محمدعبدالرحمن مشرف المنتدى الاسلامي
عدد الرسائل : 1645 العمر : 45 المكان : مكان ما يكونوا الحالة : متزوج + 2 الهواية : أحلم ببكرة تاريخ التسجيل : 21/03/2010 التـقــييــم : 18
| موضوع: السيدة خديجة من كتاب سيرة أمهات المؤمنين - لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي الثلاثاء 12 أبريل 2011, 2:22 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم قدوتنا جميعاً رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أيتها المرأة المسلمة أختاه لكي بدل القدوة قدوات وكما لنا أمهات لكي أمهات إنهن أمهات المؤمنين
هل قرأت سيرتهن هل إقتديت بهن هل شغلتي بالك بأمهات المؤمنين
إن كانت الإجابة بلا فقد أحسست من واجبي وقد مر من أمامي هذا الكتاب الجميل الرائع لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي انه كما سأقرأه سأعرضه لكي لتقرئي
ولكن إنتبهي فقد أقيمت عليكي الحجة بمجرد قرائة المقدمة أو حتى العنوان ما فات قد فات وأمامك قدوات وسيسألك الله في نفسك وفي أولادك وبناتك في المستقبل ارجو من كل إخواتي ان يستفيدو معي من هذا الكتاب الرائع سأعرض في هذه الصفحة سيرة السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها ثم نعرض لباقي الأمهات في موضوعات وأرحب بأي أخت تتحمل هذا الموضوع عني وتأخذ الكتاب وتعرض منه السيرة أجزاء يومياً بنفس الطريقة
وأنت أخي الكتاب للرجل مثلما هو في المرأة لتتعلم كيف تربي بنتك وكيف تعامل إمرأتك
دعوة للدخول في عالم كله دروس وعبر عالم الواقع وعلم الواقع كفاية مسلسلات لندخل في مسلسلات بيت النبوة ولنتابع معاً
اللهم إنفعنا جميعاً
مقدمة بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .أيها الأخوة الكرام ، بعد أن انتهت دروس أسماء الله الحسنى ، انتظرت أسبوعين لأستأنف دروس هذا المسجد الكريم ، كنت في هذه الفترة في حيرةٍ من أمري ؛ ماذا أعطي بعد الأسماء الحسنى ؟خلصت في النهاية إلى أننا بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى موضوعٍ فقهي ، فأردت أن نبدأ بأصل الفقه ، بآيات الأحكام في القرآن الكريم ، ولمَّا كان هذا الدرس متعلِّقاً أيضاً بالسيرة ، أردت أن أجعل من سيرة نساء الصحابة الكرام ؛ نساء النبي أولاً ، وبنات النبي ثانياً ، ونساء الصحابة الكرام أنموذجاً يُحتذى ، فالمرأة نصف المجتمع ، ولا شيء أبلغ في حياتها كالقدوة الصالحة .لذلك عزمت ـ والله المستعان ـ أن أجعل دروس الإثنين درساً في آيات الأحكام ودرساً في سيرة نساء النبي وبناته والصحابيات الجليلات ، درس سيرة متعلِّق بالنساء فقط ، ودرس فقه متعلِّق بالقرآن ، آيات الأحكام التي هي أصل التشريع ، وأصل كل اجتهادٍ فقهي ، فإن شاء الله نبدأ اليوم بالسيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها . ((كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع ـ من هؤلاء الأربع ـ السيدة خديجة بنت خويلد)) .[أخرجه الطبري في تفسيره عن أبي موسى الأشعري](( خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ)) .[متفق عليه عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]أيها الأخوة ، أريد أن أقول لكم أن المرأة لها شأنٌ كبيرٌ عند الله ، وأنه :﴿ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45)﴾( سورة النجم ) وقال :﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا (13) ﴾( سورة الحجرات ) أقول مرَّاتٍ كثيرة : الرجل حينما ينظر إلى المرأة نظرةً تنخفض عن مكانته هو ، هذا رجل جاهلي ، يمكن أن تسبق المرأة آلاف الرجال .((كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع ـ من هؤلاء الأربع ـ السيدة خديجة بنت خويلد)) .[أخرجه الطبري في تفسيره عن أبي موسى الأشعري]ماذا قال عنها النبي صلى الله عليه وسلَّم ؟ قال :((آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلادَ النِّسَاءِ)) .[أحمد عن السيدة عائشة ]لذلك السيدة عائشة كانت كلَّما سمعت مديحاً من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم عن السيدة خديجة تغار ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ((اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاعَ لِذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُمَّ هَالَةَ قَالَتْ فَغِرْتُ فَقُلْتُ مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْراً مِنْهَا )) .[متفق عليه عن السيدة عائشة ]((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ قَالَتْ فَغِرْتُ يَوْماً فَقُلْتُ مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْراً مِنْهَا قَالَ مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْراً مِنْهَا قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاء )) .[أحمد عن السيدة عائشة ]كان يكرم صواحب خديجة بعد موتها ، لم يشهد التاريخ الإنساني رجلاً أشد وفاءً لزوجته من رسول الله :(( قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاء )) .[أحمد عن السيدة عائشة ]لم يرزقه الله تعالى ولداً ذكراً إلا من السيدة خديجة ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : (( مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ وَمَا رَأَيْتُهَا وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ فَيَقُولُ إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ)) .[متفق عليه عن السيدة عائشة ]الآن إذا تزوج الإنسان امرأة ، ماتت زوجته الأولى فتزوج ثانية ، يتقرَّب إلى الثانية بذم الأولى :(( وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ فَيَقُولُ إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ)) .[متفق عليه عن السيدة عائشة ]لا يوجد أروع من الوفاء أيها الأخوة ، كأن النبي عليه الصلاة والسلام أراده الله أن يكون الزوج الوفي ، آلاف الرجال يتزوَّجون زوجات وهم فقراء ، فإذا اغتنوا تنكَّروا لهذه المرأة التي عاشت معه على الحصير ، تنكَّروا لهذه المرأة التي عاشت معه على الكفاف ، هذه المرأة التي كانت معك ، التي ذاقت قسوة الحياة معك ، يجب أن تذوق حلاوة الحياة معك .سيدنا عبد الله بن عباس ماذا قال عن السيدة خديجة ؟ قال : " كانت خديجة أول من آمنت بالله ورسوله ... " ، أول امرأةٍ على الإطلاق ، أو الأصح من ذلك ؛ أول إنسانٍ آمن برسول الله السيدة خديجة ، الأسبقية لها قيمة كبيرة جداً ، " كانت خديجة أول من آمنت بالله ورسوله ، وأول من صدَّق محمد صلى الله عليه وسلَّم فيما جاء به عن ربه ، وآزره على أمره " . صدقوا أيها الأخوة أن المرأة الصالحة يمكن أن تدفع زوجها إلى مراتب العظمة ، أساساً يقولون : ما من عظيمٍ إلا ووراءه امرأة ؛ تواسيه ، تخفِّف عنه ، تُسهم معه في مشكلاته ، تقف وراءه ، تدفعه إلى البطولة ، تخفف عنه أعباء الحياة ، المرأة الصالحة لا تقدَّر بثمن : (( إِنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ)).[النسائي عن عمرو بن العاص ]قال الله عزَّ وجل :﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(201) ﴾( سورة البقرة ) قال علماء التفسير : " حسنة الدنيا المرأة الصالحة ؛ التي إذا نظرت إليها سرَّتك ، وإذا غبت عنها حفظتك ، وإذا أمرتها أطاعتك " . كان لا يسمع من المشركين شيئاً يكرهه من ردٍ عليه وتكذيبٍ له ، إلا فرَّج الله عنه بها ، أي أنها كانت تواسيه ، فهناك امرأة هي عبءٌ على زوجها ، عبءٌ يضاف على أعبائه ، يُناضل خارج البيت ، يأتي إلى البيت ليجد آلاف المشكلات ، لا يرتاح ، أما المرأة العظيمة الصالحة يدخل الرجل إلى البيت فتنسيه متاعبه خارج البيت ، تخفِّف عنه وليست عبئاً عليه ، كان عليه الصلاة والسلام لا يسمع من المشركين شيئاً يكرهه من ردٍ عليه ، وتكذيبٍ له إلا فرَّج الله عنه بها ؛ تثبته ، وتصدقه ، وتخفِّف عنه ، وتهوِّن عليه ما يلقى من قولٍ ، لذلك كما قال عليه الصلاة والسلام :(( النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ)) . [ الترمذي عن السيدة عائشة ]
يا أيها الآباء ابحث لابنتك عن زوجٍ يليق بها ، يا أيتها الأمهات ابحثن أو اخترن من بين الخاطبين الخاطب الذي يليق بابنتكن ، لأنه إن لم يكن هناك كفاءة فالمشكلة كبيرة .يقول الإمام الذهبي : " السيدة خديجة هي ممن كمل من النساء ، كانت عاقلةً ، جليلةً ، ديِّنةً ، مصونةً ، كريمة " ، الحقيقة إن رأيت عقلاً راجحاً في المرأة فهذا مما يلفت النظر ، إن رأيت عقلاً راجحاً في امرأةٍ تسعد زوجها ، وفوق إسعاده عقلٌ راجح ، ونظرٌ ثاقب ، فهذا شيءٌ يعدُّ ميزةً كبيرةً جداً .أيها الأخوة الكرام ، السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، هي خديجة بنت خويلد بن أسدٍ بن عبد العزَّى بن قصي من الذؤابة من قريشٍ نسباً ، وبيتاً ، وحسباً ، وشرفاً ، يلتقي نسبها بنسب النبي صلى الله عليه وسلَّم في الجد الخامس ، وهي أقرب أمهات المؤمنين إلى النبي ، أي أن أقرب امرأةٍ إلى النبي السيدة خديجة ، كم كان عمرها حينما تزوجها ؟ كانت في الأربعين وكان هو في الخامسة والعشرين ، ما أكثر الشباب الذين يندبون حظَّهم إذا كانت زوجاتهم تقل عنهم سنتين ، كان هو في الخامسة والعشرين وكانت هي في الأربعين ، أي أنها كانت في سن أمه ، ومع ذلك كانت السيدة خديجة أقرب أمهات المؤمنين إلى النبي صلى الله عليه وسلَّم في النسب ، ولم يتزوَّج من ذرية جده قُصي غير السيدة خديجة ، أي أن أقرب امرأة إليه ، وأقربها نسباً إليه السيدة خديجة .قُدَّر لخديجة أن تتزوج مرتين قبل أن تتشرَّف بزواجها من رسول الله ، أي أنها امرأة متزوجة مرتين ، لكنها لم تطلَّق مرتين ، بل مات عنها زوجاها ، أول زوج مات عنها ، والثاني مات عنها ، والله سبحانه وتعالى ـ دققوا في هذا المعنى ـ جعل زوجة النبي الأولى والتي عاش معها ، كم عاش معها ؟ خمساً وعشرين سنة ، رُبع قرن ، كم بلغت من العمر ؟ بالأربعين ، عاش معها إلى الخامسة والستين ، بدأ معها في الخامسة والعشرين ، وصار في الخمسين ، وهي في الخامسة والستين ، أطول فترة أمضاها النبي مع هذه الزوجة الطاهرة ، وكانت في سن أمه ، وكانت أقرب الزوجات إليه .إذاً هل كانت مقاييسه جماليَّة ؟ امرأة في سن أمه ، وعاش معها ربع قرن ، وكانت أحب الزوجات إليه وأكرمها عليه ، إذاً الأسباب ليست جمالية ، الأسباب خُلُق ، عقل ، طُهر ، عفاف ، وفاء ، ولاء ، هذه الأسباب ، الأشياء التي تبقى في الخارج لا قيمة لها كثيراً لذلك ورد أنه :((من تزوج المرأة لجمالها أذلَّه الله)) .[موسوعة الدين النصيحة]سمعت والله البارحة قصة رجلٍ وضع في الوحل ، لأنه آثر الجمال فقط ، ولم يعبأ بشيءٍ آخر ، أول شيء كُتب عليه مبلغٌ فوق الخيال مقدَّماً ومؤخَّراً ، ثاني شيء يوم الدخول لم تكن فتاةً ، ثالث شيء كانت تخونه ، رابع شيء أذلَّته حتى وضعته في الوحل .((من تزوج المرأة لجمالها أذلَّه الله ـ فالجمال مطلوب ، لكن لجمالها فقط ـ ومن تزوجها لمالها أفقره الله ، ومن تزوجها لحسبها زاده الله دناءةً ، فعليك بذات الدين تربت يداك)) .[موسوعة الدين النصيحة]لمجرَّد أن أقول لكم : السيدة خديجة في عمر أم النبي ، وعاش معها ربع قرنٍ ، وكانت أقرب النساء إليه ، وكان وفياً لها أشد الوفاء ، قال : حينما فتح مكة أين نصب راية المسلمين ؟ عند قبر خديجة ، لأنها لم تكحِّل عينيها بالفتح .دققوا في هذه الفكرة ، عند معظم الناس هذه امرأة لا تفهم شيئاً ، حينما فُتحت مكة ، من هذه المرأة التي كانت مع النبي ؟ تحمَّلت معه المُقاطعة ، والأذى ، والتكذيب ، والتضييق ، والتنكيل ، وكانت تصبِّره ، وتخفف عنه ، وتواسيه ، وتثبِّته ، ولم تكتحل عيناها بفتح مكة ، يوم فتح مكة المكرمة نصب راية المسلمين عند قبر خديجة ، كأنه أراد أن يُعْلِمَها بعد موتها أن ها قد فُتحت مكة التي أخرجتنا ، والتي نكَّلت بأصحابنا ، والتي ائتمرت على قتلنا وإخراجنا .قال : قُدِّر للسيدة خديجة أن تتزوج مرَّتين قبل أن تتشرف بالزواج من النبي صلى الله عليه وسلَّم ، مات عنها زوجها الأول ، ومات عنها زوجها الثاني ، وانصرفت رضي الله عنها بعد موت زوجها الثاني عن الزواج ، ورفضت أن تتزوَّج أحداً ممن تقدَّم لخطبتها ، وقد تقدَّم لخطبتها رجالٌ كثيرون كلهم من أشراف مكة ، وكانوا حريصين على نكاحها ، قد طلبوها ، وبذلوا لها الأموال ؛ لشرفها ، ولعقلها ، ولنسبها ، ولجمالها رضي الله عنها ، وقد ألهمها الله تعالى أن ترُدَّ خطَّابها جميعاً ، كي تكون زوجةً لسيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلَّم . بصراحة الإنسان حينما يختار الله له زوجة هذه من اختيار الله له ، هذه هدية الله له ، مكانة النبي العالية اقتضت حكمة الله أن تكون زوجته سيدة نساء العالمين ، هذا من تكريم الله لرسول الله ، فبصراحة إذا إنسان حوله أُناس مستواهم رفيع جداً ، هذا من نِعَم الله عليه ، هذا تكريمٌ له ، وأحياناً يكون حول الإنسان حُثالة ، فكلَّما ارتقت مرتبتك عند الله كان الذين حولك من النُخبة ، وحينما هبطت المرتبة كان الذين حولك من الحُثالة .قيل : هذه السيدة رضي الله عنها انصرفت إلى تثمير مالها ، وتنميتها في حرفة التجارة التي اشتهر بها قومها ، قال تعالى :﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ(1)إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ(2)﴾( سورة قريش ) رحلة في الشتاء إلى اليمن ، وفي الصيف إلى الشام ، ولكونها أنثى ما كانت رضي الله عنها تخرج بمالها مسافرةً ، أي هناك فطرة متغلغلة في الإنسان ، هذه قبل أن تأتي الرسالة المحمدية ، لشرفها ، وكمالها ، وعقلها ما كانت تخرج لتجارةٍ مسافرةً ، ماذا كانت تفعل ؟ تدفع مالها مُضاربةً للرجال ؛ منها المال ، ومن الرجال الجهد ، وأول شركة مضاربة قامت في الجزيرة قبيل الإسلام بين السيدة خديجة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلَّم .قال ابن إسحاق : " كانت السيدة خديجة بنت خويلد امرأةً تاجرةً ، ذات شرفٍ ومال ، تستأجر الرجال في مالها ، وتضاربهم إيَّاه ، بشيءٍ تجعله لهم ، وكانت قريشٌ قد عُرفت بالتجارة ، هذه الزوجة الطاهرة اشتُهرت بأخلاقها الكريمة " .ذكرت مرةً في خطبة أن العالِم الجليل ابن قيم الجوزية قال : "الإيمان هو الخُلُق ، فمن زاد عليك في الخُلُق زاد عليك في الإيمان " ، الصفة التي ترفعك عند الله الخُلُق الحسن ، الصفة التي ترقى بها ، التي تسمو بها ، التي تعدُّ وسام شرفٍ لك عند خالقك الخُلُق الحسن ، لأن الله سبحانه وتعالى حينما أثنى على النبي صلى الله عليه وسلَّم قال :﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4) ﴾( سورة القلم ) قال : هذه المرأة الجليلة اشتُهرت بأخلاقها الكريمة النبيلة ، قال السهيلي : " خديجة بنت خويلد تسمَّى الطاهرة في الجاهلية والإسلام ، وتسمى أيضاً سيدة نساء قريش ، وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة " . قال الذهبي : " هي ممن كمل من النساء ؛ كانت عاقلةً ، جليلةً ، ديّنةً ، مصونةً ، كريمةً " . الأخلاق ليست لها علاقة بالأزمنة ، الأزمنة حديثة ، فيها أثاث فخم ، فيها مخترعات ، فيها أجهزة في البيت ، فيها مركبات فخمة ، فيها طائرات ، فيها حدائق ، فيها معامل ، فيها هواتف ، الأخلاق لا علاقة لها بالعصور ، في أي عصر يوجد أخلاق ، والأخلاق هو الشيء الذي يلفت النظر في الإنسان .أيها الأخوة في كلامٍ طيبٍ حول السيدة خديجة ، الأمين والطاهرة ؛ الأمين رسول الله ، والطاهرة السيدة خديجة ، والحقيقة ليس في الحياة أروع من أن تكون الزوجة على شاكلتك خُلقاً وديناً ، الذي يمزِّق الإنسان أحياناً أن يكون هو في وادٍ خلقيٍ رفيع ، في وادٍ دينيٍ رفيع ، وزوجته في وادٍ آخر ، هذا مما يُشقي الإنسان ، الإنسان إذا وفِّق إلى زوجةٍ طاهرةٍ ، تقيَّةٍ ، عفيفةٍ وفِّق إلى كل شيء .الحقيقة أن كل إنسان له شخصيةٌ يكونها ، وشخصيةٌ يتمنى أن يكونها ، وشخصيةٌ يكره أن يكونها ، فلا بد من قواسم مشتركة بين الزوج وزوجته ، هو أمينٌ وهي طاهرة ، وإن الطيور على أشكالها تقع .نشأ عليه الصلاة والسلام مُتصفاً بكل خُلُقٍ كريم ، مبرَّءاً من كل أمرٍ ذميم ، أدَّبه ربه ، يقول لك : الحياة ربَّته ، معترك الحياة هذَّبه ، له معلِّم جليل ربَّاه ، وتخرَّج من هذه المدرسة الراقية ، كل هذا الكلام في واد وإذا قلنا : إن الله أدَّب النبي ، في مستوى آخر ، كنت أقول دائماً : ((فَضْلُ كَلامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ)) .[الترمذي عن أبي سعيد ]تدخل إلى مكتبة فيها أعظم المجلدات ، كل هذه المكتبة من تأليف بشر ، أما كتاب الله كلام الله :((فَضْلُ كَلامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ)) [الترمذي عن أبي سعيد ]النبي من علَّمه ؟ الله جل جلاله ، إذاً بين علم النبي وبين علم أعلم علماء الأرض كما بين الله وخلقه تماماً ، لأن الله هو المعلِّم ، أما علماء الأرض علَّمهم بشر .الشيء الثالث : أكبر مربي في الأرض إذا ربَّى أعلى تربية ، والنبي ربَّاه ربه جل جلاله ، بين أخلاق النبي وأخلاق إنسان مُربى أعلى تربية كما بين الله وخلقه ، إذاً الله جل جلاله علَّمه وأدَّبه ، لذلك قال أحد الشيوخ لبعض تلاميذه : " يا بني نحن إلى أدبك أحوج منا إلى علمك " ، فالأدب مطلوب ، وكان عليه الصلاة والسلام في أعلى درجات الأدب ، أدَّبه ربه سبحانه وتعالى فأحسن تأديبه ، حينما تُسأل السيدة عائشة عن خُلُق النبي كانت تقول : ((كان خلقه القرآن)) [ مسلم عن عائشة ]حينما يُسأل : ما هذا الأدب الرفيع ؟ يقول :((أدَّبني ربي فأحسن تأديبي)) .[ من الجامع الصغير عن ابن مسعود ]شهد له عليه الصلاة والسلام ربه في القرآن الكريم بكمال الأخلاق فقال :﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4) ﴾( سورة القلم ) شبَّ النبي الكريم والله تعالى يكلأه ، ويحفظه ، ويحوطه من أقذار الجاهليَّة ، والله يوجد في الحياة أحياناً مستنقعات ، مُنزلقات ، بؤَر نتنة ، أماكن لهو قذرة ، علاقات دنيئة ، سقوط مريع ، انهيار خلقي ، إنسان كالدَّابة ، كالخنزير ؛ ويوجد مجتمعات راقية جداً ، بيوت راقية ، مجالس علم راقية ، علاقات إنسانية راقية ، علاقات علمية راقية ، فالإنسان إذا كان في بيئة صالحة ، هذه من نِعَم الله الكُبرى ، لك مسجد ، لك أخوان ، لك جلسة دينية ، إن جلست تتكلَّم عن الله ، تنطق بالحق ، تتحدّث عن القيَم هذه من نعم الله العظمى .مرَّة كنت في افتتاح المسجد كان بجانبي مدير أوقاف الريف ، قلت له : اشكر الله عزَّ وجل على أن الله أقامك على أمور المساجد ، فهناك من يشرف على دور اللهو ، وهو إنسان ، أنت اليوم تفتتح مسجداً ، وغيرك البارحة افتتح ملهىً ، فإذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك .سألني شخص مرة فقال لي : معنى قوله تعالى :﴿ الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ (3)﴾( سورة النور ) هل هناك حالة امرأة غير زانية ، ونكحها زانٍ ؟ من أوجه تفسيرات هذه الآية أن الإنسان إذا رضي بزوجةٍ زانية فهو في حكم الزاني ، وان المرأة إن رضيت بزوجٍ زانٍ فهي في حكم الزانية ، إذاً هي على شاكلته ، لأنها قبلت به .أحياناً الإنسان يرى من ابنه بعض سوء الائتمان ، يقول لك : لا تدقِّق ، معنى هذا أن الأمانة ليست لها قيمة كبيرة عنده ، فأنت ما الذي يزعجك ؟ ما الذي يخرجك من جلدك أحياناً ؟ أن ترى نقيضك ، أما إن رأيت ما يوافقك فلا تكترث كثيراً ، فالمؤمن لا يُعقل أن يقبل بزانية ، والمؤمنة لا يمكن أن تقبل بزانٍ :﴿ وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا (3)﴾( سورة النور ) أي لا يقبل بها إلا إنسانٌ على شاكلتها ، ولو لم يزنِ ، ما دام قد قبل بها زانيةً فهو في حكم الزاني ، والمرأة إن قبلت زوجاً زانياً ، ولو لم تزن فهي في حكم الزانية ، هذا المعنى واقعي .سمعت السيدة خديجة رضي الله عنها بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلَّم ؛ من الصدق والأمانة ، وهي امرأةٌ تاجرةٌ تحتاج إلى الرجل الصادق الأمين لتأتمنه على مالها . يا أخواننا التجار الموظَّف في العمل التجاري يُقبل منه مليون غلطة إلا أن يخون أو أن يسرق : ((يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ)).[ أحمد عن أبي أمامة ] المؤمن لا يكذب ولا يخون والسرقة خيانة ، لكونها تاجرة سمعت به أميناً ، صادقاً . قال ابن إسحاق : " كانت السيدة خديجة امرأةً تاجرة ذات شرفٍ ومال ، تستأجر الرجال في مالها تضاربهم إياه بشيءٍ تجعله لهم منه ، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ـ أخواننا الكرام هذا الذي يضع ماله ليستثمره بربحٍ ثابت هذا نوع من الربا ، أما على شيءٍ تجعل لهم منه ، على نسبةٍ وليس على أجرٍ مقطوع ، وإلا صار هذا نوعٌ من الربا ـ فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ما بلغها ، من صدق حديثه ، وعِظَمِ أمانته ، وكرم أخلاقه ، بعثت إليه ، وعرضت عليه أن يخرج بمالها إلى الشام تاجراً ، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التُجَّار ، مع غلامٍ يقال له ميسرة " .النبي عليه الصلاة والسلام نشأ فقيراً ، فهل الفقر وصمة عار ؟ أبداً لعلَّه وسامُ شرف ، فاللهمَّ صلي عليه كان يتيم ، وكان فقير ، كل إنسان افتقر وأخلاقه عالية ، فله في النبي أسوةٌ حسنة ، بل إن بعض الأحاديث الشريفة ـ التي ذكرتها مرَّةً ـ يقول عليه الصلاة والسلام بعد أن قال له بعض أصحابه : " والله إني أحبُّك " ، قال : " انظر ما تقول " ، قال : "والله إني أحبُّك " ، قال : " انظر ما تقول " ، قال : " والله إني أحبُّك " . فقال عليه الصلاة والسلام : ((إن كنت صادقاً فيما تقول للفقر أقرب إليك من شِرك نعليك)) .[ ورد في الأثر]هذا الحديث يوقع الناس في حيرة ، أي هل الفقر من لوازم الإيمان ؟ الفقر محبَّب للإنسان ، علماءٌ أجلاء فسروا هذا الحديث على النحو التالي : هذا فقر الإنفاق ، فعندنا فقر الكسل ، وهو مذموم ، وعندنا فقر القدر ، وصاحبه معذور ، فيه عاهة تمنعه من العمل ، وعندنا فقر محمود ، وهو فقر الإنفاق ، سيدنا الصديق أعطى كل ماله لرسول الله ، قال : ((يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ قَالَ : أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَه )) .[الترمذي عن عمر بن الخطاب ] صار سيدنا الصديق فقيراً ، لكن فقره فقر إنفاق ، لذلك قال تعالى :﴿ وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (195)﴾( سورة البقرة ) الآية التالية لها معنيان :﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (195)﴾( سورة البقرة ) إن لم تنفقوا :﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (195)﴾( سورة البقرة ) إن أنفقتم مالكم كلَّه ، والمعنيان رائعان .نشأ النبي عليه الصلاة والسلام يتيماً فقيراً ، توفي أبوه عبد الله وهو جنينٌ في رحم أمه ، لذلك دخلت مرةً إلى ميتم ، قرأت قوله تعالى في مدخل الميتم :﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى(6)﴾( سورة الضحى ) والله اقشعرَّ جلدي ، أن سيد الخلق ، وحبيب الحق نشأ يتيماً ، اليُتم صعب ، الأخ غير الأب ، الأب يرحم ، الأخ قد يقسو ، فرقٌ كبير بين الأخ وبين الأب :﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى(6)﴾ ( سورة الضحى ) خرج النبي صلى الله عليه وسلَّم مع عمه أبي طالب إلى بلاد الشام ، وعمره اثنتا عشرة سنة ، ورآه راهبٌ يقيم في صومعةٍ قرب بُصرى يدعى بَحِيرة ، فتفرَّس به مخايل النبوَّة ، وتأكَّد من فراسته حينما رأى خاتم النبوَّة بين كتفيه الشريفين .سمعت من أستاذ في الجامعة متحقق ، وعالج هذا الموضوع معالجة متأنيَّة ، فوجد أن قصة الراهب بحيرة ليس لها أصل جملةً وتفصيلاً ، بعضهم يقول : من الذي علَّمه ؟ الراهب بحيرة ، على كلٍ هذا لا يعنينا ، ولم يرد فيه نصٌ صحيح .عمل عليه الصلاة والسلام برعي الغنم ، وصرَّح بذلك لأصحابه بعد بعثته ، مما يدلُّ على شدة تواضعه ، عمل راعيَ غنم ، أنا لا أعتقد أن في الأرض حرفةً أدنى من رعي الغنم ، انظروا إليه ، في البراري ، في الجبال ، في الوهاد ، مع قطيعٍ من الغنم ، أكثر الأنبياء عملوا في رعي الغنم ، ما التوجيه في ذلك ؟ لأن رعي الغنم فيه وقت فراغ كبير يعطى للإنسان كي يتأمَّل ، الحقيقة الإنسان يعدُّ إنساناً إذا كان عنده وقت فراغ ، فكلُّ عملٍ يلغي وقت فراغك خسارةٌ محقَّقة ، كل عملٍ مهما كان دخله كبيراً إذا ألغى وقت فراغك ، هذا العمل خسارةٌ محقَّقة ، لأنه ألغى سرّ وجودك ، ألغى غاية وجودك ، ألغى هويَّتك ، الله عزَّ وجل وصف هؤلاء فقال :﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) ﴾( سورة المدثر ) لو ذهبت إلى شرق الدنيا أو إلى غربها ، لرأيت أن هذه البلاد ورشة عمل ؛ بلا كلل ، ولا ملل ، ولا راحة ، ولا استراحة ، ولا حياة ، ولا روحانيَّات ، ولا اتصال بالله ، ولا يقظة ، غفلة ، عمل مستمر حتى الموت ، العمل جيد لكن لكل شيءٍ إذا ما تم نقصان ، الإنسان لا يجب أن يكون عبداً للعمل ، أن يكون العمل وسيلةً في خدمته .سيدنا عمر وهو على المنبر كان يخطب ، قطع الخطبة بلا مبرّر ، وقال : " يا عُمير كنت راعياً ترعى على قراريط لبني مخزوم " ، وأكمل الخطبة ، شيء غريب ، ليس هناك داعٍ لقطع الخطبة ، وهذا الكلام لا علاقة له بالخطبة ، فلما نزل سُئل : " يا أمير المؤمنين لمَ قلت ما قلت ؟ " ، قال : " جاءتني نفسي فقالت لي : أنت أمير المؤمنين ، ليس بينك وبين الله أحد ، أردت أن أعرِّفها حدَّها ـ حجمها ـ " ، قال : " يا ابن الخطاب ، يا عمير كنت راعياً ترعى الإبل على قراريط لأهل مكة " ، قال : " أردت أن أعرِّف نفسي حدَّها " . ((مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً إِلا رَعَى الْغَنَمَ فَقَالَ أَصْحَابُهُ : وَأَنْتَ . فَقَالَ : نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ)) .[ البخاري عن أبي هريرة ] تجد إنساناً يستحي من ماضيه ، يعتِّم عليه ، لكنني أرى أن الإنسان إذا ذكر ماضيه المتواضع رأى نعمة الله عليه ، قال لي رجل غني جداً : كنت عندما آكل في بيت أهلي الزعتر أضع قطعة الخبز على صحن الزعتر ، فإذا ضغطت قليلاً أُضرَب من والدي ، لا تضغط كثيراً " ، كان فقيراً إلى هذه الدرجة ، أي إذا ضغط على صحن الزعتر قليلاً معنى هذا في إسراف ، فيُضرب ، ثم صار شخصاً غنياً ، الإنسان إذا اغتنى يجب أن ينظر إلى ماضيه ، وإلى نعمة الله عليه .رجل يعد في بعض البلاد أول تاجر خضراوات ، قال لي : أنا عندي أربعين أو خمسين براد ـ أسطول ـ ينتقل عبر البلاد لنقل الخضراوات ، عنده برادات تكفي لبلاد بأكملها ، قال لي : كنت عتالاً ، لكن والله ما فاتني فرض صلاة بحياتي ، ولا أعرف الحرام أبداً ، أنا أكبرت فيه تواضعه ، قال لي : " كنت عتَّالاً لكن ما فاتني فرض صلاة في حياتي ، ولا أكلت قرشاً حراماً ، ولا أعرف الحرام " .سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم حينما أصبح في الخامسة والعشرين من عمره اتجه إلى العمل بالتجارة كسائر رجال قريش ، تذكر الروايات عن نفسية بنت مُنية قالت : " لمَّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم خمساً وعشرين سنة ، وليس له بمكة اسمٌ إلا الأمين لما تكامل فيه من خصال الخير ، قال له أبو طالب : يا ابن أخي أنا رجلٌ لا مال لي ، وقد اشتدَّ الزمان علينا ، وألحَّت علينا سيول مُنكرة ، وليست لنا مادةٌ ولا تجارة ، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام ، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالاً من قومك في عيرها " .أقف قليلاً هنا ، النبي كان فقيراً ، ليس فقيراً فحسب ، بل أُمر أن يذهب ، أن يسافر ، " يا ابن أخي أنا رجلٌ لا مال لي ، وليست لنا مادةٌ ولا تجارة ، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام ، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالاً من قومك في عيرها ، فيتجرون لها في مالها ، ويصيبون منافع ، فلو جئتها وعرضت نفسك عليها ، لأسرعت إليك ، وفضَّلتك على غيرك لما بلغها عنك من طهارتك ، وإن كنت أكره أن تأتي الشام ، وأخاف عليك من اليهود ، ولكن لا نجد من ذلك بُدَّاً " ، أي اذهب واطلب منها أن تسافر إلى الشام بتجارةٍ لها .قال : غلب على النبي الكريم حياؤه وعزة نفسه ، فقال لعمه أبي طالب : " لعلَّها ترسل إليَّ في ذلك ، ثمة إنسان نفسه غالية عليه ، لا يطلب ، لا يلح في الطلب :((ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير .))[ابن عساكر عن عبد الله بن بسر بسند ضعيف]لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ، فالنبي الكريم غلب عليه حياؤه وعزة نفسه فقال لعمه أبو طالب : " لعلها ترسل إليَّ في ذلك " ، فقال أبو طالب : " أخاف أن تولي غيرك فتطلب الأمر مدبراً " . أي أن تفوتك الفرصة ، فافترقا ، وبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له ، وقبل ذلك ما كان من صدق حديثه ، وعظم أمانته فقالت : " ما علمت أنه يريد هذا " ، ثم أرسلت إليه فقالت : " إنه دعاني إلى البعث إليك ما بلغني من صدق حديثك ، وعظم أمانتك ، وكرم أخلاقك " . في تعليق لطيف : هذا سيد الرسل ، سيد الأنبياء ، وسيد ولد آدم ، وسيكون نبياً عظيماً ؛ طالب عمل ، يستحي أن يطلب هذا العمل ، قال له : أنا أستحي إن أرسلت إلي ، فالإنسان لا يولد عظيماً ، الله عزَّ وجل يمتحنه ، يمرِّره بأطوار وأطوار ، هذا الذي يستحي أن يطلب منها أن يسافر إلى الشام ، وهي ليس عندها علم ، وقال له عمه : " لعلها تطلب غيرك فيفوتك الأمر " ، قالت له : " إنه دعاني إلى البعث إليك ما بلغني من صدق حديثك ، وعِظَمِ أمانتك ، وكرم أخلاقك ، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلاً من قومك " ، يبدو أنها أكبرت فيه أمانته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :((الأمانة غنىً)) .[الجامع الصغير عن أنس ] أخواننا الكرام ، عندي قصص والله ، الأمناء يصلون إلى قمم المجد ، إيَّاك أن تخون ، إيَّاك أن تكذب ، لأنه أمينٌ وصادق أعطته ضعف ما تُعطي قومها من الأجر ، ففعل عليه الصلاة والسلام ، ثم لقي عمه أبا طالب فذكر له ذلك ، فقال : " إن هذا لرزقٌ ساقه الله إليك " ، بالمناسبة هناك أخوان كثر يتأبَّون عن شيء ساقه الله إليهم :((إذا فتح لأحدكم رزق من باب فليلزمه)) .[ من زيادة الجامع الصغير عن السيدة عائشة ]إنسان عرض عليك مساعدة ، عرض عليك أنْ يغيِّر وضعك ، من وضع إلى وضع ، فثمة شخص يتأبَّى بلا سبب ، كِبر ، لا ، فإذا عرض عليك شيء من دون طلب ، ولا استشرافٍ ، ولا شرطٍ ، فرددته فكأنما رددته على الله ، ماذا قال له أبو طالب ؟ " هذا رزقٌ ساقه الله إليك " ، وخرج النبي عليه الصلاة والسلام مع غلامها مَيْسَرَة ، وقالت خديجة لميسرة : " لا تعص له أمراً ، ولا تخالف له رأياً " ، لا بد من قائد واحد .وفي درسٍ قادم إن شاء الله نتحدَّث عن خبر هذه الرحلة التجارية الأولى ، التي تمَّت بين النبي عليه الصلاة والسلام ، وغلام السيدة خديجة ميسرة ، وكيف أن هذه الرحلة كشفت أخلاق النبي الكريم ، وسُمَّي السفر سفراً لأنه يُسْفِرُ عن أخلاق الرجال .أيها الأخوة الكرام ، هذه القصص التي جرت مع سيِّد الخلق هي دروس ، والمواقف مُثُل عُليا ، أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها . | |
|
الطير الباكي عماري أصيل
عدد الرسائل : 3085 العمر : 36 المكان : .. الحالة : .. الهواية : .. تاريخ التسجيل : 10/08/2007 التـقــييــم : 0
| موضوع: رد: السيدة خديجة من كتاب سيرة أمهات المؤمنين - لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي الأربعاء 13 أبريل 2011, 11:39 am | |
| جزاك الله الجمه ياستاذ محمد | |
|
محمدعبدالرحمن مشرف المنتدى الاسلامي
عدد الرسائل : 1645 العمر : 45 المكان : مكان ما يكونوا الحالة : متزوج + 2 الهواية : أحلم ببكرة تاريخ التسجيل : 21/03/2010 التـقــييــم : 18
| موضوع: رد: السيدة خديجة من كتاب سيرة أمهات المؤمنين - لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي الأربعاء 13 أبريل 2011, 1:16 pm | |
| زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام مع الدرس الثاني من دروس سير الصحابيَّات الجليلات ، رضوان الله عليهم ، ومع أم المؤمنين الأولى السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها .
وصلنا في الدرس الماضي إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مع غلام خديجة رضي الله عنها ميسرَة ، وقالت السيدة خديجة لميسرة : " لا تعص له أمراً ولا تخالف له رأياً ".
لو وقفنا عند ميسرة قليلاً ، لا نجد لهذا الاسم ذكرٌ بين الصحابة ، يرجِّح كُتَّاب السيرة أنه توفي قبل البعثة ـ ميسرة غلام خديجة ـ فقد رافق النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة التجارية ، إذ كان النبي أول مضاربٍ في الإسلام ؛ هو بجهده وخديجة بمالها .
هذا هو الطريق المشروع لاستثمار المال ، أن يكون هناك إنسانٌ لا يستطيع أن يستثمره لكبر سنه ، أو لبُعده عن جو التجارة ، أو لصغر سنه ، أو لانشغاله ، فيأتي شابٌ في مُقتبل الحياة بأمس الحاجة إلى المال ولا يملكه ، يملك الخبرة ، ولا يملك المال ، فإذا تعاون هذا المال مع تلك الخبرة انتفع الطرفان ، دون أن يكون أحدهما عبئاً على الآخر ، لذلك هذا هو الطريق المشروع لتنمية الأموال ، ولكن الذين أساؤوا استخدام هذا البند من الشرع ، أساؤوا إساءةً كبيرةً جداً وقوَّوا مركز البنوك ، حينما أساؤوا هذا الأسلوب الشرعي النظيف ، الواضح ، المتوازن .
لذلك يعد النبي عليه الصلاة والسلام أول شريكٍ مضاربٍ في الإسلام هو بجهده وخديجة بمالها .
ميسرة حينما سار مع النبي وتتبع تصرفاته ، وأخلاقه ، ومواقفه ، وسَمْتَهُ ، واتصاله بالله عز وجل ، أعجب به أيما إعجاب ، أعجب من حسن معاملته ، أعجب من صدق حديثه ، دُهِشَ بما رأى من خوارق عجيبة .
نحن نسميها للمؤمن كرامات ، فعلماء التوحيد يسمونها للأنبياء معجزات ، أي أنك حينما تقبل على الله ، حينما تخلص له ، حينما يحسن عملك ، حينما تصفو نيَّتك ، حينما تقدِّم كل ما تملك في سبيل الحق ، لا بد أن يريك الله بعض الكرامات ، بعض خرق العادات ، هو إشعارٌ من الله بالقبول ، إشعارٌ من الله بالمحبة .
لذلك عندما يشتد الحر في الهاجرة ، كانت تأتي غمامةٌ تظلل النبي صلى الله عليه وسلم ، وتحجب عنه أشعة الشمس ، لذلك الذين يمدحون النبي عليه الصلاة والسلام ، يصفونه بأنه مظللٌ بالغمام ، هذه من الخوارق التي أكرم الله بها نبيه .
تروي الروايات أن راهباً من رهبان الصوامع في بلاد الشام يدعى نسطوراً دنا من النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبَّل رأسه ، وقدميه ، وقال له : " أشهد أنك الذي ذكره الله في التوراة " ، لأنه رآه مظللاً بالغمام .
لحكمةٍ أرادها الله ، وبتوفيقٍ من الله عز وجل ، يسَّر الله للنبي هذه التجارة ، وربحها ربحاً وفيراً ، وعاد ميسرة إلى السيدة خديجة رضي الله عنها فحدثها بما رأى .
تعليقي على هذا الموقف أن الإنسان كلما كبُر لا يمدح نفسه ، أو لا يستجدي المديح ، عمله ينطق عنه ، الإنسان إذا كان عند الله كبيراً فهو غنيٌ عن أن يستجدي مديح الآخرين ، غنيٌ عن أن يعرض عضلاته ، وإمكاناته ، وقدراته ، وما توصَّل إليه ، وماذا فعل؟ وكيف عامل الناس ؟ دع الناس تتحدث عنك ، دع الناس يتحدثون عنك لأن الحق أبلج ، والناس لهم عيون ولهم آذان ، ويرون :
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا(49) ﴾
( سورة النساء )
هل ورد عن النبي أنه مدح أمانته ؟ مدح صدقه ؟ تحدث عن خبرته في التجارة ؟ لا لكن ميسرة رأى كل شيء ونقل كل شيء ، ولأن الله هو الحق ، إذاً هو الذي يظهر فضائل الناس ، يظهرها ألم تقرأ قوله تعالى :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا (38) ﴾
( سورة الحج )
الإنسان ليجهد أن يضع نفسه في الظل ـ أو في التعبير الحديث في التعتيم ـ إن وضع نفسه في الظل الناس يتحدثون عن فضائله ، لأنهم رأوها رأي العين ، يتحدثون عنها ، أما أنت إذا تحدثت عنها ، كان حديثك عنها ثقيلاً ، قيل : رقصت الفضيلة تيهاً بفضلها فانكشفت عورتها ، اجهد أن تتحدث عن الله ورسوله وأوليائه دون أن تسلِّط الأضواء على نفسك .
في هذه الرحلة ما تكلم النبي كلمةً عن نفسه أبداً ؛ ولكنه كان صادقاً ، أميناً ، عفيفاً ، محباً ، حكيماً ، كل هذه الفضائل رآها ميْسرة ، وأخبر بها خديجة ، هناك أُناسٌ همهم أن يتحدَّثوا عن أنفسهم ، وكما تعلمون ، كلمة أنا ، ونحن ، ولي ، وعندي ، هذه أربع كلماتٍ مهلكات ، أنا ، ونحن ، ولي ، وعندي :
﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ (12) ﴾
( سورة الأعراف )
قالها إبليس فأهلكه الله .
﴿ نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ (33) ﴾
( سورة النمل )
قالها قوم بلقيس فأهلكهم الله .
﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ﴾
( سورة القصص الآية : 78 )
قالها قارون فخسف الله به وبداره الأرض .
﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾
( سورة الزخرف : من آية " 51 " )
قالها فرعون فأغرقه الله عز وجل ، لا ترَ لك عملاً ، رحمة الله أوسع من عملك من أدعية النبي له الصلاة والسلام :
(( يا رب مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجى لي من عملي )).
[الحاكم عن سيدنا جابر]
وبالطبع ميسرة حدَّث سيدته خديجة بما رأى من أحوال النبي العجيبة ، وأخلاقه الكريمة ، وشمائله الرفيعة .
تذكر بعض الروايات أن السيدة خديجة رأت الغمامة بنفسها ، وهي تظلل النبي صلى الله عليه وسلم عندما رجع إليها ، وكانت جالسةً في غرفة عالية مع بعض نساء قومها .
السيدة خديجة أرادت أن تتثبت من فكرةٍ ترددت في نفسها ، فذهبت إلى ابن عمٍ لها ، فهذا إنسان غير طبيعي ، إنسان ليس له مثيل ، هذه الغمامة ، آيةٌ من آيات الله ، وكأنه إنسان مهيَّأ لشيء كبير ، أرادت أن تتثبت بنفسها فذهبت إلى ابن عمٍ لها يُدعى ورقة بن نوفل وكان قد تنصَّر ، وقرأ كُتب أهل الكتاب ، فذكرت له ما أخبره ميسرة من شأن النبي ، فقال لها : " لئن كان هذا حقاً يا خديجة فإن محمداً لنبيُّ هذه الأمة ، وعرفت أنه كائنٌ لهذه الأمة نبيٌ ينتظر وهذا زمانه " ، أي أن ورقة بن نوفل أبلغ السيدة خديجة ابنة عمه أن لهذا الإنسان كما تذكرين شأناً كبيراً ، ولعله نبي هذه الأمة .
الدلائل التي تسبق البعثة ، سماها علماء السيرة إرهاصات ، الإرهاصات معجزات ، ولكنها قبل البعثة ، كأنها إشارات مبكِّرة إلى أن هذا الإنسان سينتظره شأنٌ كبير .
بالطبع السيدة خديجة رأت من أمانته ، ومن كرمه ، ومن صدقه ، ومن عفَّته ، ومن استقامته ، ومن خوراق العادات الشيء الكثير ، فكان قلبها متعلِّقاً بالنبي ، وقد امتلأ حباً له ، وإعجاباً به عليه الصلاة والسلام ، وكيف لا تحبه وهو أكمل الناس خَلقاً وخُلقاً ؟
وأحسنُ منك لم تر قط عيني وأكمل منك لم تلد النساءُ
خلقـت مبرأً مـن كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاءُ
***
أيها الأخوة الكرام ، من زاد عليك في الخُلق زاد عليك في الإيمان ، لأن الإيمان حُسن الخلق ، وما مُدِحَ النبي بمدحٍ أبلغ من قول الله عز وجل :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4) ﴾
( سورة القلم )
هو أكمل الناس خَلقاً وخُلقاً ، وأنضر الشباب وجهاً ، وأكملهم رجولةً ، ولكن أين السبيل إليه ؟ وما هي الوسيلة التي تقرِّبها منه ؟ كيف تجعله يفكر في الزواج منها ويتقدم لخطبتها ؟ وقد جرت أعراف الناس وتقاليدهم أن تكون المرأة هي المَخطوبة لا الخاطبة ، المطلوبة لا الطالبة ، الآن الآية معكوسة ، هي تبحث عن طريقٍ تصل إليه ، الشيء الذي أدهشها أنها ما لاحظت من النبي صلى الله عليه وسلم أنه يفكِّر في الزواج ، ولم تر منه عليه الصلاة والسلام أي التفاتٍ إلى النساء ، ولم تر بصره يرتفع إلى وجهها ، وهذا شأن العفيف ، فلا يملأ عينيه من محاسن المرأة ، ولا ينظر إلى وجهها ، لك أن تكلِّمها ، ولك أن تخاطبها من دون أن تملأ عينيك منها ، والأنثى تعرف بالضبط من نظرة الرجل ما إذا كان عفيفاً ، أو كان شهوانياً ، أدركت أنه بعيدٌ عن جو النساء ، ولا شك أن المرأة تستشعر هذه الحالة بشكلٍ دقيق .
قد دلت بعض الروايات أيها الأخوة أنه ما كان في ذلك الوقت يفكِّر في الزواج إطلاقاً ، لا من خديجة ، ولا من غيرها ، بسبب قِلَّة ما في يديه من المال ؛ وهو سيد الخلق ، وحبيب الحق ، فإذا كان الشاب من الشباب الطيبين المؤمنين ، ألا تتزوج ؟ والله لا يوجد معي شيء ، له في هذا النبي أسوةٌ حسنة ، سيد الخلق ، وحبيب الحق لا يوجد معه ، ما دام لا يوجد شيء إذاً لا يفكر في الزواج إطلاقاً ، أحياناً الفقر مع العفة يخلق بطولات ، حتى إنهم قالوا : الحُزن خلاَّق ، أكثر الفضائل لا تظهر مع الغنى ، بل تظهر في الفقر ، شاب في ريْعان الشباب ، وسيم ، وجهه كالبدر ، قوي ، لا سبيل إلى الزواج .
ذكر الزُهري في سيرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة ليتحدث معها ، فلما قام من عندها جاءت امرأةٌ فقالت : خاطباً يا محمد ؟ قال : كلا ، قالت : ولمَ ؟ فو الله ما في قريشٍ امرأةٌ إلا تراك كفئاً لها ، قال لها : كلاَّ ، أما كلمة كلاَّ فقد ملأت قلب السيدة خديجة حزناً ، كلا ، أي لا أريد الزواج .
ثم سمعت من هذه المرأة أن أيَّة امرأةٍ في قريش تراه كفئاً لها ، حتى إن الفقهاء وصلوا إلى أن أي طالب علمٍ شرعي كفءٌ لأية امرأةٍ كائنة من كانت ، في بحث الكفاءة استثناء ، طالب العلم الشرعي ؛ هذا الإنسان المؤمن ، المستقيم ، الذي يخشى الله ، الذي يحب الله ، هذا بأخلاقه الرضيَّة ، وبعلمه ، وباستقامته ، وبحسن خلقه ، هذا كفءٌ لأي امرأة .
لذلك السيدة خديجة حزنت حينما قال : كلا ، وفرحت حينما اطمأنت أن كل امرأةٍ في قريش تتمنى أن يكون محمدٌ زوجاً لها .
اتفقت الروايات على أن السيدة خديجة رضي الله عنها هي التي خطبت النبي .
نحن نوسع الموضوع قليلاً : المؤمن يخطب ود الله عز وجل ، المؤمن لا يعنيه شيءٌ إلا أن يرضى الله عنه ، فهذه امرأةٌ رأت من فضائله ، وكماله ، ونزاهته ، واستقامته ، وأمانته ، وصدقه ، وعفافه الشيء الكثير ، فالآية عكست ، هي التي تخطبه ، تبحث إلى وسيلةٍ إلى قلبه .
قال : اتفقت الروايات على أن السيدة خديجة هي التي خطبت النبي صلى الله عليه وسلَّم لتتشرف بالزواج منه ، وأنها هي التي مهَّدت بإجراءات الخطبة ، وتجاوزت بهذا كل الأعراف والتقاليد التي تجعل الرجل هو الخاطب ، الذي يتقدَّم لخطبة امرأة ، ولها كل العُذر في ذلك ، فمثل النبي تخطبه النساء ، وما من امرأةٍ إلا تتمناه لنفسها زوجاً ، وتبذل كل ما تستطيع لتصبح زوجةً له .
تعليق متعلق بحياتنا اليومية : الشاب المؤمن إذا تزوَّج ابنتك لن يظلمها ، لن يخونها ، لن يُهملها ، لن يقسو عليها ، زوِّجها لمؤمن ، إن أحبها أكرمها ، وإن لم يحبها لم يظلمها ، الزواج رِق ، فلينظر أحدكم أين يضع كريمته .
ذكرت بعض الروايات أن السيدة خديجة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم ، وصرَّحت له برغبتها أن تكون زوجةً له ، هذه رواية ، وذكرت رواياتٌ أخرى أنها أرسلت إليه بعض النساء لكي يتكلَّمن معه في موضوع الخطبة .
بل إنه من الممكن أن نجمع بين هذه الروايات كلها : تحدثت السيدة خديجة مع بعض خاصَّتها من النساء عن أمنيتها ، ورغبتها في أن تصبح زوجةً للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكان الحديث مع صديقتها نفيسة بنت مُنَيَّة ، وطلبت منها أن تساعدها في تحقيق رغبتها ، وقامت بالدور المهم في التمهيد لهذه الخطبة المباركة ، وتحدثت أيضاً لأختها هالة بنت خويلد ، وكلَّفتها بالمهمة نفسها .
أما هالة فذكرت بعض الروايات أنها تحدَّثت مع عمار بن ياسر ، ويبدو أن عمَّاراً الذي قال : مررت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بأخت خديجة فنادتني ، فانصرفت إليها ووقف لي رسول الله ، فقالت : أما لصاحبك هذا من حاجةٍ في تزوِّج خديجة ؟ فقال عمار : فأخبرته ، فقال عليه الصلاة والسلام : بلى .
الإنسان إذا عُرِضَ عليه شيء لا يتأبَّى عنه ، من كمال الأخلاق إذا إنسان عرض عليك خير ؛ عمل ، زواج ، وكان شيء مقبول وجيد ، لا تتكبَّر ، لا تتأبَّى ، هذا تواضع من الإنسان .
أما نفيسة فقد روى ابن سعد عنها أنها قالت : " كانت خديجة بنت خويلد امرأةً حازمة جادةً شريفة مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير ، وهي يومئذٍ أوسط قريشٍ نسباً ، وأعظمهم شرفاً ، وأكثرهم مالاً ، وكل قومِها كان حريصاً على نكاحها لو قدر على ذلك ، قد طلبوها وبذلوا لها الأموال ، فأرسلتني " .
تقول نفيسة : فأرسلتني دسيساً إلى محمد ـ كلفتني بمهمة ـ بعد أن رجع من عيرها في الشام فقلت : " يا محمد ما يمنعك من أن تتزوج ؟ " فقال عليه الصلاة والسلام : "ما بيدي ما أتزوج به " ، قلت : " فإن كُفيت ذلك ، ودُعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاءة ألا تجيب ؟ " ، قال : "فمن هي ؟ " ، قلت : " خديجة " ، قال : " وكيف لي بذلك ؟ " قالت : " قلت علي " ، قال : " فأنا أفعل إذاً " .
لما علمت رضي الله عنها برغبة النبي صلى الله عليه وسلم بما أُرْسِلَت إليه ، وعرضت نفسها عليه ، وبيَّنت له الدوافع التي دفعتها إلى الزواج به ، فقالت : " يا ابن عم ، إني قد رغبت فيك لقرابتك ، وصفتك في قومك ـ أنت وسطٌ في قومك ، إنسان كامل ـ وأمانتك ، وحسن خُلُقِك ، وصدق حديثك " ، ولم تذكر رضي الله عنها أي دافعٍ آخر ، ولم تذكر ما ترجو من شأنٍ كبير حينما تكون زوجة رسول الله ، لأنها علمت من ابن عمها أن لهذا الإنسان شأنٌ كبير ، هذه أمور غيبية مستقبلية لا يمكن الجزم بها ، يوجد عقل ، الشيء الثابت أنه ذو خلقٍ عظيم ، شمائل رفيعة ، كرم ، استقامة ، صدق حديث ، أمانة .
تحدث النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب في موضوع الخطبة ، وزواجه بالسيدة خديجة ، وأخبره بما حدث معه ، فوافق عمه على أن يتقدَّم لخطبتها ، وذهب عمه مع عشرةٍ من وجوه بني هاشم إلى عمها عمرو بن أسد ، فخطبها منه ، فزوجه ، وقال : " هذا الفحل لا يُجْدَعُ أنفه " ، أي لا يرد طلبه .
الآن تستمعون أيها الأخوة إلى الكلمة التي ألقاها عمه أبو طالب ، هذه يسميها العلماء خُطبة النكاح ، الخِطبة أن تخطب امرأةً ، الخُطبة أن تلقي خُطبة ، هذه خُطبة النكاح ، يقول أبو طالب :
الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل ، وجعلنا حضنة بيته وسوَّاس حرمه ، وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً ، وجعلنا حُكَّام الناس ، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله ، لا يوزن به رجلٌ إلا رجح به ؛ شرفاً ، ونُبلاً ، وفضلاً ، وعقلاً ، وإن كان في المال قِلٌ فإن المال ظلٌ زائل ، وأمرٌ حائل ، وعاريةٌ مسترجعة ، وهو والله بعد هذا له نبأٌ عظيم ، وخطرٌ جليل ، وقد خطب إليكم رغبةً في كريمتكم خديجة ، وقد بذل لها من الصداق حكمكم ـ أي ما تريدون ـ عاجله وآجله اثنتا عشر أوقيةً ونَشَّاً ـ النَش من العملة المستعملة وقتها ـ هذه خطبة النكاح .
تحدث عن الخاطب ، عن أخلاقه ، عن نسبه ، عن شرفه ، عن مكانته ، وتحدَّث عن الزوجة المخطوبة ، عن كرمها ، وعن عظيم أخلاقها ، ثم تحدث عن المهر .
هذا المقدار أيها الأخوة مقدار المهر ، يتفق مع ما جاء في الحديث الصحيح ، أن أبا سلمة بن عبد الرحمن سأل السيدة عائشة رضي الله عنها :
((كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : كان صداقه لأزواجه اثنتا عشرة أوقيةً ونَشَّا ـ الأوقية أربعون درهم ، والنَش نصف أوقية ـ ثم قالت : أتدري ما النش ؟ قال : قلت : لا . قالت : نصف أوقية ، فتلك خمسمئة درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه)) .
[مسلم عن إسحاق بن إبراهيم]
أيها الأخوة الكرام الذي يعنينا من هذه السيرة أن نستنبط منها قواعد تعيننا على أن نستقيم على أمر الله وعلى أن نصل إليه ، فمن هذه الاستنتاجات من سيرة السيدة خديجة :
1 ـ الفضيلة التي تنطوي عليها لو لم تذكرها للناس يعرفها الناس :
أولاً : الفضيلة التي تنطوي عليها لو لم تذكرها للناس يعرفها الناس ، أنت لست بحاجةٍ إلى أن تُسَلِّط الأضواء على نفسك ، البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديَّان لا يموت ، النبي عليه الصلاة والسلام ما أُثر عنه أنه مدح نفسه ، ولا ذكر فضائله ، ولا شمائله ، ولا صدقه ، ولا أمانته ، ولكن الناس جميعاً عرفوا كل فضائله ، وعرفوا كل شمائله ، وقدَّروه أعظم تقدير ، لذلك ليس من الحكمة أن تمدح نفسك .
ميسرة رأى كل شيء ، وأنبأ خديجة بكل شيء ، وانتهى الأمر ، والله هو الحق ، ومعنى الحق الذي يظهر الحق ، ويكشف الحقائق ، هذه أول نقطة ، دع الناس يمدحونك ، أنت اصمت .
(( يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر وأثقل في الميزان من غيرها ، قلت : بلى ، قال : طول الصمت وحسن الخلق ...)) .
[شعب الإيمان عن أنس]
كان عليه الصلاة والسلام يغلب عليه الصمت ، والفضائل ظاهرة ، والفضل لا يخفى على أحد ، والشمائل الطيبة لا تخفى على أحد ، أما إذا أنت ذكرتها وتباهيت فيها ، شك الناس في إخلاصك ، وفي مكانك عند الله عز وجل .
2 ـ أفضل شفاعةٍ أن تشفع بين اثنين في نكاح :
ثانياً : أفضل شفاعةٍ أن تشفع بين اثنين في نكاح ، فالإنسان بحق نفسه قد يكون ضعيف ، فإذا يسَّر الله لك أن تكون سبباً في زواجٍ مبارك ميمون ، هذا عمل طيِّب ، لأن الله عز وجل يقول :
﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ (32) ﴾
( سورة النور )
أنت يجب أن يكون مسعاك أن تعرِّف شاباً بقريبة لك ، أو قريبة بشاب ، العبرة أن تكون سبب بتأسيس بيت مسلم ، هذه نقطة ثانية .
3 ـ إذا الإنسان عُرِضَ عليه الخير ينبغي ألا يتأبَّى في ذلك :
ثالثاً : إذا الإنسان عُرِضَ عليه خير من دون طلبٍ ولا استشراف نفسٍ ، فرده ، فكأنما ردَّه على الله ، النبي كان أديباً جداً ، أول عرض قال : بلى ، والثاني قال : بلى ، وهو سيد الخلق ، وحبيب الحق ، هناك نفوس مريضة ، تتأبى ، ترفض ، للرفض فقط ، حباً بالرفض ، فإذا الإنسان عُرِضَ عليه الخير ، مخلص ، جيِّد ، ينبغي ألا يتأبَّى في ذلك .
4 ـ النبي ما كان يفكر في الزواج لأنه لا يملك مالاً ولكن الله سبحانه إذا أعطى أدهش :
الشيء الأخير كما قلت قبل قليل أن النبي عليه الصلاة والسلام ما كان يفكر في الزواج إطلاقاً ، السبب ليس بين يديه مالٌ يعينه على الزواج ، ولكن الله سبحانه وتعالى هو الكريم ، وإذا أعطى أدهش ، لذلك : ما شكا أحدٌ ضيق ذات يده إلا قال له النبي : اذهب فتزوج .
(( ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ )) .
[ الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
هناك أربع استنباطات في هذا الدرس تُستنبط من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في زواجه بالسيدة خديجة
| |
|
محمدعبدالرحمن مشرف المنتدى الاسلامي
عدد الرسائل : 1645 العمر : 45 المكان : مكان ما يكونوا الحالة : متزوج + 2 الهواية : أحلم ببكرة تاريخ التسجيل : 21/03/2010 التـقــييــم : 18
| |