المصدر : موقع الرحمة المهداة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فكثيرًا ما نسمع هذه الأيام كلمة أن تيارًا معينًا له خبرة سياسية، أما باقي التيارات فينبغي عليها أن تتبعه؛ لأنها تيارات ليس عندها خبرة سياسية!
وعند التأمل تجد أن اختصاص هذا الاتجاه أو ذاك في مصر بالخبرة السياسية نوع من الوهم الكبير الذي توهمه البعض فصدقه، ومِن ثمَّ حاول أن يقنع به الآخرين.
ويتبين ذلك مِن عدة أمور:
- منها: أن الحزب الوحيد الذي مارس السياسة في مصر خلال العقود الثلاثة كان هو "الحزب الوطني"، واحتكرها لنفسه ولم يسمح لغيره بممارستها فعليًا، وأما باقي الأحزاب والتيارات المعارضة فقد مورس بحقها الاضطهاد السياسي، ولم تمارس هي السياسة حتى تدعي اليوم أنها صاحبة الخبرة السياسية!
ومع ذلك نقول: إن أصحاب الخبرة السياسية الفعليين -وهم قيادات الحزب الوطني- رأينا أين ذهبت بنا خبرتهم السياسية وعقولهم الدبلوماسية.. لم نستفد من هذه الخبرة إلا الفقر والحرمان، والظلم والعدوان، وتقزيم دور مصر بين الأمم، وكنا نُتهم منهم بنفس الاتهام: أننا نعيش في ظلام التخلف؛ أما هم فيدركون من أساليب السياسة، وخيوط الدبلوماسية ما يستطيعون من خلاله تصريف شؤون البلاد والعباد! وقد ثبت عكس ذلك بعين اليقين.
- ومنها: أن كل أحد يستطيع أن يدعي ما يشاء ما دام لا يطالب بدليل على قوله.
ونحن نقول: إنه من المنطقي جدًا أن تكون هناك معايير معينة لقياس هذه الخبرة السياسية، وألا تكون مجرد ادعاء، وعندما تبحث عن هذه المعايير تجد أن التيارات الإسلامية قد تساوت فيها أو تكاد بدرجة لا تجعل من حق أحد أن يدعي لنفسه خبرة ليست لغيره من التيارات.
فإن كان معيار الخبرة السياسية هي القدرة على إنشاء الأحزاب؛ فقد أنشأنا.
وإن كان بالقدرة على حشد للمليونيات؛ فقد حشدنا.
وإن كان بالقدرة على عقد المؤتمرات؛ فقد عقدنا.
وإن كان بالقدرة على تكوين المجالس الإدارية في المراكز والمحافظات؛ فقد شكلنا.
وإن كان بالقدرة على التأثير في الشارع في الأمور العامة: كالاستفتاء مثلاً؛ فقد أثرنا.
وان كان بالقدرة على إصدار جريدة؛ فقد أصدرنا.
وإن كان بالقدرة على إخراج متحدثين رسميين يعبِّرون عن المنهج للجماعة، والبرنامج للحزب؛ فقد أخرجنا.
وإن كان بالقدرة على إنشاء الجمعيات وهيكلتها، ووضع اللوائح التي تنظم عملها؛ فقد صنعنا، ولا أدري أي معيار آخر للخبرة السياسية المزعومة؛ إلا مظاهر وفلسفات لا تمت إلى السياسة بصلة!
- ومنها: أن السياسة التي يتهمنا البعض بجهلها هي: سياسية الكذب والتزوير، والمراوغة والخداع للجماهير، وهذه سياسة لا يشك عاقل أن أقل الناس يستطيع أن يمارسها، ولكن قليلون جدًا مِن الناس من ينأى بنفسه عنها.
فالسؤال هو: هل نحن لا نستطيع أن نكذب ونزيِّف أم أننا نرفض أن نكذب ونزيف؟! وهل القدرة على ذلك والتسابق فيه يعد أمرًا يمدح صاحبه في هذا الزمان؟!
- ومنها: أن "النظام السابق الظالم" يبدو أنه كان أعلم بالتصنيف مِن بعض مَن يدعون السياسة اليوم؛ إذ إنه كان عندما يَعتقل السلفيين أو غيرهم.. كان يعتقلهم تحت اسم: "معتقل سياسي"؛ لعلمه يقينًا أن خلاف هذا التيار معه خلاف ديني شرعي يجعل هذا التيار معارضًا له في سياسته التي تخالف الشرع والشريعة.
- ومنها: إذا سلمنا أننا أقل خبرة فهل يجب علينا أن نَبقى بعيدين مفسحين المجال أمام أصحاب الخبرة السياسية؛ ليزدادوا خبرة إلى خبرتهم، ونبقى نحن على عدم خبرتنا؟! هل هذا هو المطلوب منا اليوم؟!
وما الفارق إذن بين الديكتاتورية التي مارسها "مبارك" وأعوانه مع معارضيه، وبين ما يريده البعض من ممارسة بحقنا بإبعادنا عن العمل السياسي، وتفرده هو به دون غيره؟!
- ومنها: أن الشعب المصري وبعد ما يقارب من عام على ثورته أصبحت غالبيته -ممن ينتمي إلى حزب أو لم ينتمِ- تعرف جيدًا ما تحتاجه البلاد اليوم للخروج مِن أزمتها.. تعرف حاجتها إلى رجال مخلصين يحبون هذا الوطن ويعملون لمصلحته، وليس إلى سوق للكلمات، ولا متاجرة بالشعارات، ولا تلاعب بالمصطلحات التي مِن أعجبها اليوم "الخبرة السياسية" عند أقوام يعلنون دومًا أنهم مُنعوا من ممارسة حقوقهم السياسية؛ مما يُعد تناقضًا بيِّنًا في هذا الادعاء!
فهلُم أيها الأحبة.. لينفع كل واحد منا أمته بما يقدر عليه دون أن يبني نفسه بهدم الآخرين أو الاستعلاء عليهم؛ فقد علمنا الشرع، ثم علمتنا هذه الثورة أن التعالي عاقبته إلى هوان.