شيطنة التيار السلفي !!
جمال سلطان
فجأة ظهر في مصر طوفان أخبار لا ينقطع يوميا عنوانه "سلفيون يفعلون" ، لا تفتح قناة فضائية خاصة اليوم إلا وتجد في أحد برامجها تقرير أو خبر أو حوار عن مصيبة كبرى حدثت على يد بعض السلفيين ، ولا تفتح جريدة يومية خاصة إلا وتجد خبرا عن كارثة حدثت على يد سلفيين ، ولا تفتح موقعا إخباريا الكترونيا إلا وتجد فضيحة كبرى منسوبة إلى جماعة من السلفيين ، حتى أنه ليخيل إليك الآن أنك إذا خرجت من باب بيتك ستجد خلية مسلحة من السلفيين ينتظرونك ، ولن تسير امرأة سافرة في أي شارع إلا وتجد عددا من السنج والمطاوي تطاردها على يد سلفيين ، ولا تجد خناقة بين اثنين من سائقي الميكروباص إلا وتجد صحيفة تصنف أحدهما على أنه سلفي بدليل أن ذقنه كانت "منبتة" .
هناك هستيريا الآن في الإعلام المصري يتم تصنيعها باستعجال للتخويف من التيار السلفي ، وليس من الصعب أن تلحظ الخيوط التي تقف وراء هذه الحملة ، التي بدأت أساسا من جهات كنسية ورجال مال مرتبطون بالكنيسة مثل الملياردير القبطي نجيب ساويرس الذي يتمدد إعلاميا عبر قنوات فضائية وملكية عدد من الصحف اليومية والمواقع الالكترونية المعروفة هو وشقيقه سميح ، إذ هناك انزعاج كنسي كبير من الضغوط التي يمارسها التيار السلفي على البابا من أجل الكشف عن مصير السيدات المختطفات ممن أسلمن وتم تسليمهن إلى الكنيسة حيث قامت باعتقالهن في بعض الأديرة وعزلهن عن العالم ، وهذه الحملة ، مثل حملة إطلاق كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين ، يتولى تحريكها في المجتمع التيار السلفي ، لذلك كان من الضروري إطلاق حملة كنسية ـ من وراء ستار ـ ضد التيار السلفي واستخدام كل أساليب التضليل والدعاية السوداء من أجل تشويهه والإساءة إليه .
هناك أيضا التيار الشعوبي المتطرف ، الذي يدعو إلى الفرعونية ورفض أي مظهر إسلامي في مصر ، والذي جرف معه تيارا علمانيا متطرفا يتصور أنه كلما ابتعد عن الإسلام ومعالمه كلما كان مدنيا وحضاريا ، ومعهم تيار سياسي متغرب تم تهميشه في التعديلات الأخيرة ، وقد خاض هذا "الائتلاف" غير المعلن معركة ضارية من أجل وقف الاستفتاء على التعديلات الدستورية ، ومارسوا حملة غسيل مخ واسعة النطاق للمجتمع المصري من خلال برامج فضائية مكثفة جدا يوميا ، وحملات صحفية لا تتوقف ، حتى وصلت قناعتهم إلى اكتساح رفض التعديلات في التصويت ، ثم فوجئوا أن الاكتساح كان للموافقين ، وأذهلهم أن التيار السلفي ـ الذي لم يكونوا منتبهين لوجوده من قبل ـ هو الذي قاد الحملة الشعبية للموافقة على التعديلات ، وهو الذي نجح في كسب مصداقية عند الجماهير وتوجيه بوصلة التصويت ، فتضامنوا جميعا في حملة تشويه وتضليل مكثف للتيار السلفي ظنا منهم أن هذه الحملة ستضعف من وجوده وتقلص من نفوذه الشعبي وتجرح مصداقيته في الشارع ، ولكن الحقيقة أن هذه الحملة تتحول تدريجيا إلى دعاية حقيقية للتيار السلفي تكسبه تعاطفا أوسع ، بفعل الغباء منقطع النظير في الحملة واستسهال الأكاذيب التي يتحقق منها الناس بسهولة .
وفي مقابل تلك الحملة الشرسة والعدوانية على التيار السلفي "الإسلامي" هناك حملة من نفس القنوات والصحف والمواقع تروج للتيار المتشدد "المسيحي" وتتبنى مطالبه بالكامل ، وبالجملة ، وبدون أي مراجعة أو تساؤل ، وتتعامل بحنو بالغ مع شخوصه ورموزه المتطرفة والمتشنجة ، وتتلمس الأعذار لسلوكياته العدوانية الخطيرة والمسلحة وتتستر عليها على النحو الذي حدث في مصادمات ماسبيرو وميدان عبد المنعم رياض ومنشية ناصر والسيدة عائشة وشارع النصر ، وفي الوقت الذي لم يضبط فيه أي مثقف مصري معروف يتجول ولو "سياحة" في مسجد من مساجد مصر ، نجد عشرات المثقفين وهم يتناوبون الزيارات والندوات داخل الكنائس المختلفة ويعلنون عن مشروعاتهم السياسية من داخل الكنائس ، ولو فعلها مسلم وأعلن مشروعه السياسي من داخل مسجد لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها على إقحام الدين في السياسة ولذرفوا دموع التماسيح على المجتمع المدني المهدد .
بطبيعة الحال ليس هذه المقال معنيا بالدفاع عن السلفيين ، فهم لهم أدواتهم وقنواتهم وحضورهم الشعبي الكبير الذي يكفيهم ، ولكن قصدي من المقال هو توجيه الضوء إلى هذا العبث الجديد بالوطن وأمنه والبنية الدينية فيه ، والتي يمثل الاقتراب منها لعب بالنار ، وإذا كان بعض "المغفلين" يخوض في اللعبة بحسن نية ، وجريا وراء موجة ، أو بحثا عن مقعد على الهواء أمام فضائية ساويرس أو غيره ، حيث أصبح بعض الصحفيين يكتبون مقالاتهم وعينهم على صداها في برامج "التوك شو" ، وتشعر أنهم يكتبونها خصيصا للتسويق هناك ، حيث يأتيه الاتصال الهاتفي ظهرا يدعوه للمشاركة في برنامج الليلة ليشرح "عبقرية سيادته" في المقال للرأي العام ، إذا كان البعض يفعل ذلك بهذه النية ، إلا أن الآخرين يفعلونها وينفقون عليها بنوايا أخرى ، حتى لو انتهى الأمر بحريق الوطن ، وقطع مسار الديمقراطية وحرمان المصريين من أن يجنوا ثمار ثورتهم الكبيرة .