك

الفاخورة التي ترشح المياه والمزين حلقها بزهر البرتقال، الذي يكسب الماء إلى جانب عذوبته، رائحة

زكية، ويحمد الله بصوت مرتفع على وافر نعمته (اللهم أدمها نعمة واحفظها من الزوال) وها هي الجدة

تتبادل الدعاء وهي تصب لنا الشاي، في فناجيل صاجية صغيرة، وتحلو المسامرة إلى أن ينبلج الصبح،

فيشير علي الجد أن انهض: هيا يا ولدي لتصبح على أرضك وتسلم عليها وتحمل لها السلام مني، فتفرح

بك الأرض وتهلل لاستقبالك أشجار المشمش.. ولا تنسى يا ولدي أن تستطلع حال مجرى المياه وتتأكد من

سلامة السدود حتى لا تغمر المياه الأرض وتزيد على حاجة الأشجار فتؤلمها، وكن رجلا خشنا في ترتيبك

للسد واخلطه ببعض الحشائش والطمي اليابس حتى لا تغلبه المياه. وعندما تصل إلى مزرعتك أكد على

الحدود، من الجهات الأربع، وعاين الزوايا الحديدية في الأركان، خشية أن يكون الجار قد عبث بها..

واستطلع حال الأشجار.. واحدة تلو الأخرى، كانت يا ولدي هذه رحلتي اليومية الموصولة كل يوم

والبرنامج المكرر الذي كان يسمعه لي جدي كل صباح، إلى أن حفظته عن ظهر قلب، ورغم ذلك كان يعيده

علي. وكنت بدوري أنفذ هذه المهام بالحرف الواحد، إلا شيئا واحدا لم أفهمه، ولم أجده!! الأشجار لم

تضحك!! ولم تستقبلني بالغناء والهتاف والمجرى كذلك!! إلى أن ضقت يوما ورحت أدب الأرض، وأهزهز

أغصان الأشجار، واسألها!! أين ذاك الاستقبال الذي أخبرني عنه جدي؟

وعزمت أن أشكو لجدي من كل شيء، واتهمه أنه يضحك عليَّ وأتمرد على هذه الرحلة اليومية. فرحت في

ذاك اليوم عابس الوجه صامتا، حتى ظن جدي أن مكروها أصابني ، ولكن أومأت له لا.. لا شيء!! ولكنه

ألح ما الخبر يا ولدي؟ وسالت دمعتي وقلت بصوت خفيض لا شيء استقبلني في المزرعة، ولا شيء فرح

بي، وكل يوم انتظر فلا أجد أي مظاهر ترحاب، فتضاحك جدي حتى بدت نواجذه، واحتضنتني جدتي ضاحكة

أيضا، وقالت: يا (قرة عيني) لقد فرحت بك الأرض وباركتك السماء، واستدرك جدي قائلا: عندما تزور

أرضك وترعى مصلحتك بنفسك فتزيل الحشائش أو تقطع فرعا يابسا أو تصلح المجرى فكل شيء يفرح بك

ويأنس بوجودك وينتظرك كل يوم ويحزن عندما يفقدك يوما لأنك تخلصه من أوجاعه كل صباح ولكن

العكس إذا اصطحبت أقرانك ورحت تكسر الأغصان وتخرب في أرضك فهي تكرهك ولا تحب زيارتك وتشكو

وتتألم لكن لا تسمعها. هكذا يا ولدي كل شيء يحب صاحبه الذي يزوره كل يوم فيتعرف على مواطن القوة

فيباركها ومواطن الضعف فيعالجها ان كان صاحب مزرعة أو مصنع أو مؤسسة أو شركة.. أو حتى مسئولا

عن رعية.. يا ولدي: ما (حك جلدك مثل ظفرك فتولى أنت جميع أمرك) لا أفهم كثيرا مما قال جدي ولكني

تبسمت متظاهرا بالفهم لأنه جدي الذي أحبه وأثق في حكمته إلى أن كبرت ووعيت الدرس.

عبدالمعبود الجزار
من أسرة تحرير (الوطن)
Mishmish20007@yahoo.com

هى دعوة الجد أستجابت ؟

ولا كان الجد مابيحملش حفيدة على كتفه؟

ويوم ماربنا حب يعاقبنا

عاقبنا على غلطنا ولا غلطة مين؟

طيب هو ذنبى ايه علشان ماعشتش معاكم ؟

ولا يمكن ربنا بيختبرنى؟

كلما ذكرت هذا الجد تخيلت نفسي بأنني ذلك الحفيد

وتمنيت أن أكون انا هو..

حقا هذا الجد يؤكد لي أن (أعز الولد ..ولد الولد ) كما يقولون.

ولكني عندما أنظر الى كلام الجد وأتعمق معانيه

وأتخيل ذلك الوصف الدقيق ،والحياة متناهية البساطة..

أجد نفسي ذهبت الى هذه الحياة وكأني أعيش الماضي

مع الجد،، ولكني فجأة أفيق على الحاضر

لأجد نفسي في واقع مختلف تماما عن ذلك الماضي..

وأتساءل هل سيستطيع الحفيد أن يعي ويطبق دروس الجد
ويوازن بين ماضي بسيط وواقع معقد!!

وهل سينجح الجد فعلا في أن يوصل ما اراد أن يوصله

للحفيد من معاني بشكل مباشر او غير مباشر؟ :

كالبساطة في التعامل والتواضع ،والاعتزاز بالاصل،،

والرضا بالقليل وبل حمد الله أيضا

على ذلك القليل! ،،وشدة الانتماء لتراب الأرض

والمحافظة على هذا التراب ،،،،،،،،،وغيرها من معاني مثالية..

(لا أعلم.. أجدني مستصعبة الموقف )!!

بل ومشفقه على الحفيد ؛لأنه اذا أراد أن يطبق وصايا الجد

فكيف له أن يفعل ذلك في حاضر لم تعد فيه تلك الطيبة

الماضية ولا البراءة الماضية،،

واقع لا يحمد الله على الكثير فكيف يحمده على القيليل؟؟!!

واقع من الممكن أن يفرط بسهولة في تراب الوطن فكيف سيحافظ على تراب الزراعة؟؟!!

كيف له أن يحقق مبدأ في واقع أساسا انعدم فيه المبدأ؟!

أنا لست بمحبطة،ولا بناقدة على الاطلاق ؛

ولكني أريد أن افكر معكم بصوت عال..

وأريد اجابه :-

كيف لنا أن ندمج بين ماضي بهذه البراءة وواقع بهذه الجراءة؟!

((أسأل الله ( لــي) ـــأقصد للحفيد حب الأمل وطول البال))......

آسفة جدا للاطالة......................

ده اللى كان قصدى اقوله من اسئلتى

طيب الذنب ذنب مين ؟

ذنبنا احنا علشان مش راديين نتواصل ةلا ذنب الجد علشان ((((قطع الوصل)))؟

ده اللى كان قصدى اقوله من اسئلتى

طيب الذنب ذنب مين ؟

ذنبنا احنا علشان مش راديين نتواصل ةلا ذنب الجد علشان ((((قطع الوصل)))؟
_________________

تحياتي للأخ احمد وشكرا على تواصلك واصرارك وصدق عزيمتك ولا تتعجل وننتظر ماذا

تحمل لنا الاستراحات القادمة.

استاذنا انا تحت امرك ومنتظر بشغف

بس كل اللى بيحوم حوالينى شوية زعل ع الايام اللى راحت وياعالم هيجى زيها واحنا عايشين وهنعشها تانى

معلش يا استاذنا كان لازم اطلع اللى جوايا ومنتظر كل الجديد من حضرتك

موضوع: رد: استراحة على جدران الذاكرة (3) الزمن الجميل أمس في 3:14 pm
تتساءل سندريلا:
وهل سينجح الجد فعلا في أن يوصل ما اراد أن يوصله للحفيد من معاني بشكل مباشر او غير مباشر؟ : كالبساطة في التعامل والتواضع ،والاعتزاز بالاصل،، والرضا بالقليل وبل حمد الله أيضا على ذلك القليل! ،،وشدة الانتماء لتراب الأرض والمحافظة على هذا التراب ،،،،،،،،،وغيرها من معاني مثالية.. (لا أعلم.. أجدني مستصعبة الموقف )!! بل ومشفقه على الحفيد ؛لأنه اذا أراد أن يطبق وصايا الجد فكيف له أن يفعل ذلك في حاضر لم تعد فيه تلك الطيبة الماضية ولا البراءة الماضية،، واقع لا يحمد الله على الكثير فكيف يحمده على القيليل؟؟!! واقع من الممكن أن يفرط بسهولة في تراب الوطن فكيف سيحافظ على تراب الزراعة؟؟!! كيف له أن يحقق مبدأ في واقع أساسا انعدم فيه المبدأ؟! أنا لست بمحبطة،ولا بناقدة على الاطلاق ؛ ولكني أريد أن افكر معكم بصوت عال.. وأريد اجابه :- كيف لنا أن ندمج بين ماضي بهذه البراءة وواقع بهذه الجراءة؟! ((أسأل الله ( لــي) ـــأقصد للحفيد حب الأمل وطول البال))...... شكرا لتواصلك وعمق رؤيتك يا سندريلا وسنترك السؤال مطروحا ربما تأتي الاستراحات القادمة بأجابات للكثير من تسؤلاتك. ارجو عدم التعجل

السلام عليكم ...

كلام ولا أروع يلفت الانتباه ..

كل سطر يشدك للسطر الذى يليه ..

تحس بالدفأ وأنت تقرأ الموضوع ..

تندم وتتمنى أن تعيش مثل هذه الايام ..

فى انتظار باقى الاستراحات بشغف ...

دمت مبدعا أستاذ عبد المعبود..

الابن والصديق النشط الاستاذ /احمد مسعد سعدت بمرورك ولطف تعبيرك انت دلوقتي احسن تمسك بالقديم وتطلع للجديد يا أحمد .

على فكرة توقيعك معبر وحاسس اني اعرفك من توقيعك ان لم اكن مخطأ.

دمتم بخير

اذا كان بالتوقيع يا استاذنا
فانا ممكن احط استراحاتك كلها فى توقيعى ......ايه رأيك بقه؟

وتهلل وبدت مع إشراقة وجهه، خطوط وتجاعيد محفور عليها آثار السنين، كأفلاج ينساب منها الخير، لتروي ظمأ الصغير، من ذاكرة الزمن الجميل

كأني أسمع مثل هذه الكلمات أول مرة .. وصف دقيق لا يخرج إلا من مبدع الكلمات .. (تجاعيد محفور عليها آثار السنين)

الله عليك يا أستاذنا ..

عندما تزور أرضك وترعى مصلحتك بنفسك فتزيل الحشائش أو تقطع فرعا يابسا أو تصلح المجرى فكل شيء يفرح بك ويأنس بوجودك وينتظرك كل يوم ويحزن عندما يفقدك يوما لأنك تخلصه من أوجاعه كل صباح ولكن

العكس إذا اصطحبت أقرانك ورحت تكسر الأغصان وتخرب في أرضك فهي تكرهك ولا تحب زيارتك وتشكو وتتألم لكن لا تسمعها. هكذا يا ولدي كل شيء يحب صاحبه الذي يزوره كل يوم فيتعرف على مواطن القوة فيباركها ومواطن الضعف فيعالجها

أدركت الآن معنى هذا الكلام .. أو معنى كلام جدتي .. فمنذ زمن بعيد قالت لي جدتي ما يشبه هذا الكلام ..

ورغم حبي للخضرة واللون الاخضر فربما يضيق بي صدرى من متابعة الأرض .. لا أعلم لماذا ..

والجد الذى كان يرتدى ثوبا من الصوف الخشن وعلى رأسه عمامة ويتكئ على عصى ويهش بها على غنمه وله فيها مآرب أخرى ..

سيخلع هذا عن كاهله ويرتدي (ترينج أديداس وكوتش وكاب) وربما يخلع معها أخلاق الأسلاف .. وهكذا عاهدنا الحياة .. تقل الاخلاق بموت أصحابها ..

ثم يبحث عن ذنوبه يريد خلعها .. فلا تنخلع ..

***

ننتظر المزيد منك أستاذنا الجميل/ عبد المعبود الجزار

تحياتي للأخ الذواق المحترم الاستاذ عمرو امام اللي بيعدي علينا زي نسمة الربيع يلطف الجو

القائظ الحرارة شكرا لمرورك ووضع يدك بفراسة لبعض الرسائل المراد توصيلها من خلال

مدرسة الجدة وشكرا انك امتعتنا بما نحب ان نسمع ونعي من مدرسة الجدة العماراوية المصرية

العربية الاصيلة حين قلت عن لسانها:

أدركت الآن معنى هذا الكلام .. أو معنى كلام جدتي .. فمنذ زمن بعيد قالت لي جدتي ما يشبه هذا الكلام.

متابع جيد لنشاطك في المنتدى ولكل اعضائه وشاكر لهم اخلاصهم وتفانيهم وطموحهم وتنوع

انشطتهم ومناسبتها للصغير والكبير

دمتم بخير

استراحتك يا أستاذي ترغمنا على العودة لأيام الزمن الجميل

تأخذنا من مجالسنا ومن بيوتنا وتطير بنا في عالم من الخيال لنبحر في شواطئ الماضي
ونتنقل بين أغصان الأشجار ونداعب تراب الأرض بأيدينا ونرتمي في أحضان الجد ونستمع إلى كلماته وحكاياته ونأكل معه وننصت لنصائحه ثم فجأة ينقطع بنا الوصال
و نجد أنفسنا أمام شاشة مضيئة نقرأ ما تأتينا به من كلمات
فنتذكر واقعنا ونتيقن أننا هنا ولكنك أبحرت بنا إلى هناك

ويبحر بنا اسلام بنفس المجداف وفي نفس الاتجاه حين يسبح بخياله معنا ويشير بحسه فيترجم لسانه تلك الكلمات:

تأخذنا من مجالسنا ومن بيوتنا وتطير بنا في عالم من الخيال لنبحر في شواطئ الماضي
ونتنقل بين أغصان الأشجار ونداعب تراب الأرض بأيدينا ونرتمي في أحضان الجد ونستمع إلى كلماته وحكاياته ونأكل معه وننصت لنصائحه ثم فجأة ينقطع بنا الوصال
و نجد أنفسنا أمام شاشة مضيئة نقرأ ما تأتينا به من كلمات
فنتذكر واقعنا ونتيقن أننا هنا ولكنك أبحرت بنا إلى هناك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حمد الله بالسلامة يا استاذ اسلام
اسعدنا عبير مرورك وصدق تعبيرك
دمت مخلصا وتقريبا دعوة الاستاذ مختار استجيبت كثرت توقيعاته بالمنتدى يقول:
ادعو معانا اسلام طلعت يرجع
حمد الله بالسلامة يا اسلام

سلمك الله من كل شر

و أعادك إلينا بكل خير

أما عن الإبحار
فلم أكن أًبحر ولكن مُبحَر به
فقد كنت أصف فقط ما فعلته بنا كلماتك واستراحتك
أدمنت قلمك
وأريد المزيد

و عن عودتي
فما عساني أفعل إن دعاني الأستاذ مختار للعودة
لم اكن أملك غير تلبية الدعوة

» عادل عتمان .... رجل من الزمن الجميل
» عم حلمي .. فلاح من الزمن الجميل
» الزمن هو الزمن والارض هى الارض ولكن تغيرت النفوس..!!!!!
» بين جدران قلبى
» استراحة عبد المعبود الجزار