لم يتردد العباطيون في احضار قارب ثاني وثالث ورابع و...........
بعد غرق القارب الأول بمن فيه ممن يريدون البركة،
والموت في سبيل القناعات العباطية المقدسة،
وفي كل مرة يثقبه المنظِّر الأول فيغرق بمن فيه حتى جاء على صناعة الفلك جميعها:
بداية من القوارب الصغيرة وانتهاءً بالمراكب الكبيرة والصنادل واللنشات ودبابات البحر
والفلوكات وأي ناقلات يحملها الماء.
طار خبر عودة العقل المفكر وخلفه ما تبقى من آل عباطة لم يبلعه بحر سيدي خالد،
وكلهم يتوقع أن يأمر ببناء حائط مهدم تحته كنز لأيتام، وقبل أن يصل العمار (أباطيا سابقا)
ونظراً لطمع آل عباطة وفراغة أعينهم،
فقد دخل المفكر الذي أتى على صناعة السفن البلد وما بها من جدار إلا وقد تم هدمه
طمعاً في أن يقيمه المٌنظِّر الأول كما فعل العبد الصالح مع موسى،
لعلهم يستحصلون على الكنز أسفل الجدار الذي سيقيمه المنظر.
وصار آل عباطة كلهم في خيام إيواء ومنازل خشبية وأحواش من البوص،
ولم يأمر صاحبنا الذي لا يُسأل بإقامة أي جدار أو بناء أي حائط.
ولم يتوقف الخراب الذي أحدثه العقل المفكر عند هذا الحد،
ففي يومٍ دامٍ ومشهود في التاريخ العباطي تقدم بو عبتة بين الجموع ،
وبجانبه عبيطوط الصغير تمسك يده اليسرى بيد عبيطوط (44) البضة
وفي يده اليمنى سكينا تلمع في ضوء الشمس ،
وما إن مثل بين يدي هذا الذي أغرق السفن وهدمت البيوت باسمه،
حتى قدم له السكين وطرح الصغير عبيطوط أمامه،
وأشار له أن اذبح الطفل الذي لا يملك غيره، حتى يبدله ربه خيراً منه،
وكانت الطامة حيث لم يتردد العقل المفكر ودون أن ينظر لبراءة المذبوح ،
أعمل سكينه في الرقبة الغضة وسط تكبيرات وتهليلات وحوقلة .
لم يتردد أي أب في تقديم ابنه ليبدله ربه خيرا منه،
وخرج العباطيون في جموع بسكاكين وأطفال وعادوا فرادى ملطخين بالدماء.
وارتفع سن الأطفال شيئا فشيئاً حتى تجاوزوه إلى الشباب والشيوخ ،
وصار الذبح لكبار السن من الرجال وغدت أرض أباطيا مضمخة بدماء رجالها،
ولم يبقَ جنس رجل عليها إلا الرأس المفكر والعبقري الفذ ذو الريال الذي لا ينقطع
وجثة عباطة الأعظم التي يلزم دفنها.
واجتمع النساء وقررن تغسيل وتكفين الأعظم،
على أن يولى المفكر الذي أغرق السفن
وهدمت له البيوت وقتل الرجال الإمامة العظمى نظراً لكونه الرجل الوحيد.
وما إن سحبوا اللحاف الستان من فوق وجه عباطة الأعظم حتى انتفض جالساً ،
وكأنه كان في إغماءة طويلة، أو قادم من عالم آخر ..........................
وعاش الأعظم حياة مديدة بعد ذلك،
أنجب فيها ولداً وحيداً سماه بوعبتة الثاني زوجه من نساء بيض وأرامل سود وبنات شقراوات،
ولم ينجب إلا بوعبتة الثالث ،
وتوفى قبل عباطة الأعظم وهكذا تبدلت شجرة العائلة العباطية إلى نخلة العائلة العباطية
وصارت هذه النخلة من المقدسات العباطية ويحاكم من يشكك فيها أو يقلل من قيمتها ،
ولا تخلو القوانين العباطية من تجريم المساس بشجرة العائلة حينما كانت شجرة
ولظروف خارجة عن إرادة العباطيين تحولت الشجرة بقدرة قادر إلى نخلة(45) ،
وكان ذلك من باب المغايرة ومخالفة الخوارج والمنشقين وأحزاب المعارضة والفئات الضالة.