سقوط (عباطة الثالث) الثالث عشر

يأخذون مواقعهم ويصطفون، تتحرك المقدمة والميمنة ، وتدور الميسرة للمراقبة ، يرفع أحدهم صوته من المؤخرة

" هنفوز هنفوز ... يا شيخ يا عجوز ،،،

حط الكف على الميزان … فريقنا هو الكسبان ،،،

فايزين فايزين .... يا عم حسين "

وكانوا يرددون خلفه بحمية منقطعة النظير .

دارت عيناه إلى اليمين تارة وإلى اليسار أخرى ، تلمس الأسلحة المكدسة : أعواد البوص والبوط والأحجار الدائرية والمسننة والمضلعة بأحجامها المختلفة ،اضطجع على جذع السنطة المائل بجانبه ، تذكر حبات لب البطيخ المحمصة في ( سيالة ) الجلباب اليمنى ، أخرجها ووضعها في فمه دفعة واحدة دون أن يتفحصها ، يقزقزها بشكل آلي ، عيناه من خلف السور المتهدم ترقب تطورات المعركة وتحركات العدو، الأنباء تأتي بسحق الخطوط الأمامية لفريق أولاد أبي علي ، رفع ( الأستيك ) الذي يحفظ عدستي النظارة من السقوط ، وتوقع حرب حامية الوطيس .

صوتهم يأتيه قويا يلهب حماسه ، وتبرق عيناه خلف العدستين

" موشى ديان الغول الغول ... ضرب مراته بطبق الفول "

" موشى ديان الهش الهش ........ضرب مراته بطبق المش "

هو يعلم أن فريق أبي علي لا يوجد بين صفوفه من يكنى موشى ديان ، أبو قورة أحضر اليوم سلاحا جديدا ، أمسكه بكلتا يديه وأوقفه أمامه ، قامطة حديدية لا يتحملها أحد من أولاد (أبو علي) ، لا يمكن استخدامها إلا وقت اللزوم ، انتبه وتوقف عن قزقزة لب البطيخ حين سمع همسا بجواره ، تبينه …..

- قشقش إيه فيه إيه ؟

- محسن بيقولك أي واحد ييجي ... إديه سلاح

- الحرب فين ؟

- عند دوار عزاز

دق قلبه دقات خفيفة ، ووضع يده علي السلاح الجديد واطمأن ، سحب لاسة أبي الغشم ، وربط بوسطه حجرا من صخر الدرع العربي القاسي ، طوحه ليمسح مساحة دائرية حوله على سبيل التجريب ، مد يده ليعد صفقة جديدة من الأسلحة : زلط متوسط الحجم كامل الاستدارة ؛ يمكن قذفه لمسافة تقترب من عشرين ذراعا ، أنقز من البراعم الطرفية للرمان لينة وقاسية تترك أثرا لا بأس به على مؤخرة من يضرب بها ، أكياس تراب ناعمة من رماد البرك التي تشل حركة مستنشقها ، أحس بطمأنينة غير عادية وهو يتفحص عتاده ومعداته . توقف فجأة واستدار دورة كاملة ولم يسعفه نظره الضعيف من تبين ما يحدث حوله .....

- مين ؟ ... مين هناك ؟ .... مين ؟

- عباطة !!!

- إيه ؟ حصل له إيه ؟

- الواد الأطرش ضربه بالطرة على جنبه

- يا سنة مش معدية

لقد تقطعت أوصال المجموعة بخروج عباطة من الساحة ، وكذا انفصلت القيادة عن الصفوف ، فهو حلقة الوصل بين الأجنحة ، وهو الذي يستطيع نقل أخبار تحرك المقدمة والميمنة والميسرة للقيادة في المؤخرة ، عباطة هو الحبل الذي يجمع شمل حبات العقد .

انصرف الجميع وتركوه يضع يده اليمنى على جنب عباطة اليسرى ، ويتحسس الجنب برفق ويسأله عن المكان الذي يؤلمه ، وعباطة لا يرد . رائحة أكياس التراب المنفجرة تزكم الأنوف وتمنع الرؤية بجانب الظلام ، أحس ببصيص أمل حين تلوى الراقد أمامه وتأوه ، دفعته الحالة للتخلي عن موقعه والتقدم للانضمام للصفوف .

لم يعد يتبين ما يحدث حوله بدقة ، الظلام يزداد حلكة ، وزعابيب التراب تنتشر في شكل دوامات هوائية كفساء العفريت ، شيء ما ثقيل يصطدم برأسه ، ويده تمتد دون قدرة على الإمساك بالقامطة الحديدية ، يدور دورة فاقدا وعيه من أثر الصدمة ، وحرب عالمية ثالثة تضع أوزارها .







ما حكاه له بقلة حين زاره مجبرا في المستشفى

بعدما ضربت عباطة، ووقع على الأرض ، تأخرتُ متوارياً خلف باب الدوار ، ورأيتُهم يحملونه ، تتبعتُهم حتى يتسنى لي أن أعرف خباياهم وأماكن تخزين السلاح والتموين ، فرأيتهم يدخلون حوش السنطة ، تلصصتُ حتى وجدتك جالساً ، التصقتُ بالسور حتى انصرفوا ، تقدمتُ منك ظننتُك تراني ، تراجعتُ ونظري على تحركاتك ، حينما ملتَ على عباطة تقدمتُ مرة أخرى أكثر حتى ما كان بيني وبينك مسافة ذراعين ، ثم صوبت ناحيتك قنبلة الألف رطل كما نسميها : زلطة كبيرة ثقيلة قصيرة المدى . بكل قوتي صوبتها إلى وجهك ونظارتك فارتميتَ وفررتُ ، عندها ساعدت الولايات المتحدة الأكراد والشيعة للخروج على النظام وذلك للعمل على تقسيم العراق .

*****************************************

الطرة : آلة حربية بدائية يرجع أصلها إلى الهكسوس، كانت تستخدم في الحروب العباطية الأولى ، مداها سبعون ذراعا ومنع استخدامها في الآونة الأخيرة طبقا لاتفاقية جنيف

دهشة لخيالك و روعته وعجبا لارتباطك وربطك ومسايرتك للأحداث ويالها من عبقرية في استخدام

الأدوات والرموز والشخوص وما اروع تسلسل الاحداث والتحكم في سلاستها وسلسلتها يقيود النص وفنونه والقبض

عليها وعلينا في آن واحد والتحكم في محتوياتنا الداخلية والسيطرة علينا بحيث لا يفوتنا ولا نستطيع

الخروج من الدائرة العباطية التي وضعتنا فيها

رغم انني سعدت بأنني أول من تلقى رحلة السقوط الأولى ولحرصي على ان

اعيشها وأعايشها إلا أنني أحسست أني كفأر مذعور مرتجف هارب بين أعواد الجريد اليابسة متلاحقة أنفاسه في ركن

سقف الحجرة العاتمة

لو نبشت أو تفوهت لأرسل القط الأسود الشرس ناحيتي شعاع عينيه المحرم دوليا وهويت فاقد الوعي تحت قدميه من

المصير الذي عاينته والمنتظر لباقي عائلة آل عباطة

وربنا يستر نحن في انتظار القطفة الثانية

الأستاذ عبد المعبود تلقي أخجلني

تلقي يفوق ما أنجزناه

وربنا يجبر بخاطرك

الله الله الله

أمتعنا ياأستاذ

وحشنا عباطه وآل عباطه

وننتظره منذ زمن بعيد

دم مبدعاً ياأستاذنا الجليل

ماهذا الفكر الراقي عميق النظرة رقيق الأحساس

جسد ماتعيشه أمتنا الاسلامية والعربية وتاريخ الصراع العربي

بل جسد مانعيشه في مجتمعنا الداخلي

وكيف وقع التغيير السئ عندما تحمله أجندة داخلية بأيادي الطامعين فينا

أتسأل دوما يا أستاذنا لماذا حتي الأن لانري أسم الأديب مختار محمود

والشاعر سميح عزت في الاذاعات والتلفاز....

ربما حرمت سنوات أكل العيش مكانة عظيمة لكما بين أدباء المحروسة

أتابع معك مرآة آل عبطة وهي تعكس واقع عربي واجتماعي مرير

ودوما لم يخذلني رهاني يوما ما في كل ماتكتب

شفا الله والدنا "عمي الحاج محمود" وأقر عينك برؤياه وأنت وهو في كامل العافية....اللهم أمين

لامانع من تذكير الكاتب بتكرمه علينا في مواصلة حلقات "كلام عيال"

أحمد عبدالعزيز كتب:

الله الله الله

أمتعنا ياأستاذ

وحشنا عباطه وآل عباطه

وننتظره منذ زمن بعيد

دم مبدعاً ياأستاذنا الجليل

أنتم المبدعون

فقد تلقيتم بود

فاجتهدت طمعا في تعميق أواصر التواصل

احمد فتحي تهامي الهيو كتب:

لامانع من تذكير الكاتب بتكرمه علينا في مواصلة حلقات "كلام عيال"

جزاك الله خيرا على الدعاء لوالدي

أنا لسه عيل وباحب أبويا

وعايزه يديني كرمله وبلح زي زمان

شكرا لكل من شاركنا الدعاء

أما كلام عيال ففيه خروج وتجاوز كبير يرحلني من السعودية

مرورا على سجن جوانتانامو

لما اقرر انتحر هانشر الباقي

شكرا لك

بالرغم من خيبة الأمل التي أصابتنا في عدم استكمال الحلقات

الا أن حرصنا علي التواجد والتواصل أكبر بكثير من رؤية الحلقات نور الشمس

لكن سيظل الأمل يداعبني أن تستكمل حين العودة لأرض الوطن.