أبوأنس عماري نشيط
عدد الرسائل : 274 العمر : 64 المكان : مصر الحالة : على باب الله الهواية : لعب الكرة تاريخ التسجيل : 18/07/2010 التـقــييــم : 1
| موضوع: أسباب نظرة الريبة تجاه ما هو إسلامي في مصر الخميس 19 مايو 2011, 7:02 am | |
| أسباب نظرة الريبة تجاه ما هو إسلامي في مصر
المصدر : موقع الرحمة المهداة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
تأملات في أسباب خوف شباب ثورة مصر من اتخاذ الإسلام كمنهج تطبيقي في الحياة:
المتأمل في أحوال المجتمع المصري في الآونة الأخيرة يستطيع أن يستشعر هذه الحالة من حالات الزخم الفكري المضطرب بين فئات المجتمع عامة والشباب منها خاصة، والكل يردد بل ويتبنى أفكاراً بعضها إسلامي وأكثرها غير ذلك، ويدعى أن هذه الأفكار أو تلك المذاهب هي طوق النجاة للبلاد والعباد من حالة الفوضى التي نعيشها، والذي أزعجني كثيراً هو أن نظرة الشباب الذي يوصف بأنه مثقف وأستطاع أن ينتزع حريته بدماء شهداءه وإصراره، أراه ينظر إلى الأفكار ألإسلاميه بنوع من الريبة والتوجس، بل أستطيع أن أدعي أن هناك التباس في بعض المفاهيم فضلاً عن وجود فهم مغلوط للبعض الأخر، وهذا جعلني أفكر ملياً في أسباب هذه الريبة وذلك التوجس تجاه ما هو إسلامي في المجتمع المصري، مع محاولة الفهم الصحيح لكل سبب من منظور إسلامي.
الشباب المصري يُنزل الدين الإسلامي مكانة عالية في قلبه وعقله، وهذا مما لا شك فيه، ولكن أستطيع أن أستشعر أن هناك ازدواجية في النظرة إلى الدين الإسلامي من جانب شباب الثورة المصري، فهم يفرقون بين الدين الإسلامي كمفهوم ونظرية، من جهة، وتطبيق هذه الفكرة عملياً أو إنزال هذه النظرية على أرض الواقع، من جهة أخرى، ولو أمعنا النظر لوجدنا أن هناك شرخ عميق في نظرة الشباب للإسلام من حيث شمولية الإسلام لجميع مناحي الحياة المختلفة، واستيعاب هذا الدين؛ لاختلاف الزمان والمكان والإنسان، أرى أن الشباب يحصرون الإسلام في مجموعة من الطقوس في البيوت ودور العبادة، ويزعمون أنه يتم تطبيقه عملياً عن طريق التسامح في التعامل مع الآخر أو تبنى مجموعة من الأخلاقيات العامة - التي يشترك فيها مع الأديان الأخرى- مثل الصدق والأمانة...إلى آخره، وأخشى أن يكون هذا التطبيق بدافع أنها قيم سامية لا تتصادم مع القيم العالمية، وبالتالي قناعة التطبيق قائمة على محاكاة القيم السائدة وليست قائمة على قناعة كاملة بأنها قيم أصيلة في الإسلام نفتخر بها كما نفتخر بقيم أخرى في ديننا لا تتفق مع الانتهازية والانتفاعية التي تبررها الحضارة العالمية بدعوى التقدم والعصرية المزعومة، فالإسلام يربط الدين بالدنيا في ترابط منسجم بخلاف المثالية الموجودة في ديانات أخرى، ويربط بين النظرية والتطبيق في تآلف منطقي بخلاف الواقعية المادية، ويصهر مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع في بوتقة واحدة بخلاف البراجماتية النفعية.
وعند إبراز مفهوم أن الدين منهج تطبيقي في جميع مناحي الحياة بداية من طهارة البدن وانتهاءً بإذعان الروح والعقل له كسلطان ومُشرِّع، مصداقاً لقوله - تعالى-: ( قُلْ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام- 17]، تجد نظرات الريبة والشك تتسلل وترتسم على وجه هؤلاء الشباب، وتستشعر اضطراب وحيرة غير مُبررة في عقولهم، ونستطيع أن نلتمس العذر لهؤلاء الشباب في هذا التخبط وفي تلك الحيرة لوجود أسباب خارجة عن إرادتهم، ولكن لا نستطيع أن نُخلى مسئوليتهم المباشرة عنها في ذات الوقت.
ونستطيع أن نحصر أسباب تبنّى شباب الثورة المصرية لنظرة الريبة تجاه ما هو إسلامي في مصر إلى ثلاثة محاور أساسية:
• محور الأسرة، وهي أصغر وحدة بنائية في المجتمع، وفيها تتم التنشئة بشقيها: الإسلامي والسياسي.
• محور مفهوم الشباب للإسلام، والمتمثل في النظرة إلى الشريعة الإسلامية والنظرة إلى دور الجماعات والهيئات الإسلامية في المجتمع.
• محور العوامل الخارجية، ويحتوى على عوامل خارجية تلقي بظلالها لإذكاء نظرة الريبة تجاه الإسلام ككل وتتمثل في طغيان الثقافة الغربية، وعدم وجود نماذج لدول إسلامية ناجحة، بالإضافة إلى الإعلام المعتل.
وفيما يلي سوف ألقي الضوء على كل محور من هذه المحاور من منظور إسلامي:
أولاً: محور الأسرة:
1. التنشئة الإسلامية للنشء: هذا العامل من العوامل التي يغفل عنها مع الأسف القائمون على التربية في مجتمعاتنا العربية بالرغم من خطورته على النشء الذي في طور التكوين، حيث أن تبنِّى الأفكار الإسلامية يُغرَس في النشء منذ نعومة أظفاره، ولكن مع الأسف، نجد الآن أن مجتمعاتنا تتجه إلى تثقيف وتعليم وغرس الثقافة الغربية في النشء كمظهر من مظاهر التفاخر أو التطور والعصرية متناسين هذا التأثير الخطير على شخصية الفرد المسلم عند بلوغه، فنجد الفرد قد نشأ على مبادئ الأثرة وحب الذات والاستهلاك - مبادئ الرأسمالية- وهي كلها مفاهيم غربية تعمل على إذكاء القيم الفردية الأنانية على حساب مفاهيم العمل الجماعي والقناعة والرشد في الاستهلاك، ناهيك عن أن المدارس الآن تبتعد شيئاً فشيئاً عن تدريس وغرس القيم الإسلامية والاهتمام فقط بتدريس بعض الأخلاقيات العامة التي يتساوى فيها المسلم وغير المسلم، بل والأخطر من ذلك هو تطويع معاني آيات القرآن للنظريات التربوية الغربية المعاصرة أو تطبيق هذه الآيات على واقع معين أو سلوك معين قد لا يكون منطبقا عليه بالفعل1، لذلك ليس من المستغرب أن نجد الشباب الآن مطموس الهوية الإسلامية بل ومقطوع الصلة عن التراث والتاريخ الإسلامي العريق وبالتالي ينظر إلى ما هو إسلامي بنوع من الريبة؛ لأنه غير معتاد عليه.
ويجب هنا التنبيه على بعض الأمور الهامة عند تنشئة الطفل المسلم داخل محيط الأسرة:
• غرس مبادئ العقيدة الإسلامية في النشء، وتربيته على أركان الإسلام والإيمان بالأمور الغيبية كالإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر وسؤال الملكين والبعث والحساب والجنة والنار، وكان من سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الهمس بصيغة الأذان في أذن المولود؛ لإرساء كلمة التوحيد التي هي أصل العقيدة، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يُعلم ابن عباس أصول العقيدة وهو غلام، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا، فَقَالَ: (( يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)) [سنن الترمذي].
• يجب تنشئة الطفل على معرفة أحكام الحلال والحرام ويرتبط بمخافة الله - عز وجل- ويتعلق بأحكام الشريعة الإسلامية فلا يعرف سوى الإسلام آمراً وناهياً، خصوصاً بعد ظهور دراسات إسلامية تأصيلية معاصرة توضح اضطراب منظومة القيم و المناهج المعرفية الغربية التربوية بسبب الفلسفات الوضعية2.
• يجب تنشئة الطفل على الاعتزاز بكونه مسلم، وأن الإسلام هو دينه، وهذا أمر في غاية الأهمية، وهذا الاعتزاز يكون عن طريق قص سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقصص الصحابة وعظماء الإسلام وغرس هذه النماذج في نفس ووجدان الطفل المسلم؛ لكي يكون معتزاً وفخوراً بالإسلام عند بلوغه.
2. التنشئة السياسية من منظور إسلامي: وهذا النوع من التنشئة يخفى على كثير من المنوط بهم تربية النشء في مجتمعاتنا، وحيث أن الممارسة السياسة تكاد تكون محظورة في مجتمعاتنا، فالقائمين على التربية أنفسهم لم يمارسوها - وحيث أن فاقد الشيء لا يعطيه- نجد أن هذا المفهوم غير موجود أساساً في أولويات تربية الطفل المسلم في مجتمعاتنا، وبالرغم من وجود بعض الوسائل العلمية والأبحاث في هذا المجال إلا إنه لم يلقى الاهتمام الكافي، والهدف من مثل هذه التنشئة هو مساعدة الطفل المسلم على استيعاب واقع مجتمعه المسلم وفلسفته وأهدافه؛ لكي يشب الطفل المسلم مواطناً مسلماً صالحاً ليس بينه وبين قيم المجتمع أي تعارض أو صدام وفي نفس الوقت يتم إعداده لمواجهة أي غزو ثقافي أو فكرى، ودور الأسرة هنا دور أساسي حيث يجب الاهتمام بتربية النشء على المطالبة بحقوقه المشروعة داخل محيط الأسرة الصغير في مقابل أداء الواجبات التي عليه.
وأساس هذه التنشئة السياسة هو الحث على إبداء الرأي والتعبير عن الذات، ويمكن أن يتم غرس مبدأ إبداء رأيه دائماً عن طريق ترك مساحة من جانب الوالدين للطفل؛ للتعبير عن رأيه بل والاعتراض أحياناً، ثم بعد ذلك يتم إقامة حوار معه؛ لإقناعه بوجهة النظر الصحيحة، وأيضاً يجب تربيته على عدم السكوت عن أي شيء يحدث أمامه مخالف للمبادئ الإسلامية المغروسة فيه، بل يجب عليه أن يعبر عن ما يحدث أمامه بقول هذا حلال أو هذا حرام و توطينه على ألا يكون إمَّعة كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (( لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا)) [الترغيب والترهيب]؛ ويمكن غرس هذا المفهوم في نفوس الأطفال عن طريق عدة طرق منها:
• إذكاء روح العمل التطوعي والجماعي والدفع به إليه سواء في المدرسة أو في أي جهة أخرى.
• إشراكه من حين إلى آخر في بعض الأعمال الجادة التي لا يقوم بها إلا الكبار مثل إعطاء صدقات للفقراء.
• جعله يهتم بقضايا المسلمين على مستوى العالم كالاهتمام بالأطفال في غزة.
• استشارته في بعض الأمور التي تخص الأسرة والتي يؤخذ فيها قرار، مثل مكان قضاء عطلة نهاية الأسبوع أو قرار شراء بعض الكتب الإسلامية لمكتبة المنزل.
• غرس مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما ذكر القرآن في قول لقمان لابنه وهو يعظه: ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [لقمان-17].
وقد أشارت السيرة النبوية العطرة إلى هذا المفهوم بل وأنزلته أرض الواقع؛ لكي يكون واقعاً عملياً في عدد من المواقف منها:
• في مجال التربية على القيادة عمليًا نرى كيف يمكن للصغير المميز أن يقوم بإمامة الكبار في الصلوات، مثل حديث عن عمرو بن سلمة قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (( ... صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا: فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ)) [البخاري].
• بل أكثر من ذلك حيث نجد قبول بيعة بعض صغار السن من الصحابة مثل عبد الله بن الزبير (( ... ثُمَّ جَاءَ بَعْدُ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ لِيُبَايِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ... فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ رَآهُ مُقْبِلا إِلَيْهِ، ثُمَّ بَايَعَهُ)) [مسلم].
ثانياً محور مفهوم الشباب للإسلام:
1. النظرة إلى الشريعة الإسلامية: الأمر الذي يُؤرق حقيقة في هذه النقطة هو هذه النظرة التي يشوبها الريبة في تطبيق الشريعة الإسلامية كنظام شامل لجميع شئون الحياة، الذي يُؤسفُ له أن أناساً كثيرين في المجتمع المصري ينظرون إلى الشريعة الإسلامية من المنظور الجنائي فقط الذي يصور قطع يد السارق والقصاص في القتل إلى آخره... من تلك الحدود التي سنتها الشريعة الإسلامية الغراء، والمثقفون منهم يدًّعون أن الشريعة لم تطبق إلا في عهد الخلفاء الراشدين فقط وفي عصر عمر بن الخطاب بالتحديد، فكيف تطبق في عصرنا الحالي ما أخفقت فيه العصور الإسلامية كلها4، و هذا بقدر ما يثير الخوف لدى البعض من قسوة هذه الحدود في ظاهرها - بزعمهم- إلا إنه يثير الاستخفاف لدى البعض لما يصوره من عودة إلى الزمن الماضي البائد والذي لا يصلح تماماً مع الوقت المعاصر، وهذا حقيقة يؤلمني كثيراً؛ لأنه يظهر هذه السطحية الشديدة في فهم المجتمع ككل والشباب منه خاصة لحقيقة الشريعة الإسلامية الغراء، والذي خدم هذا المفهوم السطحي، افتراءات وإدعاءات روج لها العلمانيون في القرن الماضي من أمثال فؤاد زكريا و فرج فودة؛ وسوف أوضح بعض النقاط الهامة لإزالة هذا الالتباس:
• الشريعة الإسلامية تعتبر نظام شامل لحياة المسلم والجانب الجنائي (تطبيق الحدود) الذي يبالغ في تصويره البعض ما هو إلا جزء صغير من أحد ثلاثة محاور رئيسية تقوم عليها الشريعة الإسلامية وهي:
* الأحكام الاعتقادية التي تنظم علاقة الفرد المسلم بربه - سبحانه وتعالى- وإيمانه به واليوم الآخر.
* الأحكام الأخلاقية والتي تهتم بأمور الأخلاق كالصدق والأمانة وحرمة الكذب والخيانة...
* الأحكام العملية وهذه الأحكام تنقسم بدورها إلى أحكام عبادات كالصلاة والصوم... إلى آخره، وأحكام معاملات وتحتها تندرج أحكام تحديد علاقة الفرد مع المجتمع في الأعمال المنهي عنها مثل الحدود والتعزيرات والعقوبات.
ومن هنا نرى أن مفهوم الحدود ما هو إلا جزء ضئيل من الأصل الكبير للشريعة الإسلامية، فقد ذُكِرت الحدود في عشر مواضع فقط في القرآن الكريم علما بأن آيات القرآن تزيد عن ستة آلاف آية، وهذا يعنى أن ميزان القرآن - الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه قد أعطانا الحجم الحقيقي للحدود مقارنه بالقواعد الأساسية الأخرى اللازمة لإرساء الشريعة الغراء.
• تتميز الشريعة الإسلامية عن أي شرائع أخرى سواء كانت سماوية أو وضعية بأن بها قواعد تنظم الأخلاق وتربي الحس والذوق والوجدان في حين أن الشرائع الأخرى تفصل تماماً بين أمور العقيدة والعبادات من جهة وبين الأمور الحياتية والمعيشية من جهة أخرى، و يكفنا وصف بن القيم لهذه الشريعة الغراء عندما قال في"إعلام الموقعين": "مبناها وأساسها الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها"5.
• يجب أن يُزال هذا الالتباس لدى المجتمع أن الشريعة الإسلامية تتصادم مع إطلاق الحريات، والحقيقة أن الحرية والعدل هما أساساً الشريعة الإسلامية فهما يمهدان لها ولا يتصادمان معها، وهناك إشارات كثيرة في تاريخ المجتمع المسلم الراشد تشير إلى هذا المفهوم، ومنها قصة لعمر (الفاروق) وهو يخطب على المنبر في الناس، وقال: " أيها الناس اسمعوا وأطيعوا، فقام سلمان الفارسي - رضي الله عنهم- جميعاً، وقال: لا سمع ولا طاعة إلا عندما تخبرنا من أين لك هذا...؟- وكان عمر يلبس قطعتين من القماش بينما هم قطعة واحدة- فقال عمر: قم يا عبد الله بن عمر، وأخبر القوم، فقال عبد الله بن عمر، إن أبي رجل جسيم طويل القامة ورأيت أن أعطيه قطعتي من القماش، فقال سلمان: الآن لك السمع والطاعة".
من هذه القصة نستطيع أن نرى أن حرية الرأي مكفولة في المجتمع المسلم الراشد، بل أنها أداة لتقويم ولي الأمر إذا لزم الأمر و على ولى الأمر أن يتجاوب معها؛ لكي يزيل أي شبهة في أفعاله.
• تتميز الشريعة الإسلامية بالمرونة؛ لأنها تأخذ في اعتبارها تغيرات الزمان والمكان والإنسان في ضوء اجتهاد المجتهدين الذين يجمعون بين الأصالة والمعاصرة الذين ينتفعون بكل قديم نافع ويرحبون بكل جديد صالح، وقد عطل سيدنا عمر - رضي الله عنه - حد السرقة في عام المجاعة؛ لأنه رأى أن وجود المجاعة سبب مباشر في السرقة، وعلى هذا الأساس يجب أن يقام العدل الاجتماعي وسد حاجات الناس أولاً قبل أن تطبق الحدود التي تأخذ في الحسبان الظروف المحيطة والتي تقف كرادع شرعي لكل من تسول له نفسه خرق شرعية هذا المجتمع.
ومن هنا نرى أن أكذوبة عدم صلاحية الشريعة الإسلامية للعصر الحالي ما هي إلا فرية اختلقها الذين ختم الله على قلوبهم من العلمانيين مدَّعِى الثقافة، وتبعهم من جعل الله الصمم في آذانهم والغشاوة على أبصارهم من المتأخرين.
2. الدور الفعلي الذي تقوم به الجماعات والهيئات والمؤسسات الإسلامية في مصر: هذا الدور يتمثل في عدد من النماذج أهمها النموذج السلفي، والذي بدأ نشاطه في مصر في السبعينيات من القرن الماضي بالإضافة إلى نموذج الإخوان المسلمين الذي له باع كبير في العمل الدعوى المنظم منذ عشرينيات القرن الماضي عندما تأسست الجماعة على يد حسن البنا، بالإضافة إلى المؤسسة الدينية الرسمية والمتمثلة في الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء، وفيما يلي توضيح فيما يخص الدور الفعلي الذي تقوم به الجماعات والهيئات والمؤسسات الإسلامية:
• بالنسبة للنموذج السلفي: يرى البعض أن السلف تقوقعوا داخل نطاق تدريس العلم الشرعي داخل المساجد وهذا في حد ذاته محمود بل ومطلوب بشدة في هذه الأوقات التي يحارب فيها الإسلام من جميع الاتجاهات وقد رغَّب الإسلام في العلم و الحرص على تعلمه كما قال رسول ألله -صلى الله عليه وسلم-: (( خيرُكم من تعلمَ العلمَ وعلمه)) [البخاري] وقال أيضاً: (( الدّنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو عالماً أو متعلماً)) [سنن إبن ماجة] وأحاديث فضل العلم والحث على طلبه كثيرة و متعددة ولن يتسع المجال لذكرها.
انتهج السلف مبدأ "من السياسة ترك السياسة الذي يدعو المسلم إلى طاعة ولي الأمر، (ولو جُلد ظهره وأخذ ماله)، ولكن يبقى هذا التساؤل الذي يطرح نفسه، وهو هل يمكن أن نسخِّر كل وقتنا للعلم الشرعي في حين أن يد ولاة الأمر تعيث في الأرض فساداً أمام أعينينا ولا نُحرك لها ساكناً، هذا السؤال كان يدور في ذهن المجتمع والشباب منه بالذات، وعند التصريح بمثل بهذه الأسئلة للنخب السلفية تجدهم يصرحون بأحاديث زجر الخروج على الحاكم مثل ما روى عن الرسول أنه قال: (( اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ )) [البخاري] أو التي يُنهى فيها عن رفع المسلم السيف في وجه أخيه المسلم كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (( إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ، فقال رجل: هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ)) [البخاري].
وتبقى الحيرة في عقول وقلوب الشباب ويتساءلون، ما الذي يجب أن نفعله لكي نشارك في صناعة مصير بلادنا!؛ فنجد أن السبيل الوحيد لهم هو التعبير السلمي من خلال التظاهرات وفي المقابل نجد أن السلف يردوا على مثل هذه التظاهرات بأن ليس لها رصيد في أعمال الصحابة والسلف الصالح، وبالتالي تتفاقم المشكلة في عقل ووجدان الشباب حول كيفية تبنى النموذج السلفي لما يجيش في صدورهم من أحلام وأهداف.
• بالنسبة للإخوان المسلمين: لا نستطيع أن نتهم الإخوان المسلمين بالتقصير في العمل الدعوى أو السياسي على حد سواء، فلديهم تاريخ طويل من مقارعة الاستبداد في مصر، ولم تبذل حركة وطنية مصرية خلال القرن العشرين من ثمن مقارعة الاستبداد بقدر ما بذل الإخوان في أرواحهم وأموالهم وحرياتهم وكرامتهم الشخصية6؛ بل كان شعارهم حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( أَفْضَلُ الْجِهَادِ، كَلِمَةُ حَقٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ)) [السلسلة الصحيحة]، ولكن نستطيع أن نحدد سببين رئيسيين أضروا بالمجهود الضخم الذي بذلوه في نشر دعوة الإسلام وهما:
* السبب الأول، يعتبر غير مباشر، أو أن الإخوان المسلمين لم يكن لهم دور مباشر فيه، وهو أنهم قد تم تصويرهم كعبرة للشباب من قبل النظام المستبد لمن يجرؤ على اتخاذ المفهوم الإسلامي كمحور ارتكاز في العمل السياسي، وبالتالي كانوا كبش فداء يتم التلويح به من قبل النظام لزجر الشباب عن الزج بنفسه إلى غياهب العمل السياسي عامة والإسلامي منه بصفة خاصة.
* السبب الثاني، عدم وضوح رأى الإخوان المسلمين أو على الأقل عدم اهتمامهم بتوضيح تَوجُه الجماعة تجاه بعض القضايا الهامة والتي تشغل بال الكثيرين من المجتمع مثل موقف الإخوان من التحديات الخارجية، مثل العلاقة مع الوليات المتحدة، اتفاقية السلام مع إسرائيل، الموقف من الفصائل الفلسطينية المختلفة، مدى تدخل رجال الدين في آليات اتخاذ القرار السياسي في حال وصولهم إلى سُدة الحكم، بالإضافة إلى وجهة نظر الجماعة في الأمور ذات الشأن الداخلي، مثل الموقف من حرية الأقليات، النظرة إلى الفن بجميع أشكاله، النظرة إلى المرأة... إلى آخر هذه الأمور، وأعتقد أن هذا يرجع إلى التعود على الهوية المنفصلة عن المجتمع جراء ثمانين عاماً من العمل التنظيمي والسياسي في الظل وتحت القهر والاستبداد من قبل النظام الحاكم.
• بالنسبة إلى المؤسسة الدينية الرسمية: بدأ دور الأزهر يتضاءل منذ صدور قانون تطوير الأزهر الأول الصادر عام 1961، والذي تضاءل بعده دور الأزهر بصورة كبيرة، ثم بعد صدور قانون تطوير الأزهر الثاني الصادر عام 1998 والذي تلاه ما يشبه الغياب الكامل للمؤسسة الدينية عن القضايا العامة والعالمية والأحداث المتلاحقة والتي غاب عنها الأزهر أو اتخذ فيها مواقف متخاذلة، كحروب البلقان (البوسنة والهرسك) أو الحروب الأخيرة في أفغانستان والعراق وكذلك قضايا الأقليات الإسلامية في العالم، وملف القدس والصراع العربي-الصهيوني بالإضافة إلى المواقف المتخاذلة على الصعيد الداخلي مثل القضايا التي تخص النقاب، مروراً بمشكلات الفقر والبطالة وأداء النظام الحاكم - المتردي- على المستويين السياسي والاقتصادي، وانتهاءً بمطالب الجماهير المصري بالإصلاح والتغيير، لذلك أصبح الأزهر في السنوات الأخيرة إحدى أدوات تنفيذ سياسات النظام الحاكم والسلطة في مصر، حيث أصبح تبرير قرارات وسياسات النظام إحدى مهامه الأساسية وابتعد عن دوره الأساسي تماماً.
3. نظرة المجتمع المصري بجميع أطيافه إلى هذا الدور الذي تقوم به الجماعات والهيئات والمؤسسات الإسلامية في مصر، من المعلوم أن المجتمع المصري به أنماط اجتماعية متعددة يتمركز معظمها حول الاعتدال الفكري كمفهوم وتطبيق في الحياة اليومية، وبالرغم من هذا لا يجب إنكار وجود فصائل اجتماعية أخرى تتبنى بعض الأفكار التي تكاد تصل إلى حد الإفراط أو التفريط؛ مثل اعتناق بعض الأفكار والمذاهب الدينية المتشددة والتي يوجد فيها سعه من حيث أراء الفقهاء، هذا من جهة، أو اعتناق بعض الأفكار المتحررة كالليبرالية أو العلمانية من جهة أخرى، وفيما يلي توضيح فيما يخص نظرة المجتمع المصري للجماعات والمؤسسات:
• النظرة إلى النموذج السلفي: هذه النظرة تتمثل في أن النموذج السلفي لا يستطيع أن يُعبر عن متطلبات المجتمع المختلفة في الانفتاح على العالم والأخذ منه في مجالات متعددة من ضمنها الجانب الفكري، والذي يراه الفصيل السلفي أنه انسلاخ من الإسلام ويبرروا هذا بمفاهيم إسلامية أصيلة ترتكز بالأساس على مفاهيم العقيدة والحاكمية لله والشريعة الإسلامية، هذه المفاهيم لا يكاد معظم المجتمع المصري - والشباب منه خاصة- أن يفهمها الفهم الصحيح ويُنزلها قدرها المُستحق، بل يعتبرها نوع من أنواع التشدد الديني الذي لا يتناسب مع الانفتاح على العالم، بالإضافة إلى ذلك المظهر الديني الواضح في طريقة الخطاب، من جهة، والسمت الخارجي المتمثل في اللحية وطريقة اللباس، من جهة أخرى، مثل هذه الأمور تجعل فصائل كثيرة من المجتمع المصري تتردد في الوثوق بالتيار السلفي كراعي لأهدافهم المرجوة في المرحلة القادمة، ولكن ينظرون إليه كخيار هادئ للهروب من سُعار الحياة المادية إلى واحة الدين الهادئة التي لا تهتم بمظاهر اجتماعية أو قناعات سياسية.
• النظرة إلى نموذج الإخوان المسلمين: ينظر معظم المجتمع المصري - خصوصاً النخبة المثقفة منهم - إلى الإخوان المسلمين كفصيل سياسي يعمل بشتى الطرق للوصول إلى سُدة الحكم، وهي نظرة تحمل في طياتها وصف الإخوان المسلمين بالانتهازية بل واستغلال الشعارات الدينية البراقة؛ لإضفاء نوع من الشرعية التي تخفي وراءها انتهازية شديدة، وهذا أكثر ما يُحيِّر في انطباع هذه النخبة المثقفة عن الإخوان المسلمين حيث أنه انطباع لا مُبرِر له سوى التضليل أو عدم فهم لحقيقة دعوة الإخوان المسلمين خصوصاً بعد أن استطاعوا أن يظهروا أداءً سياسياً ناجحاً للدعوة الإسلامية من خلال الممارسة السياسية في البرلمان -حيث كان الأداء البرلماني للإخوان المسلمين مثار إعجاب الكثيرين - بالإضافة إلى الأعمال التطوعية والخيرية الكثيرة التي يقدمها الإخوان المسلمون لشريحة كبيرة من المجتمع المصري، فضلاً عن تصريحهم أنهم لن يكون لهم مرشح للرئاسة في الفترة القادمة وسوف يكون تمثيلهم في البرلمان للمشاركة لا المغالبة، ولكن يظل هذا الانطباع الذي يطل برأسه بين الحين والحين عن هذا الأداء السياسي المتميز أو ذلك العمل التطوعي الخيري لدى معظم المجتمع المصري أنه يخفي وراءه انتهازية قبيحة تريد الإنفراد بالحكم ووضع الأمة المصرية كلها في مصادمات مع قوى خارجية لفرض الشريعة الإسلامية والتمسك بالمبادئ الإسلامية في حكم البلاد.
• النظرة إلى المؤسسة الدينية الرسمية: أما فيما يخص النظرة إلى المؤسسة الدينية الرسمية فهي نظرة بها مزيج من الاستخفاف والريبة، حيث أنها لم تقم بدور واضح لعقود للدفاع عن القضايا الإسلامية التي تطفو على السطح من حين إلى آخر، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على التبعية والخنوع للنظام الحاكم أو الخروج عنه بهامش محدد مسبقاً من قبل النظام، وهذا يُعطى انطباع ساخر لدى المجتمع تجاه الدور الحقيقي الذي تلعبه هذه المؤسسة العريقة، بالإضافة إلى إضفاء نوع من التوجس والريبة في مدى مصداقية هذه المؤسسة التي تدين بالولاء للنظام الحاكم على حساب متطلبات الشريعة والدين، وبالتالي فقدت تلك المؤسسة تأييد الشارع المصري لها فضلاً عن الوثوق بها؛ لتبنى آمال وأحلام الشعب والتعبير عن نبضه.
ثالثاً: محور العوامل الخارجية:
1. طغيان ثقافة الغرب: وهو عامل هام من أسباب نظرة الريبة تجاه ما هو إسلامي في المجتمع المصري، وهذا يرجع إلى سببين أحدهما جلي واضح والآخر يخفي على البعض:
• أما السبب الواضح فهو نجاح النموذج الغربي بشكل مبهر في مجال الحريات والسياسة والاقتصاد على المستوى التنظيري والتطبيقي على حد سواء، وهذا كان له صدى واسع في البلاد الأخرى والنامية منها على وجه الخصوص، وإن كان هذا النجاح يعتبر نجاحاً مؤقتاً وسوف يبدأ نجم الحضارة الغربية في الأفول كما تنبأ بذلك بعض المتخصصين في الغرب من أمثال صمويل هتنجتون في كتابه "صراع الحضارات"7؛ ولكن مازلت توجد تلك السطوة الغربية على مجريات الأمور في العالم مما يعطى رسالة ضمنية إلى الشعوب المقهورة والذليلة أن هذه النظرية هي الناجحة وهي التي سوف تسود عاجلاً أو آجلاً، وبالتالي يفتن الشباب بهذا النجاح المزيف الذي لا يعير اهتماماً حقيقيا للمبادئ الأخلاقية والعدل كما يزعمون.
• أما السبب الخفي فهو يتمثل في فتنة الشباب المصري بالنماذج الناجحة داخل المجتمع المصري والذين يدينون بالولاء للغرب بسبب تشبعهم بهذه الثقافة وتبنيهم لأفكارها وتوجهاتها، وذلك يرجع نتيجة اغترابهم لفترات طويلة أو تلقى دراستهم هناك مما ساعد على نقل المفاهيم الغربية إلى مجتمعنا في قالب جذاب يفتن الشباب، ثم رجعوا ومعهم صورة الغرب الذي ارتقى وتحضر - بزعمهم- حين تخلص من قيد الدين وجعله في دور العبادة بعيداً عن الحياة، وهذا يذكرنا بتلك البعثات التي أرسلت للغرب في عهد محمد علي فكما كانت هذه النماذج تأخذ وتتلقى من منابع العلوم العصرية كانت تتشبع - من حيث لا تدرى- بسموم الأفكار الغربية، ومع الأسف تجد الآن شباب كثيرون يؤمنون بالنظرية الغربية في كل صغيرة وكبيرة في حياتهم بل ويعتبرونها المثال النموذجي في الحياة؛ مصداقا لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (( لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى، قَالَ: فَمَن)) [البخاري].
2. عدم وجود نموذج ناجح لدولة إسلامية: هذا العامل يعتبر عاملا مهما يستدل به بعض أعداء الإسلام في التشكيك في إمكانية قيام نموذج أو مشروع إسلامي ناجح في العصر الحالي، ويتم التلويح بنموذج الدولة الدينية في إيران كمثال يرفضه العالم الغربي، ثم نجد أفغانستان والويلات التي تعيشها جراء تمسك بعض الفصائل فيها بالدين وكأنه جُرم كبير، ودول إسلامية أخرى مثل إندونيسيا وماليزيا بالرغم من تقدمها الاقتصادي الملحوظ إلا أنها لم تعطى لنا نموذجاً إسلامياً متكاملاً له حضور دولي من الناحية الاجتماعية والسياسية أمام الطغيان الغربي، وهذا يرجع بالأساس إلى النظام الحاكم في بلادنا، والذي كان لا يولى اهتماماً ملحوظاً بالعلاقات مع مثل هذه الدول الإسلامية الصاعدة مقارنةً باللهث وراء الغرب وفي مقدمته الوليات المتحدة لتقديم فروض الولاء والطاعة.
ولا يوجد أمامنا إلا النموذج التركي الذي يعتبر نموذجاً ناجحاً إلى حد كبير في إعطاء صورة جيدة عصرية لبلد إسلامي بالرغم من الحرب الشعواء التي تشنها المؤسسات العلمانية الداخلية - والتي تمسك بزمام المراكز الهامة في البلد كالجيش والقضاء- على كل ما هو إسلامي في تركيا، ولكن وبالرغم من هذا كله أصبحت تركيا رصيداً مضافاً للإسلام في مواجهة الغرب المتغطرس، بل إن تركيا تمثل اليوم نموذجاً حيوياً وفريداً في امتحان واختبار دور الإسلام في الحياة السياسية، وتأثيراته في رسم معالم السياسات الخارجية للدول الكبرى8، وخصوصاً بعد عودتها للاهتمام بالشرق والعالم الإسلامي ككل مما أعطاها رصيداً إقليمياً كبيراً كما ذُكِر في بعض الدراسات التي ظهرت حديثا 9 على يد كتاب من غير المسلمين.
3. الدور الإعلامي: في هذه النقطة لن أتناول مدى تضليل الإعلام الرسمي للمجتمع في محاولة إذكاء نظرة الريبة تجاه ما هو إسلامي فهذا معروف للقاصي والداني، ولكن سوف أناقش الإعلام الحر - الغير رسمي- والذي يتمثل في وسائل الإعلام المختلفة (المقروءة والمسموعة والمرئية).
يجب أن يكون هناك اهتمام بما يسمى الإعلام الإسلامي وليس الإعلام الديني، فالإعلام الإسلامي يقوم بإعطاء الصبغة الإسلامية في كل جانب من جوانب الإعلام، فيكون الترويح بشكل إسلامي، ومناقشة القضايا والأخبار من منظور إسلامي، ومحاولة بسط المفهوم الإسلامي على المواد الثقافية والعلمية والإجتماعية10؛ أما الإعلام الديني فهو ينحصر في تقديم بعض المواد التي تعطى مزيج من القيم الروحية والدينية والأخلاقية العامة.
وبالرغم من وجود الإعلام الإسلامي إلى حد ما في إعلامنا العربي إلا إنه به بعض السلبيات، فمثلاً نجد أن هناك تركيز في هذا الإعلام بشكل عام على المواد التي يحب المتلقي أن يسمعها أو يراها؛ لأنها سوف تثير اهتمامه وبالتالي سوف يكون هناك ساعات مشاهدة أكثر لهذه القناة أو توزيع أوسع لتلك الجريدة، وبالتالي نجد أن هناك تركيز مثلاً على سرد القصص الدينية المشهورة أو عرض المواضيع الفقهية المتعلقة بالعبادات أو الرد على الأسئلة الفقهية المكررة، ويتم أيضاً في أحيان كثيرة التركيز على الشق السياسي من الشريعة أو ما يسميه البعض: "الإسلام السياسي" لما له من جماهيرية كبيرة خصوصاً في الوقت الذي تمر به الأمة الآن، وخصوصاً أنه كان منطقة محظورة من قبل الجهات الرسمية، وهذا أمر لا نقلل من قدره فهذا أحد أهم أدوار الإعلام، لكن المأخذ هنا على عدم إعطاء الاهتمام الكافي لجوانب أخرى لا تقل أهمية عن المذكورة آنفاً، وهي على سبيل المثال لا الحصر:
• عرض الأفكار الإسلامية التي تناقش قضايا فكرية عامة مثل العولمة، صراع الحضارات، موقف الإسلام من الأفكار الغير إسلاميه مثل الليبرالية، الرأسمالية، الديمقراطية، الدولة الدينية (الثيوقراطية)، الدولة المدنية... إلى آخره، بشكل موضوعي يتماشى مع روح العصر ويتجاوب مع الأسئلة المحيرة لدى الشباب والمجتمع ككل.
• قضايا الأقليات الإسلامية في العالم، يوجد في العالم ما يزيد على المليار مسلم وتوجد مناهضة كبيرة لتلك الأقليات المسلمة في عدد كثير من الدول - مثل الصين أو بورما - فلماذا لا يلقى الضوء على هذه الأقليات وحث المجتمع للتفاعل معها بشتى الطرق وحشد الرأي العام لها.
• قضية أحقية سيادة الفكر الإسلامي كفكر منهجي للتطبيق في كل مناحي الحياة؛ مصداقا لقوله - سبحانه وتعالى-: ( قُلْ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الأنعام-17].
• إبراز دور الإسلام المعتدل وإعلاء صوته ونشر أفكاره المعتدلة؛ لتصب في الحياة اليومية للمجتمع والبعد عن المد الإسلامي المتشدد الذي بدأ ينتشر بشكل كبير والذي يهتم بظاهر النصوص ولا يهتم بفقه المقاصد والغايات، مصداقاً لقوله- سبحانه وتعالى-: ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) [البقرة-143].
• الاهتمام بطرح قضايا المعاملات بنفس قدر الاهتمام بعرض قضايا العقائد والعبادات.
خاتمـة:
ومن هذه المحاور نخلص إلى أن نظرة الريبة تجاه ما هو إسلامي تنبع بالأساس من البعد عن الفهم الحقيقي للإسلام سواء كان ذلك كفكر أو توجه أو تعليم أو تنشئة بقصد من الفرد نفسه أو بسبب ظروف خارجة عن إرادته فالكل يؤدى إلى نفس النتيجة وهو الزيغ عن الحق؛ مصداقاً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (( لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك)) [صحيح الترغيب]؛ وقد سطََّرها لنا عمر بن الخطاب بكلمات من ذهب عندما قال: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله" فهذا فيه عبرة لمن كان لهم آذان صاغية و قلوب واعية، فهل هناك من يلقى السمع وهو شهيد!!
---------------------------------------
1. "التعامل مع النص القرآني في بعض الكتب التربوية المعاصرة: دراسة نقدية"؛ بحث؛ [جامعة الملك خالد].
2. " فلسفة التربية الإسلامية دراسة مقارنة بالفلسفات التربوية المعاصرة"؛ [دار الفتح للدراسات و النشر].
3. "ملامح التربية السياسية في ضوء السّنة النبوية؛ بحث؛ [المؤتمر التربوي الأول "التربية في فلسطين وتغيرات العصر" المنعقد بكلية التربية في الجامعة الإسلامية].
4. "تاريخنا المفترى عليه"؛ [دار الشروق].
5. "إعلام الموقعين عن رب العالمين" - (ج 3 / ص 149)؛ [مكتبة الكليات الأزهرية، مصر، القاهرة].
6. " الإخوان المسلمون سبعون عاما في الدعوة و التربية والجهاد"؛ [مكتبة وهبة].
7. "صراع الحضارات" - (ص 133). [Sim*n & Schuster]
8. "الحركة الإسلامية التركية، معالم التجربة وحدود المنوال في العالم العربي"؛ [مركز الجزيرة للدراسات]
9. "عودة تركيا إلى الشرق.. الاتجاهات الجديدة للسياسة التركية"؛ [الدار العربية للعلوم ناشرون].
10. "البرامج الدينية في القنوات الفضائية العربية: دراسة تحليلية"؛ [رسالة ماجستير- جامعة الأزهر]. | |
|